موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
دور المدرس في ظل التعليم الالكتروني
أخذ الاهتمام بالتعليم الالكتروني يتزايد في الآونة الأخيرة لا على مستوى المملكة العربية السعودية فقط، ولكن على مستوى العالم ، فأخذت الجامعات العالمية تتجة بكثافة نحو التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد ادراكا منها للمميزات الجمة التي يحققها ذلك الاسلوب في التعليم سواء على المستوى الاقتصادي من خلال الارباح التي يدرها على الجامعات، أو على المستوى الاكاديمي بتوفير فرص التعليم لأشخاص قد يكون من الصعب التحاقهم بنظام التعليم بصورته التقليدية لاعتبارات عديدة، هذا الى جانب اسهام التعليم الالكتروني في حل الكثير من المشكلات التي تواجهها مؤسسات التعليم التي لم تعد فصولها تستوعب الأعداد الكبيرة من خريجي التعليم العام. وقد دعى ذلك الى اهتمام وزارة التعليم العالي في المملكة بقضية التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد، وتم تشكيل اللجان الخاصة بمتابعة الموضوع في الجامعات السعودية، كما تم عقد اللقاءات التي تهدف الى دعم تلك النظم وتطبيقها في الجامعات السعودية.
وتشهد جامعاتنا في الوقت الراهن العديد من التجارب في هذا الإطار وإن كان مستوى تلك التجارب يتفاوت، فهناك الجهود الفردية التي يقوم بها بعض المدرسين في بعض الأقسام الأكاديمية، وهناك الجهود الرسمية التي تقع تحت مظلة بعض الجامعات التي أنشأت عمادات أو مراكز للتعليم الالكتروني والتعليم عن بعد، وبدأت في خوض التجربة بشكل فعلي ومنظم.
وفي ظل ذلك الاهتمام أصبح لابد من متابعة القضايا المتعلقة بالتعليم الالكتروني، ومحاولة التعرف على أبعاد الموضوع، وتحديد الأدوار بصوره أكثر وضوحاً، والوقوف على العوائق في محاولة لإيجاد حلول لها.
ولاشك أن أي فكرة جديدة تواجه بالقبول من البعض والرفض من البعض الآخر، وينطبق ذلك على التعليم الالكتروني الذي لاقى إقبالاً وتأييداً من بعض المدرسين، إلا أنه قوبل بالرفض من البعض الآخر لاعتبارات مختلفة. ولأن المدرس يمثل عنصرا رئيسا في العملية التعليمية، حيث يشكل مع الطالب والمقررات الدراسية أضلاع مثلث تلك العملية ، فسنتناول في هذه المقالة بعض الجوانب المتصلة بدور المدرس في ظل التعليم الالكتروني، للتعرف على التحديات التي تواجهه، والأساليب المقترحة للتغلب عليها، وكذلك التعريف بالتحول الذي سيشهده دور المدرس مع استخدام تقنيات التعليم الالكتروني، فضلاً عن استعراض أبرز السمات التي تميز المدرس الجيد.
التحديات التي يواجهها المدرس:
يواجه المدرس بعض التحديات التي قد تعوق أو تؤخر أو تحول دون إقبال المدرس التقليدي على التعليم الالكتروني في بعض الأحيان. ومن تلك التحديات نذكر الآتي:
1. القلق بشأن عدم توافر المهارات الفنية الكبيرة أوالوقت لتعلم نظم وعمليات ومهارات جديدة.
2. الجهد الاضافي المطلوب من المدرس للمتابعة المستمرة لأداء الطلبة، والاتصال المباشر معهم، واصدار التقارير الدورية، ومتابعة البريد الالكتروني، وتقديم المعلومات الفورية لعدد كبير ومتنوع من الطلبة...، فكل ذلك وغيره يمثل عبء إضافي فوق عب العمل الموكل الى الاستاذ، وقد لا يتوافر لديه الوقت الكافي للقيام به.
3. عدم اقتناع بعض المدرسين التقليديين بأهمية التعليم الإلكتروني وايجابياته، مما يجعله يعزف عنه.
4. عدم تقبل البعض لفكرة تقليص سلطة المدرس وسيطرته على مجريات العملية التعليمية، وبروز دور المتعلم بشكل كبير في العملية، فضلاً عن مشاركة المدرس في فريق عمل لتجهيز البيئة التعليمية.
