موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
دراسة تربوية فى التربية الموسيقية
تؤمن جميع النظريات التربوية المعاصرة بضرورة وأهمية مواد النشاط ، المتمثلة بالتربية الفنية والتربية البدنية والتربية الموسيقية والتربية الأسرية " والتدبير المنزلى " ، وقد قطعت الدول المتقدمة شوطاً كبيراً فى إدخال مواد النشاط إلى صلب المنهج المدرسى ، وإحتساب درجات له أيضاً.
على نهج هذه النظرية التربوية المتقدمة لمواد النشاط ، وضع عدد من خبراء التربية وثائق تحدد منطلقات منهج كل مادة من مواد النشاط المذكورة ، والأهداف العامة لها فضلاً عن الأهداف الخاصة التى سيسترشد بها فى عملية التأليف كتب خاصة لهذه المواد ورغم أهمية هذه الوثائق ، الموضوعة منذ ست سنوات على أقل تقدير ـ الا أن التطبيق العملى لها لم يأخذ مجراه ، بل كان الإحساس العام يتعاطف مع فكرة إلغاء مواد النشاط أو تقليصها وقد أنعكس ذلك بشكل واضح على الميدان ، فى صورة إستهتار الإدارات المدرسية والمدرسين بالنشاط وحصصه ، وباتت حصة التربية الموسيقية على سبيل المثال فرصة للتسرب ، أو لقضاء الوقت دون عمل أو ـ فى أحسن الأحوال ـ لأخذ دروس التقوية فى المواد الأخرى.
وغنى عن الذكر أن مشروع السياسة التربوية قد أشار إلى أهمية مواد النشاط وإن لم يفصلها كما يجب ، وقد أهتدت الوثائق الموضوعية المشار إليها بالمشروع المذكور لوضع الأهداف التعليمية لكل مادة على حدة ، وسأحاول إعطاء فكرة ملخصة فى هذه المقالة وما يتبعها عن مضمون تلك الوثائق المهمة التى تمثل رؤية حضارية لمواد النشاط وتعبر عن عصارة تجارب الأمم فى هذا الميدان.
التربية الجمالية
ولنبدأ بالتربية الموسيقية ، التى تحتل ـ فى الدول المتحضرة ـ حيزاً مهما فى خطط وبرامج التنمية بصفتها من الفنون الراقية وقد أشارت الوثيقة الموضوعة إلى ذلك فى مقدمتها ، حين نص البند الأول صراحة على أن التربية الموسيقية مجال من مجالات التربية الجمالية والفنية وهى وسيلة من وسائل التعبير عن إنفعالات الإنسان وعواطفه وخبراته ، والفنون ـ بشتى ألوانها ـ تتغلغل فى صميم حياتنا ، ذلك لأن الحياة بغير جمال أو تصور للجمال فيها أو تفكير فى تنظيمها تصبح مقفرة خاوية المضمون وقد أكدت الوثيقة مسألة تربوية مهمة تغيب عن الكثيرين من العاملين فى المرحلة الإبتدائية وهى أنها ـ التربية الموسيقية ـ ليست ـ فى هذه المرحلة مجال لهو ومرح وإنطلاق وإنما هى مجال لتجديد الطاقة وشحذ المهمة وإكتشاف النفس ، فللطفل فى الغناء والحركة غذاء لروحه.
لقد بات معروفاً أن النشاط الموسيقى التربوى فى الحياة المدرسية وسيلة لإبعاد الطفل عن الإتجاه إلى نزعة التحدى والعبث بالنظام والسلوك غير السوى . من القوة الدافعة فيقبل على تعلمه وممارسته ويندمج مع زملائه وهو يؤديه ويشعر بانتمائه إلى هذا المجتمع الذى يتمثل فى المدرسة فيعمل جهده لرفع شأنها بين مدارس الحى والدولة ، كما أن التربية الموسيقية تنمى روح الفريق من خلال إشتراك التلميذ ومساهمته فى فرق النشاط الموسيقى وتعتمد التربية الموسيقية على موضوعات وثيقة الصلة بحياة التلاميذ وما يحيط بهم من محسوسات بيئتهم ثم تتدرج مع نمو قدراتهم العقلية والعاطفية إلى المعنويات عندما يتهيأ التلاميذ لذلك.
