الرحمة أفيد من الضرب
يخطئ الآباء والأمهات إذا تصوروا أن معاملة الأولاد والبنات بالشدة والعنف وضربهم لأقل هفوة يعلمهم الأدب والطاعة وحسن الخلق فالعكس هو الصحيح، لأن القسوة تملأ الصغيرة بالأسى والمرار وتبعدهم عن ذويهم وتجعلهم يعادونهم ويعصون أوامرهم . فقد قالت لي سيدة فاضلة تعمل في مجال التربية والتعليم وتقوم بالتدريس في المرحلة الإعدادية إن جميع تلاميذها الذين تعتبرهم أولادها يحبونها ويتلهفون على درسها لأنها تعاملهم بالرفق واللين وتصحح أخطاءهم بالنقاش الهادئ .
وتشجع المتفوقين وتقدم لهم هدايا رمزية كما أنها على صلة دائمة مع أولياء الأمور . وقد اتصلت بي تليفونيا أم فاضلة وقالت إنها سافرت مع زوجها للعمل في الخارج وتركت ابنها الوحيد وهو طالب جامعي مع جدته وهي سيدة مسنة مريضة لا تقوى على الرقابة والرعاية وعندما عاد الآباء إلى الوطن في أجازة فوجئت بأن الابن شاحب اللون لا يأكل كثيرا ثم اعترف لها بأنه يدمن السموم البيضاء لأنه صادق أولاد السوء وأسرعت الأم فأدخلته مستشفى للعلاج وبعد أن تماثل للشفاء أخذت تقنعه بضرر المخدرات على صحته وقد اقتنع فعلا وأقلع عن هذه العادة السيئة ولو أن هذه الأم الحكيمة عاقبته بالشدة لتمادي في الإدمان . وأعرف أما متعلمة عاملة قالت إن أصغر أبنائها الذي يدرس في المرحلة الابتدائية متخلف في دراسته ولا يهتم بدروسه رغم أنها تضربه كثيرا وتحبسه في غرفته حتى يقبل على المذاكرة وتمنعه من زيارة أصدقائه، أما والده فقد حرمه من المصروف عقابا له على كسله وقد نصحتها بمعاملة الصغير بالرفق واللين ومساعدته في شرح ما يصعب عليه فهمه ومكافأته بهدية إذا تقدم في دراسته وقد سعدت كثيرا عندما علمت أن التلميذ بدأ يحب دروسه ويطيع مدرسته بفضل المعاملة الطيبة .
أما هذه العروس التي تخرجت في كلية نظرية وتعمل في شركة فقد وقعت في غرام شاب واتفقا على عقد القران ولما أخبرت والديها سألا عنه وتأكدا أنه بخيل طماع مهمل في عمله ورفضا الخطوبة وغضبت البنت وتمسكت برأيها وهددت بمغادرة منزل الأسرة لتتزوج حبيب القلب ولو أن الأبوين أقنعاها بأن ابن الحلال الذي تحبه لن يسعدها وانه يطمع في مرتبها لأطاعتهما وتركت هذا العريس الذي لا يناسبها .
التفرقة في معاملة الأبناء تضرهم وتجعلهم يكرهون بعضهم فقد شكت لي طالبة جامعية أن أمها تفضل عليها أخاها رغم أنه متخلف في الدراسة ومبذر ومع ذلك تعامله الأم بكل عطف وتشتري له ما يريد لمجرد أنه ولد وقد دهشت من تصرف هذه الأم التي لا تزال تعتقد أن الذكر خير من الأنثى فقد تعلمت البنت والتحقت بجميع الكليات وعملت وزيرة وسفيرة وطبيبة ومهندسة وصحيفة وأبتت كفاءة عالية بل وتفوقت على الولد في بعض الأحيان وكان من المفروض أن تعتز الأم بابنتها المتدينة المتفوقة ولا تهملها لأنها بنت والجدير بالذكر أن البنات أكثر حنانا وحبا للآباء والأمهات فقد روت لي سيدة كريمة وأم لثلاث بنات وولد واحد انه حدث أن مرض الأب ودخل المستشفى للعلاج فكانت البنات الثلاث يزرنه كل يوم ويقمن بتمريضه في حين أن الابن انشغل بزوجته واكتفى بالسؤال عن أبيه من حين إلى حين تليفونيا ولا شك أن معاملة الأولاد بالحنان والعطف وعدم تفضيل الذكور على الإناث يساعدهم على التفوق في الدراسة والنجاح في العمل عندما يكبرون .
المفضلات