يهدف التعليم بشكل عام إلى تفجير طاقات الأفراد وتنمية تفكيرهم وابداعهم وصقل شخصياتهم للعيش حياة مستقرة سعيدة حرة في مجتمعاتهم. فالمجتمع الحر يفرز تربية حرة والمجتمع المتسلط ينتج تربية كابته للحرية مكبلة للتفكير مقيدة للعقول. ومما يؤسفنا قوله أن المجتمعات العربية يسيطر التحكم السلطوي على تعليمها ، هذا التحكم يعني خضوع الطلبة وانقيادهم للمعلمين، ومن صوره العنف في التعليم، والعقاب والتهديد وإلقاء الأوامر والتوبيخ، ومصادرة الرأي والحرمان من الحقوق.
ويمكن تصنيف أمراض التعليم في العالم العربي إلى عدة جوانب:
أولا: استراتيجيات التعليم
إن جوهر التعليم في مدارس عالمنا العربي يقوم على حفظ المعلومات والمعارف والحقائق لحين الامتحان، ليقوم الطلبة بإعادة تسليمها إلى مصدرها وهو المعلم، وهو ما أسماه باولو فريري ( التعليم البنكي ). الطلاب هم البنوك والمعلمون هم المودعون. والجامعات العربية ليست أحسن حالا من المدارس العربية، لأن استراتيجية التعليم المسيطرة فيها هي المحاضرة، كله تعليم يعمق التسلط ويغرس الاستبداد ويقوي الخضوع والإذعان، ويفرض هيمنة المعلمين وسلطتهم. وإذا ما انتقلت في أرجاء العالم العربي من محيطه إلى خليجه ومن بحره إلى بحره وصحرائه فإنك لا تكاد تجد مدرسة واحدة تعلم الطلبة باستراتيجيات تعليم حديثة كديدن دائم وسمة مستمرة ونظام شامل مدروس. هذه الاستراتيجيات الحديثة قد يطبقونها في المواسم أو كاحتفاليات في المناسبات.
ومن النتائج السلبية للتلقين في التعليم ما يأتي:
1- اضعاف الفهم والتحليل والنقد والبحث والتجريب والنبوغ والابداع والتجديد والتعلم الذاتي.
2- التعليم بالتلقين يقود إلى الاستسلام والتكيف مع القهر والاستغلال.
3- يحرم الطلبة من المشاركة والتفاعل وينمي السكوت والسرحان والطاعة العمياء ويثير الملل والشرود بل النعاس والنوم.
4- يهمل الحاجات والاهتمامات الحقيقية للطلبة ولا يوفر التدريب العملي التطبيقي ولا يهتم بمهارات الطلبة.
5- يفرض استراتيجية تقويم أحادية قائمة على استرجاع المعلومات التي حفظها الطلبة.
6- ينمذج التلقين العقول العربية في قوالب جامدة تؤدي الى استمرارية التعليم بالتلقين في الأجيال القادمة بالتوارث جيلا بعد جيل.

ثانيا : المناهج
تركز المناهج العربية على المعرفة أكثر من تركيزها على الانسان، وفي الغالب ينظر إلى الكتاب المقرر على أنه المنهج، مما يؤدي إلى الالتزام الحرفي بمحتوياته، ويسجن عقل الطالب في هذا الكتاب بوصفه مصدرا وحيدا للمعرفة، بالرغم من المشاكل الكثيرة التي تعتريه وأبرزها أن معظم الكتب المقررة تعود الطلبة على التفسير الواحد وعلى الرأي الواحد، ناهيك عن الأخطاء العلمية فيها ، والإخراج السيئ لمحتواها.
ثالثا: التقويم
التقويم في التعليم العربي يقوم في معظمه على استراتيجية واحدة هي القلم والورقة ( الامتحانات ). وبدلا من تحسين العملية التعليمية التعلمية بالتقويم، فإن التقويم العربي أصبح أداة لقهر الطلبة وترويعهم وإرهاقهم، ليس وحدهم بل تبعهم أولياء أمورهم. وقد أدى التركيز على الامتحانات إلى عدم الاهتمام بالتفكير والاتجاهات والسلوك، وأدى إلى تفشي السلبية وتقوية النزعة الفردية، والتركيز على البصم بدلا من الفهم، وتغييب الإبداع وحل المشكلات والتفكير الناقد والتعلم التعاوني والتعلم بالنشاط والذكاء المتعدد، وأصبح التقويم غاية في حد ذاته.