ولاشك أن التعليم الالكتروني أحدث تغييرا كبيرا في دور المعلم وعلاقاته، ولو ألقينا نظرة سريعة للمقارنة بين دور المدرس التقليدي والمدرس الالكتروني سنجد الآتي:
أن المدرس التقليدي
يقف كشخص حكيم على منصة
يؤدي دوره كمحاضر(يلقي محاضرات للطلبة)
يقدم اجابات على استفسارات الطلبة.
يقدم المحتوى العلمي.
يعمل بجهد فردي في معزل عن الآخرين.
له كامل السيطرة على بيئة التعليم.
أما المدرس الالكتروني
يقف على الجانب كمرشد
يؤدي دوره كمستشار أو مرشد أو مقدم للمصادر.
يقوم بدور خبير يسأل الطلبة.
يصمم الخبرات والتجارب العلمية.
يشكل عضو في فريق عمل.
يتقاسم السيطرة على العملية التعليمية مع المتعلم.
ومن هنا يتضح أن المدرس أصبح يعمل على تسهيل أو تيسير تلقي العملية التعليمية (facilitator)، ومرشد بدلاً من شخص يتم الاعتماد عليه كلياً. فالمدخلات التي يقدمها المدرس هنا أقل بكثير منها في التعليم التقليدي، كما أن هناك عناصر أخرى تشاركه في تقديم العملية التعليمية تتمثل في فريق العمل، والذي غالباً يتكون من ثلاث فئات رئيسة هي:
أولاً: خبراء المحتوى:
هم الأشخاص المسئولون عن محتوى المادة العلمية التي يتم تقديمها للطالب، ويقع المدرس ضمن هذه الفئة التي تشمل أيضاً المؤلفين، والمتخصصين . ويتولى هؤلاء مهمة وضع المادة العلمية المناسبة للمقرر، والتأكد من دقة المعلومات وحداثتها، وتحديد المراجع التي يرجع اليها الطلاب.
ثانياً: خبراء تكنولوجيا التعليم:
يطلق على خبير تكنولوجيا التعليم اسم "المصمم التعليمي Instructional Designer" ، أو "المطور التربوي Education Developer " ،أ و"أخصائي الوسائل التعليمية Media Specialist " ويقع على عاتقه تحديد أكثر الوسائل التعليمية ملاءمة لتحقيق الأهداف التربوية، وهو يراعي الأسس النفسية والادراكية ومبادئ التعلم والتعليم عند إجراء التصميم، وتزويدالمتعلم بالخبرات التعليمية التي يحتاج إليها واتاحة المجال لتفاعله مع العملية التعليمية ، فضلاً عن مراعاة التوازن بين التعليم بالعرض وتقديم المعلومات الجاهزة، وإخبار الطلاب بكل ما يحتاجون إليه، وبين التعلم بالبحث عن المعلومات.
ويقوم خبير تكنولوجيا التعليم أو المصمم التعليمي بتقسيم المادة العلمية أو المحتوى العلمي الى موضوعات أو وحدات صغيرة، وتحديد الأسلوب اللغوي المناسب لتقديم المادة العلمية وعرضها (أسلوب التحاور مع الطالب عند عرض المعلومات وتقديمها)، وتقديم الأنشطة التي تؤدي الى التفاعل الايجابي للطالب مع النظام التعليمي، وتحديد وصياغة الانشطة التي تمكن المتعلم من التقويم الذاتي لتعلمه.
ويتعاون خبير المحتوى مع خبير تكنولوجيا التعليم في أداء المهام المتعلقة بتقسيم المحتوى وتحديد الأنشطة، وتحديد الأسلوب الملائم للعرض.
ثالثاً: خبراء الانتاج:
هم المسئولون عن انتاج المواد التعليمية، والمنفذون للتصميمات والمواصفات التي يعتمدها الخبراء تكنولوجيا التعليم.
