من المهم أن نبدأ أولاً بالاتفاق على أن الالتحاق بأي من الفروع أو التخصصات الجامعية يجب أن يكون مقرونا بالرغبة قبل كل شيء، فعلى الرغم من أن بعض التجارب تؤكد أن الرغبة أو الميول يمكن أن تنشأ بعد الممارسة، إلا أني لا أنصح أبدا بالالتحاق بأي تخصص قبل التأكد تماما من أنه يوافق ميول الطالب أو الطالبة، فمجتمعاتنا النامية ليست مؤهلة لتحمل أخطاء من قبيل تجربة بعض التخصصات في السنوات الأولى قبل وقوع الطالب على اختياره النهائي، كما هو شائع في الغرب. لذا فإني أرجو منكم أعزائي التأكد من اختياركم للتخصص المناسب لميولكم، لتوفروا بذلك على أنفسكم مشقة الدراسة لمواد وتخصصات لا تعنيكم، مما قد يسبب للكثيرين الإحباط والشعور بالفشل، وربما النفور من النشاط العلمي برمته، فقد جربت بنفسي معاناة الاختيار الخاطئ قبل أن أتدارك الأمر وأصلحه بتوفيق الله في الوقت المناسب، كما مررت بتجارب عديدة لأشخاص آخرين دمروا مستقبلهم المهني والعلمي بسبب سوء اختيارهم، أو لتعنت والديهم الذين أجبروهم على تخصصات لا تستهويهم، مما يعني عملياً تخريج دفعات هائلة من الأطباء والمهندسين وغيرهم ممن لا يزيدون عن كونهم عاطلين عن العمل، ولكن بشهادات وألقاب مرموقة!

فما هو الحل العملي إذن؟



الحل هو بالطبع اكتشاف ميولكم العلمية التي تتناسب مع الخيارات المتاحة أمامكم، فقبل أن يُقْدِم أحدكم على التسجيل في أي كلية أو معهد، يجب أن يخطط لذلك مسبقا وبشكل علمي، دون التأثر برغبات الأهل وتوجيهات الجيران وأحلام الطفولة، وإلا فالنتائج قد تكون أسوأ مما يتوقع البعض- لا سمح الله- وسأقدم لكم الآن جدولا عملياً مبسطاً قد يساعدكم على الاختيار الصحيح، من خلال التعرف على نوع الذكاء الذي تتمتعون به، والذي يحدد لكم التخصص الملائم لاستعداداتكم النفسية والعقلية، علما بأن الكثير من الناس قد بلغوا مرحلة الشيخوخة في حياتهم دون أن تتاح لهم الفرصة للتعرف على أنواع ذكائهم، كما هو حاصل في مجتمعنا، وهو أمر ما زال يكلفنا الكثير.

قبل أن نبدأ تجدر الإشارة إلى أن الذكاء يتعلق بعاملين اثنين وهما: الاستعداد الفطري الذي يوجد مع الإنسان وتتبين ملامحه في السنوات الأولى من عمره، والتفاعل مع البيئة المحيطة. علما بأن هناك الكثير من الأشخاص الذين يتمتعون بأكثر من نوع واحد من الذكاء، مما يعني تعدد الخيارات المتاحة أمامهم للتخصص المستقبلي.