عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 32
التعليم الفني في الدول المتقدمة
تنطلق الأهمية التي توليها مجتمعات اليوم المتقدمة منها والنامية، لموضوع التعليم المهني والتدريب باعتباره ضرورة اجتماعية وحضارية تمليها متطلبات العصر الحديث. لهذا فقد جاءت ترجمة هذا الكتاب محاولة من المترجم لنقل تجربة بعض الدول المتقدمة في حقل التعليم المهني والتدريب. لقد حاول مؤلف الكتاب «ليونارد كانتور» أن يسلط الضوء من خلال هذا الكتاب على تجربة كل من اليابان وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية ألمانيا الاتحادية والمملكة المتحدة، حيث ضم هذا الكتاب ستة فصول، تم تخصيص كل فصل لإحدى هذه الدول بينما تم تخصيص الفصل السادس لموضوع الاستنتاجات والمقارنات. ففيما يتعلق بالفصل الأول الذي تم إفراده للحديث عن اليابان باعتباره مجتمعاً جيد التنظيم، فقد طرح المؤلف فرضيته الأساسية وراء نجاح اليابان، حيث يرى أن من بين العوامل التي ساهمت في نجاح اليابان وتفوقه على منافسيه النظام الذي يتبعه اليابان في التعليم الفني والتدريب وفي هذا الشأن يستطرد المؤلف في شرح فكرته فيقول «إن قطاع الصناعة في اليابان يتكفل بتوفير معظم برامج التعليم الفني والتدريب المهني، وتقدر نسبة مشاركته بنحو ثلاثة أرباع تلك البرامج، أما الربع الباقي فتتكفل ببعضه المؤسسات التعليمية الحكومية منها والخاصة المعتمدة من وزارة التربية والتعليم، والبعض الآخر تتيحه المؤسسات التي تديرها أو تعتمدها وزارة العمل». من ناحية أخرى فإن مناهج التعليم الفني والتدريب، تدرس ضمن نظام التعليم في المدارس الثانوية الفنية بصورة رئيسة، ونعني بها المدارس التي يلتحق بها الطلاب من سن الخامسة عشرة حتى الثامنة عشرة، وتكاد مناهج معظم تلك المدارس تقتصر على المواد الفنية بينما يجمع البعض منها بين المواد العامة والفنية. أما في أستراليا التي تمثل مادة الفصل الثاني من هذا الكتاب، فقد تحدث المؤلف عن التركيبة السكانية والجغرافية والتعليمية والصناعية في هذا البلد أو القارة الصغيرة. في ظل هذا التنوع الثقافي يتولى التعليم المهني والتدريب في أستراليا ثلاث وكالات رئيسة هي: وكالة النظام التعليمي التقني العام، والمعاهد التدريبية الخاصة، والمصانع نفسها. وهنا يشير المؤلف إلى إحدى المفارقات بين اليابان وأستراليا في مجال التعليم المهني والتدريب الفني، حيث يرى أن أستراليا قد اعتمدت في تفعيل هذا النوع من التعليم والتدريب على المؤسسات المهنية. هذه المؤسسات بوضعها المالي أجبرت أصحاب القرار في أستراليا إلى إعادة النظر في هيكلة أعضاء هيئة التدريس والمناهج الدراسية، والتركيز على التدريب قصير الأجل الذي يساعد الشباب المتعطلين عن العمل إلى اكتساب المهارة لمهنة المستقبل، وكذلك التدريب الموجه لكبار السن وذلك بهدف تحسين مستواهم المهني. ومن أستراليا ينتقل بنا المؤلف إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تناول دراسة وضع التعليم المهني والتدريب في أربع ولايات هي كاليفورنيا وفلوريدا وهاواي وأوريجون، وذلك لاعتبارها أقرب مثل للواقع. لقد أشار المؤلف في هذا الفصل بناء على تجربته هناك، إلى أن أهم سمات نظام التعليم المهني في هذه الولايات، وبالطبع في الولايات المتحدة الأمريكية، طبيعة اللامركزية؛ ذلك لأن الحكومة تقوم بالدعم المالي والمساعدة في التعليم وتوفير الإطارات القانونية التي تفسح المجال أمام الولايات المختلفة لتوسيع عملية التخطيط المتقن للتدريب. أما في جمهورية ألمانيا الاتحادية فيعتبر نظام التعليم المهني والتدريب