وقد نبه واضع الوثيقة إلى أهمية أن تعكس التربية الموسيقية الطابع الوطنى للامة العربية ، بما تضمنه من مجالات فنية وثقافية حتى يتعرف التلاميذ أنماط الحياة فى المجتمع وما طرأ عليها من تغيير وتطوير فى ظل الإتحاد 00 ويرى أن هذا الهدف يمكن أن يتحقق عن طريق معالجة موسيقية تربوية لمظاهر البيئة الطبيعية المحيطة من بحر وصحراء ونخيل وحيوانات00 كما يرى المنهج المقترح لهذه المادة أن بالإمكان ترسيخ الروح الإسلامية فى نفوس التلاميذ من خلال الأناشيد والقصص الحركية والتمثيليات التى تعالج جوانب إسلامية تشد إنتباه التلاميذ وتشتثير أنتباههم وتنمى فيهم جوانب الإعزاز والتقدير لتاريخ الإسلام وحضارته.
طبيعة الدارس واحتياجاته
لقد أتفق علماء التربية على أن مواد النشاط ـ وعلى رأسها التربية الموسيقية ـ يجب أن تراعى حاجات الأطفال وظروفهم البيئية والإجتماعية وإمكاناتهم الفردية وتتمشى مع مراحل نموهم وتطورهم وقد ألتفت واضع الوثيقة المذكورة إلى هذا الجانب المهم فاشترط فى وثيقته ضرورة مراعاة المنهج لخصائص النمو للتلاميذ ـ فى المرحلة الإبتدائية ـ ، فالتلميذ فى هذه المرحلة ميال إلى الأستطلاع
ويستخدم لهذا الغرض كل حواسه بما فى ذلك الحاسة السمعية ، وهو يحب القصص بخاصة تلك التى يمتزج فيها الواقع بالخيال وهو كثير الحركة قليل الإنتباه والتركيز ومن هنا يتوجب تفصيل مفردات المنهج فى المرحلة الإبتدائية بما يتوافق مع هذه الخصائص وتتدرج مفردات المنهج بتدرج خصائص النمو ، فالتلميذ فى المرحلة الإعدادية يكون قد نضج أكثر فى وعيه ومدركاته وحواسه ، ومن ثم تزداد ميوله القيادية ويتعلق أكثر تركيزاً مع ملكة خاصة فى التمييز بين الأشياء وهكذا.
وتميز الوثيقة بين أسلوبى الإلقاء والممارسة وتنضج المربين إعتماد الأسلوب الثانى ـ الممارسة ـ من باب أن هناك خبرات أساسية فى التربية الموسيقية والواجب أن يمر التلاميذ بهذه الخبرات كل حسب ميوله وإستعداداته حتى تشبع التربية الموسيقية حاجات كل تلميذ وتعمل على تأمين نموه المستمر وترى الوثيقة أنه أفضل الطرق لتعلم الحقائق والمهارات فى التربية الموسيقية إستعمالها فى تجارب لها معنى فتصبح هذه الحقائق كأنها منبثقة عن خبرة التلميذ ويوجه المنهج للتعرف على خبرات موسيقية من خلال الفرص العديدة المتوفرة فى مجالاته المختلفة.
ولوحظ أن الوثيقة المقترحة تتبنى هذا الإتجاه فى التعليم ـ التعلم بالممارسة ـ لذا فهى تشترط أن يبحث التلاميذ بأنفسهم عن معانى العلامات والأشكال والرموز الموسيقية ومدلولاتها لا أن تلقن لهم ، مع ضرور تشجيع الآخرين عن التدرب على التمارين الغنائية والموسيقية وتقديمها إلى زملائهم من خلال الأنشطة المدرسية.
ويتبع ذلك زيارات ورحلات إلى دور الإعلام والإذاعة والتلفزيون لتعرف هذه الأنشطة عن قرب فضلاً عن زيارة المكتبات المدرسية والعامة ـ بالنسبة للمرحلة الثانوية ـ بقصد إجراء بحوث تتعلق بالتطور الموسيقى عبر العصور المختلفة بخاصة فيما يتعلق بالموسيقى العربية وعلمائها مع زيادة الصلة بالنوادى الخاصة بالفنون الشعبية ومن ثم تعرف أصل الآلات الشعبية والتطور الذى حدث فى صناعتها.
كل النظريات التربوية المعاصرة فى شتى المواد التعليمية تحاول أن توظف الميول الفطرية عند الطفل وصقلها لخدمة الأهداف العامة والخاصة لهذه المادة أو تلك ، والتربية الموسيقية لا تشذ عن هذه القاعدة بل قد تكون بطبيعتها أكثر التصاقاً بهذا النهج ، فالطفل يميل إلى الصراخ والتقليد وهو مغرم بإصدار الأصوات العشوائية كيفما كان ، وكل ذلك يمكن أن يهذب وينظم ويصقل لخلق اذن موسيقية عند الطفل تساعده فى فهم الحياة والإستمتاع بها أيضاً فضلاً عن تهذيب الحواس والإرتقاء بالعواطف والوجدان.
