أ.د. نجاح أحمد الظهار


/





هذه العبارة اهديها لكل مسؤول في الدولة، ففيها مفتاح نجاحنا وتقدمنا الحضاري في التعليم والعمل، بل في حياتنا كلها هذه العبارة نطقت بها احدى الطالبات المبدعات المجدات التي تمتلئ نفسها طموحاً ورغبة في التجديد والعمل المتقن، نطقت بها وهي في احلك ظروفها العلمية واصعبها، فنبهتني الى حقيقة اتمنى ان يستوعبها ويصدقها المسؤولون.
فتاة فقهت بذكائها ما لم يفقهه الكثيرون، خاصة في مواقعنا التعليمية.
هذه الفتاة دخلت الى السنة التحضيرية في احدى جامعاتنا التي ابتليت بالانسياق
نحو كل ما هو غربي، وفرضت الدراسة على كل الطالبات باللغة الانجليزية،
مع علمها ويقينها بأن مدارسنا لا تعطي للطالب القدر الذي يمكنه ان يَدرس فجأة جميع المواد بهذه اللغة، الى جانب عدم ممارسته لها في حياته اليومية
ولا اعرف كيف اغمضت عينيها عن متطلبات الجودة الشاملة التي تطالب بأن تُدرس العلوم بلغة اقوامها


حتى يستطيعوا اتقانها ومن ثم الابداع فيها!!
اضف الى ما سبق ان المطلوب من طلاب هذه السنة ان يجتازوها ثم تحدد لهم التخصصات بحسب النسب،
اي انهم بعد ذلك الجهد وذلك التعب لن يلجوا الاقسام التي يرغبون حتى يلج الجمل في سم الخياط!!
حاولت محاولة اليائس اقناع تلك الفتاة بالدخول الى المرحلة التحضيرية،
ومحاولة اجتيازها على الرغم مما فيها من آلام ومصاعب ،فكانت تلك الاجابة الحكيمة: اريد ان اكون سعيدة، ان ادرس بسعادة، وان اتوظف واعمل بسعادة، حتى يمكنني ان اخلص في دراستي وعملي،
بل في حياتي كلها، فإن الانسان اذا احب شيئاً ابدع فيه، واستطاع ان يهزم كل الصعوبات والعقبات ويبتسم لها ابتسامة المنتصر. كيف تريدونني ان ابدع وكل شيء من حولي يرغمني على ان اسير في الطريق الذي لا احب،
لو انكم ارغمتموني على ذلك سآخذ الشهادة وربما حصلت على الامتياز لكنني لن اكون سعيدة،


وسوف اتوظف -ان شاء الله- ولكنني لن اعمل بسعادة، وسينعكس ذلك على حياتي كلها.
وقتها صمت، واخذت افكر في كلامها، وكيف وصلت الى حقيقة السعادة التي لم يدركها كبار المسؤولين، الذين يحاولون من خلال انظمة مستوردة قد لا تتلاءم مع بيئتنا التعليمية الحالية انتزاع معنى السعادة من قلب طلابنا وطالباتنا
من امتحانات الثانوية الى امتحان القدرات الى امتحان التحصيلي، ثم يقذفون في باطن السنة التحضيرية،
وبعدها يُساقون ويجرجرون في اقسام لا يرغبونها.. انا اتحدث هنا عن طلاب مغامرين اجتازوا كل العقبات.. وكم مرة اكرر ان من يجلسون على كراسي الإدارات -بمن فيهم من يجلسون على إدارات مركز القدرات-
كثير منهم داخل الجامعات بنسب قد تصل الى درجة جيد وربما اقل، ولم يمروا بامتحان قدرات وتحصيلي.. حتى صار منهم الوزير والطبيب ومديرو الجامعات!!
لقذ اخذت اختبر كلام تلك الطالبة على نفسي، واتساءل لماذا اشعر بالسعادة
وانا احتضن مراجع اللغة العربية ومصادرها، لماذا يهرب مني الملل وانا انفض غبار المكتبة،
بل استنشقه عبيراً فواحاً؟ كيف تحملت كل ما مر بي من عقبات في السكن الداخلي وكنت وقتها
ومازلت اشعر بالسعادة الحقة؟ كل ذلك لانني اخترت التخصص الذي كنت احلم به،
ثم مررت بذاكرتي على جمع من الصديقات والمعارف من جيلي،
وكيف هم اليوم سعيدات مبدعات مخلصات في عملهن، لانهن دخلن التخصصات التي رغبن فيها.
ثم اخذت استعرض بعض الصور لشبابنا اليوم الذين اجبروا على دخول تخصصات لا يرغبونها،
وهم الان على قمة الوظائف، ويتقاضون رواتب جيدة، لكنهم يصرحون انهم ليسوا سعداء،
ويعترفون بقلة الانتاجية والابداع، بل اصبحت الحياة في دواخلهم مملة.!!
فهل لنا بأنظمة تعليمية واعية تجعل السعادة هي هدفها وتدرس دور السعادة في الابداع والتنمية؟؟




جريدة المدينة