رابعا: الاشراف التربوي
الإشراف التربوي هو عملية إنسانية ديمقراطية تعاونية مستمرة يهدف إلى تحسين التعليم وتحقيق الأهداف التربوية. من خلال نشاطات إشرافية متعددة، منها المساعدة في التخطيط والتدريب ، وتقديم النصح والمشورة ، وإعداد النشرات والأدلة، وإدارة الاجتماعات واللقاءات، وإدارة وتنفيذ المواقف الصفية والدروس التطبيقية، والزيارات الصفية، والمساعدة في إدارة الاختبارات وتفسير النتائج ، وتقديم الدعم لعلاج الضعف، والتحسين والتطوير في المناهج، وغيرها من المهام.
هذه الصورة الناصعة للإشراف التربوي نادرا ما تجدها في التعليم والمدارس العربية، لأسباب عدة منها غياب الاهتمام بالإشراف التربوي، وعلى العموم ما زال الإشراف يتخذ سمة التفتيش والإحراج، وإظهار نقاط ضعف المعلمين، ويخلو من التفاعل الحقيقي بين المشرف والمعلم، فيتحول المعلم إلى تلميذ ضعيف لا حول ولا قوة له، أمام مشرف تقليدي يلقن ويتحدث طويلا دون أن يصغي أو يسمع، همه تقويم المعلم وتقديم التقارير عن عمله.
خامسا: الإدارة المدرسية
يمكنني تعريفها بأنها مجموعة من العمليات المنظمة والمترابطة، تهدف إلى انجاز العمل وبلوغ الأهداف ،من خلال التفاعل الأمثل للطاقات البشرية، والاستخدام الأفضل للطاقات المادية والتكنولوجية، في زمن محدد.
الإدارة في العالم العربي بشكل عام تعاني من المركزية الشديدة، والتشنج والتجهم وعدم الاعتبار لمفاهيم الاتصال الإنساني، تركز على الإجراءات والمراسلات والتقارير، وتهمل مشاعر الإنسان، وتهمل إدارة الوقت، وتتميز بالواسطة والمحسوبية وعدم وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، مما ينتج عنه عدم كفاءة المديرين العرب.
سادسا: إدارة الصف
تقوم إدارة الصف على عاملين مهمين هما: تحقيق النظام وإنجاز التعلم، ولا يتم انجاز التعلم إلا بتحقيق النظام . ويوجد في إدارة الصف اتجاهان، أولهما: هو درهم وقاية خير من قنطار علاج، ويتميز هذا الاتجاه باستخدام المعلم لكافة الاستراتيجيات، والإجراءات الكفيلة بمنع وقوع المشكلات وإزالة مبرراتها ودوافعها. وثانيهما: فهو البحث عن العلاج بعد وقوع المشاكل. وهذا الاتجاه هو السائد في التعليم العربي.
وسوف أبين هنا مميزات الاتجاه الوقائي في إدارة الصف لأهميته:
1- توفير تعليم فعال في غرفة الصف باستراتيجيات متعددة، خاصة الذي يركز منها على المهارة والعمل، كالتعلم بالنشاط.
2- توفير بيئة مادية ونفسية ملائمة للتعلم يسعد الطلاب والمعلمين بها.
3- يتيح الاتجاه الوقائي للمعلم أن يوضح القوانين والتعليمات التي تؤدي إلى الانضباط، وإلى التعرف عن كثب على شخصيات الطلبة.
4- تنمو العلاقات الطبيعية والايجابية بين المعلم وتلاميذه، وبين التلاميذ أنفسهم، وتتحسن العلاقات بين المعلمين في المدرسة الواحدة.
5- يركز هذا الاتجاه على تنمية الضبط الذاتي لدى الطلبة مع تقدم العمر وتكامل شخصية الطالب، فيذهب إلى الجامعه ومعه رصيد من الانضباط يحميه من اتجاهات العنف والتعصب.
وفي الختام ليست هذه هي وحدها أمراض التعليم العربي، ولكننا اختصارا نقول إذا أردنا للتعليم العربي أن يشفى من أمراضه، علينا أن نبدأ بالعلاج الحقيقي والشامل، حتى نصل إلى تعليم فعال كغيرنا من أمم أخرى في هذا الكون.