موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
دور القيادة التربوية ....في ضوء علم النفس
القادة التربويين في فترات الترشيد مشكلة كيفية المحافظة على تعاون وأداء مجموعة المعلمين المحبطين.
ويعني التربويين من نقص في الأجهزة والأدوات المساعدة لمعالجة تلك المشكلة الخطيرة فهل يستطيع جراح أن يعالج مريضاً دون أجهزة وأدوات معينة؟ وإذا لم يتوفر لديه ذلك، فإنه يقوم بإعطاء علاج لا يساعد على شفاء المريض.
وعلى الرغم من أن رواتب المعلمين تعد معقولة في الوقت الحاضر مقارنة باقرانهم الجامعيين الملتحقين بمهن أخرى، إلا أن الروح المعنوية للمعلمين متدنية مما جعل الكثير منهم يملون التدريس ويحاولون بشتّى الطرق التهرب منه لوظائف أخرى في المجال التربوي، وغيره ونلحظ أن هناك كثيراً من التذمر والشكوى بسبب الظروف المحيطة بالعمل في بعض المدارس وفي أوقات الرخاء يكون من الميسور عادة اللجوء للمكافآت الملموسة المتصلة بالرواتب والمنافع الأخرى والكتب والإمدادات المادية والرحلات، أما في أوقات التقشف فإن القادة يجدون أنفسهم مضطرين لخفض المكافآت النقدية الملموسة، ويجتهدون لتركيز انتباه معلميهم على غير الملموسات كالاعتراف كتابة بالجهود التي يبذلونها، ومنحهم الفرص للإنجاز وممارسة المزيد من المسؤولية وإبداء روح الصداقة والاعتبار الشخصي نحوهم، وعلى أية حال، فإن غير الملموسات من هذا النوع يمكنها أن تمثل بدائل مؤقتة للمكافآت والحوافز الملموسة، غير أن الحرمان من المستوى المعيشي اللائق مضافاً إليه بيئة العمل غير المرضية ولفترات قد تطول، لا يؤديان إلا لعدم الرضا المتزايد من جانب المعلمين.
الأساس النفسي للقيادة
إن دور القيادة التربوية في حقب التقشف في ضوء علم النفس التحفيزي، يستند إلى خمسة افتراضات تتعلق بالمهنيين وكيفية ارتباطهم بالعمل، وهي:
أولاً: الناس جميعاً يريدون الحصول على أشياء معينة من واقع حياتهم العملية ومن بين هذه الأشياء:
1- الإحساس بالرضا النفسي.
2- العيش الخالي من الهم الاقتصادي.
3- العيش والعمل في بيئة خالية من الأخطار الخاصة بالصحة البدنية والذهنية.
4- حرية الإبداع.
ثانياً: معظم ما يرغبه الناس في الحياة يتحقق من خلال العمل، إما مباشرة أو بطريق غير مباشر، والناس العاملون يقضون حوالي الثلث من كل يوم، ابتداءً من السبت وحتى يوم الأربعاء، في أماكن العمل كما أن ما لا يتيسر إنجازه من أعمال في ساعات العمل يُحمل غالباً إلى المنازل لينجز هناك. أي أن العمل يمثل الجزء الأكبر من حياة معظم الناس.
ثالثاً: أن مدى الحرية التي يعمل بها الشخص لإنجاز مهام عمله ومدى تحقيق الغايات من ذلك العمل، يعتمد في جانب منه على إحساسه بأهمية تلك المهام. فإذا كان إحساس الأشخاص بالمهام التي يؤدونها والغايات التي يرمون إليها إيجابياً، فإنهم سوف يعملون بجدية لإنجاز هذه المهام إنجازاً حسناً. أما إذا كان هذا الإحساس سلبياً فإنهم ينكفئون للوراء ويميلون لإنجاز الحد الأدنى المقبول من العمل.
رابعاً: المهام العملية لابد من ارتباطها بأهداف معينة، ومتى كانت هذه هي الحال فإن العاملين يصبح لديهم إحساس طيب تجاه أعمالهم ويدركون أنها ذات معنى وغاية.