أساليب التغلب على التحديات التي تواجة المدرس:
هناك بعض الأمور التي يمكن القيام بها للتغلب على معظم التحديات التي تواجه المدرس، والتي أشرنا إليها سابقاً، وبعض تلك الأساليب ينبغي أن يقوم بها المدرس نفسه، في حين أن البعض الآخر تتولى القيام به المؤسسة التعليمية، ومن ذلك نذكر الآتي:
1) بذل الجهود لاقناع المدرسين بدعم التعليم الالكتروني لهم ولتدريسهم، وتغيير معتقداتهم وطريقة تفكيرهم تجاه التعليم الالكتروني، وإيجاد الدافع الذي يحفزهم على استخدام تلك النظم، ويمكن عقد ورش عمل وحلقات نقاش ومحاضرات لهذا الغرض.
2) تنظيم المدرس لوقته، وتقييد الوقت الذي يتفاعل فيه بشكل مباشر مع الطلبة، على أن يُعّرف الطلبة بذلك الوقت، ويتيح المجال لهم للتواصل معه عبر البريد الالكتروني عند الحاجة، فبدلاً من أن يدخل المدرس الى النظام أكثر من مرة في اليوم الواحد، فإنه من الممكن أن يقيد ذلك بحيث لا يتجاوز 3-4 مرات في الاسبوع فقط، الأمر الذي يوفر الكثير من الوقت والجهد على الأستاذ، ويتيح المجال لعمل الطالب باستقلالية أكبر.
3) اكتساب الخبرات والمهارات المتعلقة بالتعليم الالكتروني من خلال المشاركة في فريق خاص بمدرس خبير، وتصفح جماعات النقاش الخاصة به، أي من خلال زيارة مواقع مدرسين آخرين.
4) دراسة بعض المقررات بطريقة التعليم الالكتروني، حيث يساعد ذلك في التعرف على الطرق المختلفة للتعليم، وتمييز الأسلوب الجيد من السيء من خلال الممارسة، وبالتالي يكسبه المهارات الت يحتاج إليها.
5) تنظيم ورش عمل لتمكين المدرسين من تطوير مهاراتهم في التعليم المباشر، وإكسابهم المهارات قبل الشروع في استخدام النظام.
6) المشاركة في التعليم مع مدرسين آخرين ، بحيث يتم تقسيم العمل بينهم ، ويؤدي كل منهم مسئوليات معينة، الأمر الذي يضيف للعملية التعليمية ويحقق مميزات عديدة، من بينها: اضافة خبرات ومهارات متعددة للبرنامج، وانقاص عبء العمل، والتركيز بشكل أكبر وعمق أكثر على الطلبة، وسد النقص الذي قد يحدث في حالة غياب أحد المدرسين.
7) وضع قائمة بالأسئلة المتكررة Faq ، بحيث يستطيع الطالب الحصول على قدر كبير من المعلومات دون الحاجة إلى التواصل مع المدرس وتوجيه استفسارات إليه، مما يتيح المجال لتوفير الوقت والجهد على المدرس.
المميزات التي يحققها التعليم الالكتروني للمدرس:
على الرغم من التحديات التي يواجهها المدرس في ظل التعليم الالكتروني، والتي من بينها الجهد والوقت الاضافيين التي يتحملهما المدرس الا انه في المقابل يحقق مميزات عديدة نذكر من بينها الآتي:
1) التعرف على مستوى كل طالب من الطلبة منذ بداية الفصل الدراسي، وهو الأمر الذي لا يتاح في الفصل التقليدي الذي لا يمكن فيه مشاركة جميع الطلبة بسبب محدودية الوقت المتاح للمحاضرة.
2) تحقيق التفاعل بين المدرس والطلبة، وبين الطلبة وبعضهم البعض من خلال النقاشات والدردشة والرسائل البريدية.
3) امكانية تقييم الطلبة، وبالتالي الحصول على تغذية مرتدة بصورة فورية ومستمرة.
4) تقييم أداء الطلبة بصورة دقيقة.
5) التنويع في المحتوى المقدم للطلبة (نصوص، صور، أصوات).
6) تنظيم ندوات وحوارات تفاعلية تنمي المهارات المختلفة للطلبة.
7) إتاحة الاختبارات الذاتية التي تسمح للطلبة بتقييم أدائهم وما اكتسبوه من خبرات بصورة ذاتية ومستمرة.
8) توفير التواصل بين المدرس والطلبة بحيث لا يقتصر الأمر على المعلومات التي تعطى للطالب عن طريق الحاسب الآلي فقط.
9) المشاركة في التعليم مع مدرسين آخرين.