تفريد التعليم
انطلاقاً من هذه المسلمات أفردت وثيقة منهج التربية الموسيقية بنداً خاصاً لما أسمته ب" تفريد التعليم فى مادة التربية الموسيقية " والتفريد ـ كما هو معلوم ـ يقوم على أعتبار كل تلميذ كياناً مستقلاً بقدراته واستعداداته الخاصة التى قد لا تتطابق مع غيره من أترابه فى الفصل الدراسى الواحد ، إذ أن معاملة التلاميذ على أساس أنهم متساوون فى كل شىء يترتب عليه حرمانهم من الرعاية الكافية للنمو الطبيعى وعدم تحقيق تكافؤ الفرص بين التلاميذ ولعل هذه الأخيرة من أهم ما تدعو إليه التربية الحديثة فى تخطيط المناهج والبرامج التعليمية.
وتشير الوثيقة إلى أن مثل هذا التفريد يقتضى تنويع مستويات التلاميذ ودراسة حالاتهم الصحية والنفسية والتعاونية دراسة فاحصة ، خاصة فى المرحلة الإبتدائية وبحيث تواجه المشكلات الناتجة عن التفاوت فى القدرات أو عن الأمراض أو العلل جسمية كانت أو نفسية أو إجتماعية أو غيرها من الأسباب.
مرونة المنهج
وقد نص واضعو الوثيقة المقترحة على أن هذه الحالات تواجه بالدراسة والأهتمام من قبل المعلم ولو أقتضى هذا إضفاء شىء من المرونة على المنهج بحيث يسمح للمعلم باقتراح بعض الأنشطة وصولاً إلى تحقيق أقصى قدر من النمو للتلاميذ فى جو مريح بعيد عن الإرهاق والتعقيد.
ولكن قد يتطلب الأمر مساهمة علاجية من قبل الطبيب أو الأخصائى الإجتماعى أو البيت للوصول إلى حل كثير من المشكلات التى يعانى منها التلاميذ والتى يؤدى تجاهلها أو إهمالها وعدم تداركها فى هذه المرحلة إلى صعوبات تعترض مسار العملية التعليمية على مدى عمر التلميذ.
كذلك فإن هناك نسبة من التلاميذ المتفوقين أو المميزين من حيث القدرات والمواهب المختلفة والواجب على المعلم ألا يهملهم وأن يستحثهم دائماً على التقدم بإمكاناتهم وذلك بأن يسند لهم الأعمال التى تتناسب وإمكاناتهم وقدراتهم ، فذلك النشاط بالنسبة لهؤلاء التلاميذ كفيل يبعث الهمم وإيقاظ الثقة فى نفوسهم ودفعهم نحو الإستزادة والتقدم.
امكانات
لكن منهجاً للتربية الموسيقية بمثل هذه الرؤية المتقدمة يحتاج إلى مستلزمات وامكانات وأدوات خاصة لتنفيذه حتى لا يظل مشروعاً نظرياً ، فضلاً عن تحديد علمى دقيق لوسيلة التقويم وقد خصص المشروع البندين الخامس والسادس لهذا الجانب وأن كانا فى صورة مختصرة جداً يبدو أن ترجمتها إلى مفردات عملية سيقوم بها المؤلفون ـ هذا إن أعتمدت الوثيقة ووضعت قيد التنفيذ بشكلها الحالى ـ.
وأهم وسيلة تعليمية يحتاجها منهج التربية الموسيقية توفير حجرة خاصة ذات طبيعة ومواصفات خاصة معروفة لدى المتخصصين فضلاً عن آلات وأدوات موسيقية غنية بعناصر التشويق والبساطة والإثارة وزهد التكاليف وسهولة الإصلاح ومصنعة من مواد أولية يستحسن أن تكون متوفرة فى البيئة المحلية أو العربية وتلائم المراحل السنية للتلاميذ إلى جانب وسائل ثابتة ومتحركة و " سبورات " ممغنطة ذات مواصفات خاصة وأفلام تعليمية وأجهزة سمعية إلى غير ذلك من مستلزمات المنهج الحديث.
ومنهج بهذه الخصوصية والتشعب يحتاج بالتأكيد إلى عملية تقويم للوقوف على مدى تحقق الأهداف التربوية والتعليمية ومدى فاعلية المنهج ونجاحه وعملية التقويم هذه يجب أن تكون مناسبة للمجالات والمهارات التى أشرنا إليها فيما سبق 00 وقد تضمنت الوثيقة الأولى تصورين أو وسيلتين من وسائل التقويم الأولى " إختبار الإستعدادات " والثانية إختبارات خاصة بالمجالات المختلفة للمادة.