خامساً: إنجاز الأعمال يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحاجات الشخصية للعاملين، فالذين ينتجون أكثر من مستواهم يستحقون نصيباً أكبر من المكافأة عن الذين هم أقل إنتاجاً، ذلك أن توزيع مكافآت العمل بالتساوي بين أناس ينتجون بمستويات مختلفة لا يؤدي لتشجيع العاملين ذوي الإنتاج كما أنه لا يشجع ذوي الإنتاج المتدني على الاجتهاد لرفع مستوى إنتاجهم المتوقع.
مبادئ القيادة
من الافتراضات سالفة الذكر، يمكننا استخلاص مبادئ قيادية محددة من شأنها المحافظة على مستوى أداء العاملين أو زيادته في أوقات التقشف وبالتحديد فإن هذه المبادئ هي:
1- أن نجعل العائد الشخصي غير الملموس بالنسبة للعمل أكثر وضوحاً ورؤية من ذي قبل.
2- أن نجعل مهام العمل وبيئته أكثر جاذبية.
3- أن نجعل من أهداف العمل وتحقيقها شيئاً ذا جاذبية أكبر.
4- أن نربط بين مهام العمل وإنجاز الأهداف المحددة لها .
5- أن نربط تحقيق أهداف العمل بالعائد الشخصي .
العلاقات بين هذه المبادئ الخمسة كما هي مبينة في (الشكل أدناه) توضح لنا أن العائد الشخصي هو النتيجة النهائية المرجوة من النشاط العلمي. فإذا توقع الناس العائد المناسب وتسلموه بالفعل نظير ما قدموا من جهد وما أنجزوا من أهداف، فإنهم سوف يقدمون بذلك مقادير عالية من الطاقة (المجهود) في إنجاز مهامهم. ومتى انهارت أي من هذه المبادئ يصبح هبوط مستوى الأداء أمراً متوقعاً.
ونأتي بعد ذلك إلى بعض المقترحات الخاصة باستخدام هذه المبادئ وقبل الكلام عن هذا الجانب، يمكن القول بأن القادة المبدعين من ذوي البذل يتسمون بالقدرة على النظر بعناية في الظروف والأحوال المحيطة بعملهم، وإدخال وتطوير الاستراتيجيات المناسبة لتلك الظروف والأحوال.. والمقترحات هي:
المبدأ الأول: أن نجعل العائد الشخصي غير الملموس من العمل أكثر وضوحاً ورؤية:
من السمات المستديمة للإنسان الرغبة في استبدال المكافآت والحوافز غير الملموسة بالمكافآت المادية من النوع الاجتماعي. فعلى القائد التربوي المسؤول إذاً أن يستثمر هذه السمة بالتركيز على مكافآت اجتماعية من النوع الذي يبعث الرضا في نفس المعلم، كالمشاركة في فعالية اجتماعية هامة وما يتاح من حرية لتحقيق المصالح الشخصية وممارسة المنافع والهوايات خلال العطلات والإحساس الطيب للإبداع والإنجاز، وكذلك فرص العمل مع الآخرين ممن يحملون القيم والفضائل نفسها. وهذه الحوافز يمكن جعلها أكثر وضوحاً ورؤية بعمل احتفالات مشتركة للمعلمين والطلاب والترويج لدى المجتمع للنشاطات المستمرة الخاصة بالمعلمين والطلاب.
المبدأ الثاني :أن نجعل مهام العمل وبيئته أكثر جاذبية:
إن مهام التدريس يمكن تقسيمها إلى مهام تعليمية ومهام مرافقة للمهام التعليمية. فالمهام التعليمية هي (تلك المهام التي يؤديها المعلم لتحقيق أهداف تربوية)، والمهام المرافقة للتعليم هي (تلك الواجبات والمسؤوليات اللازمة للتشغيل السليم للمدرسة)، وهي الخاصة بأشياء مثل (المهارات الطلابية، الحضور والغياب، المتابعة، اجتماعات الآباء والمعلمين) وكذلك الاجتماعات الفردية مع الآباء وبعض الواجبات مثل حالة القاعات والصف المدرسي.. إلخ. هذا بجانب نشاطات اللجان من مختلف الأنواع. وهذه المهام، التعليمية منها والمرافقة تؤدي جميعها دورها في البيئة التي يشترك في إعدادها وتهيئتها القائد التربوي والمؤسسة التعليمية نفسها واللوائح والتنظيمات ومطالبات وتوقعات المجتمع، وأهم عامل في هذه البيئة هو القائد التربوي. فهذا القائد التربوي أو التعليمي يمكنه أن يجعل من المدرسة إمّا مكاناً جذاباً يصلح وإمّا مكاناً يتم فيه تبادل الوقت بالأجر لا غير. وفي أزمنة «التقشف» يجب على القائد التربوي أن يعمل على زيادة الدافع الذاتي لدى المعلمين وضمان رضاهم.