سمات المدرس الجيد:
هناك بعض العناصر التي ينبغي أن تتوافر في المدرس الالكتروني حتى يمكن أن نقول بأنه يؤدي دوره بنجاح وفعالية، فالمدرس الناجح أوالجيد يتسم بالسمات التي نوردها فيما يأتي:
1. يكون لديه الدافع القوي للعمل على نجاح الفصل المباشر، مما يجعله يبذل جهد في التعامل مع التقنية والبيئة التعليمية الجديدة.
2. يشجع الطلبة على التفاعل معه، وذلك بكسر الحواجز التي تحول دون ذلك في البيئة الالكترونية.
3. يكون له حضور متكرر في البيئة المباشرة لمساعدة الطلبة عند حاجتهم للتواصل معه بشكل مباشر.
4. يقدم توجيهات مفصلة باستمرار عما يحتاج الطلبة لعمله أو القيام به، ويوضح محتوى المقررات، وما سوى ذلك من ارشادات.
5. يدير الفصل دون السيطرة عليه، فعليه أن يسهل عملية النقاش المباشر من خلال تشجيع الطلبة على تقديم معظم التعليقات.
6. يعرف متى يعلق على الأمور أمام العامة، ومتى يتحول الى اتصال خاص مع طالب أو أكثر.
7. يعرف الحالات التي ينبغي فيها استخدام جماعات النقاش على الخط المباشرأوالبريد الالكتروني في الرد على الطلبة، والحالات التي يفضل فيها الاجابة عليهم وجهاً لوجه أو عبر الهاتف مثلاً.
8. متعاون ولديه الرغبة أو الاستعداد للعمل مع الموظفين أو المدرسين القائمين بالتعليم المباشر.
9. لديه قدر من المعرفة التقنية ليستطيع التعامل بارتياح مع البيئة المباشرة.
10. موثوق فيه وفي مادته العلمية حتى يستطيع التفاعل بشكل مباشر مع الطلبة بكفاءة.
ولاشك أن الممارسة الفعلية من شأنها أن تكسب المدرس خبرات، وتساعده على تطوير نفسه وتجنب الأخطاء التي قد يقع فيها في بداية ممارسته واستخدامه للنظام، فالمدرس لا يصبح مدرس جيد بين ليلة وضحاها، ولكنه يصبح كذلك بعد عملية اكسابه الخبرة بالتعليم الالكتروني ومهاراته، والقدرة على العمل مع فريق العمل، والالتزام بالنشاطات المتعلقة بالتعليم الالكتروني. وهو يتدرج من المرحلة التي يبدأ فيها بالتآلف مع نظام التعليم الالكتروني المستخدم ، والاستفادة من الدعم الفني المقدم من مركز تقنية المعلومات الى ان يتفاعل مع النظام ويشارك في تطوير البيئة التعليمية فيه، ومن ثم يصل الى مرحلة التكامل في الخبرات والمهارات ويصبح قادر على القيادة في تطوير برامج التعليم الالكتروني.
ويحتاج تطوير المدرس الى أمور من بينها:
اعداد ورش عمل وفعاليات مباشرة.
الحصول على الدعم الفني من مركز تقنية المعلومات.
المشاركة في التعليم مع مدرسين آخرين.
متابعة التطبيقات الجيدة من خلال زيارة مواقع معلمين آخرين.
الحصول على تغذية مرتدة من خلال تلقي ملاحظات الزملاء وتقبل النصح من الخبراء، فضلا عن تقييم الطلبة.
وعلى الرغم من أن المدرسين قد يختلفوا في توجههم نحو التعليم الالكتروني، فهم بين مؤيد ورافض له، إلا أن التوجه العام في جامعات العالم يتجه نحو الاستفادة من أساليب التعليم الالكتروني سواء في تقديم مقررات كاملة بشكل مباشر، أم بتقديم برامج التعليم المدمج التي تزاوج بين الفصول التقليدية وبين الفصول المباشرة، أم باستخدام أساليب التعليم الالكتروني كوسيلة لدعم التدريس في الفصول، ولعل ذلك من شأنه أن يجعلنا نعطي بعض الوقت للتفكير فيما ينبغي علينا كمدرسين أن نقوم به للتعايش مع الوضع القائم والتآلف معه، والبدء بخطوات جادة نحو الأخذ بتلك التقنيات الحديثة في التعليم.
المفضلات