أحد تلك الأنظمة التي جذبت اهتمام المراقبين إلى حد بعيد واسترعت انتباههم. ذلك أن الاهتمام بالتعليم المهني في ألمانيا يعد أحد الأسباب الرئيسة التي قادت إلى نهوض ألمانيا من أنقاض الحرب العالمية الثانية. ففي هذه الدولة ينظر إلى التعليم المهني والتدريب كجزء أساس مكمل للحياة، بل ينظر إليه باعتباره وسيلة رئيسة لتحسين المجتمع ورفع مستواه. إن هناك العديد من طلاب المدارس العليا في ألمانيا التي توازي الثانوية في معظم بلدان العالم يتركون المدرسة عند هذا المستوى التعليمي وفي سن التاسعة عشرة ليلتحقوا بمؤسسات التعليم المهني على نظام اليوم الكامل أو الاتجاه نحو تعلم بعض المهن على نظام الدراسة المزدوج. في هذه المدارس المهنية التي تعرف بـ(Arbeithere) أو «التعليم للعمل» يتم تقديم برامج أولية للإعداد المهني تتسم بالطموح وتتضمن التحضير لتعليم مهني عام يمكّن الشباب من الحصول على مهنة مناسبة، بالإضافة إلى التأكيد على المرونة المهنية والاحتراف وجعل الشباب على علم بمجريات الأمور وطبيعة التوظيف والعمالة وكذلك دورهم نحو وطنهم ومجتمعهم بشكل موسع. وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه النظام الثنائي في التعليم المهني والتدريب في ألمانيا خصوصاً ما يتعلق منها باكتساب الملتحقين ببرامجه المهارات الأساسية المطلوبة للعمل في قطاعات الصناعة والتجارة، إلا أن صرح هذا النظام يظل حقيقة قائمة بصورة قادرة على العمل. أما في المملكة المتحدة فإن مناقشة وضع التعليم المهني والتدريب ترتبط في جوهرها بقصة انحدار بريطانيا وتراجعها كدولة عظمى مقارنة بالولايات المتحدة واليابان. لقد اتضح لأصحاب القرار في المملكة المتحدة أن من بين أسباب تراجع بريطانيا كقوة اقتصادية صناعية عدم اهتمامها بالتدريب المهني، الأمر الذي حدا بأصحاب القرار هناك إلى التأكيد على ضرورة تنشيط وتحفيز هذا النوع من التعليم والتدريب على المستوى المحلي. ونتيجة لذلك فقد ظهرت عدة قوانين وهيئات ولجان ذات صلة بموضوع التعليم المهني والتدريب، كان أبرزها قانون التدريب الصناعي (1964) الرامي إلي إنشاء (23) هيئة تدريبية للصناعات التي تشكل في مجموعها حوالي نصف القوى العاملة في الدولة، كما تم إنشاء لجنة خدمة القوى العاملة التي أنشأتها الحكومة عام 1974م، والتي استهدفت زيادة النمو الاقتصادي عن طريق تنمية القوى العاملة بالدولة والارتفاع بمهارات التدريب. وعلى أية حال فإنه وبرغم المحاولات التي تقوم بها المملكة المتحدة لتحسين نظامها التعليمي في مجال المهن فإن هذا النظام لا يزال عاجزاً أو غير كاف، مقارنة بالدول المتقدمة السالفة الذكر، وإن كان ذلك لا يلغي حقيقة أن هناك تزايداً في أعداد أصحاب العمل الذين يقدرون أهمية تدريب وإعادة تدريب موظفيهم، وبالتالي فإنهم مستعدون لاستثمار الكثير في برامج التدريب طوعاً، وهذا بخلاف ما كان عليه الوضع سابقاً. وإجمالاً فلقد حاول المؤلف في الفصل السادس الذي يمثل الفصل الأخير أن يبين لنا من خلال المقارنة بين هذه الدول الأهمية التي توليها كل دولة لهذا النوع من التعليم باعتباره أساساً قوياً لمنطلقها واستمرارها الصناعي والتجاري كدولة متقدمة. هذا الاهتمام لم يلغ حقيقة تباين هذه المجتمعات فيما بينها في المناهج التي تتبناها لتطبيق برامج التعليم المهني والتدريب وكذلك المشكلات التي تواجهها كل دولة على حدة مما يدفعها من حين لآخر إلى إعادة النظر في قوانينها وسياستها وبرامجها التعليمية على أمل تحسين وتطوير هذا النوع من التعليم وذلك بمــا يتواءم ومتطلباتها الآنية والمستقبلية.
المفضلات