ومما يجدر بالقائد التربوي فعله في هذا المضمار:
-معاملة المعلمين كمهنيين باحترام كفاءتهم في تخطيط وتنفيذ الاستراتيجيات التعليمية الصحيحة، مع تجنب ملاحظات الفصول الدراسية التي ربما لا تخدم غرضاً سوى خلق الإحساس بوجوده لا غير.
- أن يراجع ويعيد تنظيم الفصول الدراسية للحد الممكن، وأن يسمح للمعلمين بتدريس العلوم التي يفضلونها.
- أن يوفر أوجه العون والمساعدة الفنية للبرامج الاختيارية.
- أن يقلل من المعوقات الطلابية للعمل بالتعامل بفاعلية أكثر مع التلاميذ المشاغبين ومراعاة الاحتفاظ بعلاقة منتظمة.
- أن يقوم بتوفير مكان جذّاب ومريح للاستراحات بين الدروس.
- أن يكافىء المعلمين على الأعمال الإضافية التي عادة ما تكون غير محببة إليهم.
- أن يعمل على زيادة انتماء المعلمين النفسي للمدرسة بطلب آرائهم ونصحهم ومشورتهم فيما يخص سير المدرسة.
المبدأ الثالث: وضع أهداف أكثر جاذبية للعمل:
الأهداف التربوية إلى حد كبير يتم تحديدها «سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة» بالاختبارات ذات المعايير الثابتة والكتب المقررة والقواعد التي تسنها الأجهزة ذات العلاقة، ومستقبلاً مجالس التعليم في المناطق وحيث إن المعلمين والإداريين لا يسهمون إلاّ بالقليل في تحديد هذه الأهداف التي يسعون لتحقيقها، فإنهم نتيجة لذلك يجدون صعوبة في الانتماء النفسي لكثير من هذه الأهداف وإلزام أنفسهم تلقائياً بإنجازها، وقادة التعليم بدورهم يمكنهم أن يفعلوا الكثير في سبيل مساعدة المعلمين على فهم الأهداف التربوية عن طريق إدارات التعليم في المناطق التعليمية.
وعلى القائد التربوي أن يضع الأهداف التربوية بوضوح أمام المعلمين، وأن يعينهم على ابتداع الوسائل الكفيلة بجعلهم يتبينون ويتأكدون بأنهم يقومون بالفعل بإنجاز هذه الأهداف كما هي. وعلى القائد التربوي كذلك أن يعمل مع المعلمين على استخدام الوقت الدراسي المحدد المخول لهم لتحقيق تلك الأهداف التي يعتقد المعلمون من جانبهم أنها مهمة في تعليم التلاميذ.
المبدأ الرابع: الربط بين مهام العمل وإنجاز الأهداف:
إن وعي التربويين بالمهام المحددة أمر يعد ذا أهمية بالنسبة لخلق الدافع للعمل لديهم. فالمهام المطلوبة داخل أي عمل من الأعمال إذا لم تكن لها علاقة واضحة ولصيقة بإنجاز أهداف معينة معلومة لدى العاملين فسوف يتم أداؤها بشكل غير متقن ومنفر. ولذا فإنه لخلق الدافع للعمل لدى المعلمين لابد من جعلهم يتبينون وجود علاقة لصيقة بين مهامهم التعليمية وسواها من جانب والأهداف المرجح إنجازها من الجانب الآخر.
وهناك عدد من المفاهيم المأخوذة من واقع البحث والتطبيق في مجال إدارة الأعمال خلال الربع الأول من هذا القرن، ويمكن أن تمد القائد التربوي بالإرشاد اللازم لتجلية واستظهار العلاقات المهمة بالهدف.