أنواع الإختبارات
أما إختبار الإستعدادات فيقتصر على قياس القدرات الموسيقية الأساسية مثل إختبار كل تلميذ على حدة فى قدرته على تمييز الأصوات وتذكر الإيقاعات وشدة الصوت وإختبار قدرته على أن يحدد ويميز بين طول أو وزن تغمتين فضلاً عن نوعية الصوت وقدرته على تذكر الألحان.
أما الإختبارات الخاصة بالمجالات المختلفة للمادة فتكون مستمرة وشاملة لجميع الجوانب المهارية والمعرفية والوجدانية والملاحظة لسلوك التلميذ الإجتماعى.
وقد أشترطت الوثيقة المقترحة لمنهج التربية الموسيقية ترابط فروع المادة مع المواد الأخرى من حيث مراعاة المنهج لظروف وطبيعة وخصائص الآطفال فى المجتمع العربى ، والعمل على تربية الأطفال فى المرحلة الإبتدائية تربية موسيقية وتربية الإدراك السمعى فى الصفوف الأولى والذى يمهد للتذوق الموسيقى فى الصفوف المتقدمة.
ويراعى المنهج المقترح ـ بل ويحث ـ على أن لا يقصر درس التربية الموسيقية على فرع واحد مما حواه المنهج فى الصف بل ينبغى أن يكون درس التربية الموسيقية وحده لا تتجزأ ينتقل فيها المعلم بين فروع المادة فيستخدم أغنية مدرسية أو قصة حركية مثلاً للإنشاد واللعب والتدريب على العزف على الآلات المناسبة وأيضاً للتعرف على الأشكال والرموز التى يدرسها الأطفال والتى تتناسب وموضوع الوحدة وهكذا.
وظائف تربوية
كما يهدف منهج التربية الموسيقية فى المرحلة الإبتدائية إلى تحقيق وظائف تربوية هامة فالطفل الذى تتاح له دراسة الموسيقى بصفة جادة ومنظمة يكون مستواه الدراسى أعلى من مثيله الذى لم يكن له حظ دراسة الموسيقى ويرجع ذلك إلى أن الطفل الذى تعلم الموسيقى ، أتقن إلى جانب ذلك كتابة الأشكال والعلامات الموسيقية بطريقة عملية ويؤدى هذا بطبيعة الحال إلى الإستعانة بالخطوط الأفقية والعمودية مما يساعد التلميذ على سهولة الكتابة اللغوية عندما تقابلهم صعوبة تكوين أشكال الحروف الهجائية وطريقة إتصالها ببعضها هذا إلى جانب تعلمه إستعمال أدوات الكتابة بالطريقة الصحيحة وكيفية الكتابة المنمقة وبما أن القراءة الموسيقية ـ أيضاً ـ تحدث من خلال العقل والتفكير فإن الأطفال يغنون العبارات الموسيقية وليس النوتات المفردة كما يتقدم الأطفال بسرعة كبيرة فى إلقاء وتكوين الجمل ، فالكلمات الجميلة الهادفة والتى تتسم بالبساطة اللغوية لأغانى الأطفال والأغانى الشعبية تعلمهم الأسلوب البسيط المهذب للتعبير كما أن كثيراً من الأغانى الشعبية مرتبط بالتراث أو الحوادث المؤثرة فى تاريخ الوطن والعروبة والإسلام وهكذا يتمكن الأطفال من معرفة الكثير عن التاريخ والأوضاع الإجتماعية التى كانت سائدة فى الماضى.
تعميق الجانب الثقافى
وتربية الأذن تربية موسيقية ( والصولفيج ) تزيد من طلاقة الحديث فى لغة التلاميذ العربية الأصلية أو اللغات الأجنبية كما أن الإحساس بالزمن والإيقاع وتقسيم العبارات الموسيقية يؤثر فى إيقاع الحديث ويساعد الأطفال على تعلم حسن النطق وجودة الإلقاء.
كما تساعد التربية الموسيقية بصورة جدية على تعميق الأهتمام والفهم للجانب الثقافى للحياة فالعزف ينمى البراعة اليدوية ، ترتيب العقلية الموسيقية يساعد على التذوق والتحليل على أساس من التفكير المنطقى كما يؤثر تطور إحساس التلاميذ الجمالى على نظافتهم الشخصية ويحثهم على الأهتمام والمحافظة على كل ما يحيط بهم كما أن درس الغناء يروح عن نفس التلميذ فيشعر بالراحة والإنتعاش مما يمكنه من الإقبال على أداء الأعمال بروح أعلى وبذا يكون تحصيله أكبر وأفضل وسلوكه أكثر نظاماً وإلتزاماً.
المفضلات