فلجان إثراء العمل والإدارة الجماعية ورقابة النوع كلها تختص بإشراك المعنيين من العاملين التابعين لمجالاتها في تحديد ما يجب إنجازه وكيفية إنجازه وما إذا كان المقصود تحقيقه قد تحقق بالفعل. وهذا النوع من المشاركة كفيل بإلزام المشاركين بالأهداف المحددة، والمهام المتعلقة بالعمل المقصود إنجازه، وهي بهذا تؤكد أن المشاركين على علم بالنتائج المرجوة والمعوقات والقيود التي قد تفتقر إلى الإنجاز في بعض جوانبه، وهي بالتالي تمد هؤلاء المشاركين بالحافز والدافع إلى البحث عن الوسائل الأكثر فاعلية في تحقيق الأهداف.
والقادة في مجال التعليم يمكنهم زيادة إسهام المعلم بإنشاء لجان مراقبة النشاطات المدرسية المختارة والمنوط بها مسؤولية تطوير ومراجعة أهداف المدرسة، وتقويم المواد والإجراءات اللازمة لتحقيق الأهداف المرسومة وتقصي مدى إنجازها ودراسة وسائل الحد من المشكلات الطلابية والروادع الأخرى المؤثرة إيجابياً على فاعلية التدريس والاطلاع.
هذا مع إعداد التوصيات اللازمة من أجل قيام المعلمين بإجراء التحسين والإصلاح في مجالات النقص. ومن ثم فإنه على القائد التربوي أن يقوم بما يلزم من إجراءات تنظيمية تمكن اللجنة من تنفيذ التوصيات وشحذ الموارد ومتابعة التنفيذ متعاوناً معهم لتقويم النتائج.
المبدأ الخامس: ربط إنجاز الأهداف بالعائد الشخصي:
إن تحفيز السلوك يتم في الغالب تجاهله أو مكافأته بمقدار غير كاف، فإذا أردنا حقاً استمرار السلوك العلمي المحكوم بأهداف العمل علينا تقديم المكافآت المناسبة.
والتربويون سواء المعلمون منهم أو الإداريون ظلوا لفترة طويلة يتجاهلون نظم المكافآت التفضيلية، فقد كان لمبدأ المعاملة المتساوية للإنجازات غير المتساوية أثره في عدم تشجيع النبوغ، ومكافأة الجميع مما يعد من العوامل الرئيسة المسببة لتدني وضع التعليم والمعلم في مجتمعنا.
وبما أن نظم الرواتب المبنية على الميزة تبدو غير واقعية في المناخ الاجتماعي السائد الآن، فإنه لا بد من اللجوء إلى استخدام وسائل أخرى، ومن بين هذه الوسائل ما يأتي:
1- إصلاح نظام التقويم بحيث يمكن أن ينال المعلمون المتميزون بتحقيق نتائج إيجابية مردوداً دائماً لهم في حياتهم مع التخلص من الفاشلين المقصرين «بعد بذل الجهد لإصلاحهم».
2- الإشادة بجهود المعلمين الذين وفقوا في تحقيق نتائج إيجابية في عملهم.
3- إتاحة الفرص للمعلمين المتفوقين ذوي النتائج الإيجابية في عملهم لتنمية مهاراتهم المهنية.
4- العمل على إيجاد نظام للترقي في السلم الوظيفي مبني على تحقيق النتائج الإيجابية.
وحتى يأتي الوقت الذي نتوقف فيه عن مكافآت المعلمين بصورة روتينية، وذلك بالحصول على درجة علمية إضافية أو إضافة عام جديد من سنوات الخدمة، ونتجه بدلاً من ذلك للمكافآت المبنية على تحقيق النتائج الإيجابية في العمل وإن لم يتحقق ذلك فإن بعض المعلمين لن يجدوا ما يدعو لزيادة فعاليتهم في العمل. فالقادة التربويون يجب أن يكونوا على استعداد لمكافأة المعلمين على أساس من النتائج المحققة.
إن التربويين سيظلون يعيشون في زمن يسوده التقشف خلال المستقبل المرئي. وبالتالي فإنه لن يكون ثمة ضرر من أن يقوم قادة التعليم بتكييف وتطويع وسائل تحفيزهم للمعلمين وفقاًلذلك. ولأن المكافآت الملموسة لم تعد متاحة بالقدر الذي كانت عليه سابقاً، لهذا يصبح لزاماً على قادة التعليم التركيز على المكافآت غير الملموسة.
المفضلات