أسس تربوية لبيت تربوي

هناك أسس لبناء جو تربوي صحي داخل الأسرة بواسطته تحل أي إشكالات تحدث بل قد ينهي هذا الجو التربوي في البيت كثيراً من مشاكل الأبناء قبل وقوعها فيكون إجراءً وقائياً قبل أن نحتاج إلى العلاج .
وهي وسائل أعتبرها أساسيات لبناء علاقة تواصل قوية وفعالة مع الأبناء وتجعل الابن يشعر بخطئه من نفسه ويكره أن يقع فيه ، وسائل تغرس الاحترام التربوي المتبادل بين الآباء وأبنائهم ، وقد تزعج كلمة احترام متبادل البعض فيقول الابن هو الذي يحترم. فهل يحترم الأب ابنه؟ أو تحترم الأم أولادها؟ وهنا سنجد مواقفاً كثيرة في السيرة وكيف كان الرسول  يقدر شخصيات صغار الصحابة ويحترم حقوقهم وإفهامهم وإن كانوا لم يبلغوا الحلم .

وهذه القواعد والتي أعتبرها أساس لبناء بيت تربوي ناجح هي :

- أولاً : ما يخص الأبناء :

1 ] المصاحبة لا التعالي .
2 ] المدح لا الذم .
3 ] تقدير الذات لا هدم الذات .
4 ] فلنفهم أطفالنا وشبابنا لا أن نعقدهم
.

ثانياً ما يخص الوالدين
ثم خصصت قواعد تخص شخصية المربي والوالدين والتي لها اثر كبير في تربية الأبناء وتغيير سلوكهم وهي :

1 ] تخلص من مشاعر طفولتك .
2 ] خطط وناقش الأمور .
3 ] لتكن قوانين الأسرة واضحة .
4 ] الصبر وطول النفس
.

- أولاً : ما يخص الأبناء :

ولنبدأ بأول أعمدة البيت التربوي :

1. المصاحبة لا التعالي عليهم :

قال معاذ بن جبل بينما أنا رديف رسول الله  ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل فقال يا معاذ قلت لبيك يا رسول الله وسعديك قال ثم سار ساعة ثم قال : يا معاذ بن جبل قلت : لبيك يا رسول الله وسعديك قال ثم سار ثم قال : يا معاذ بن جبل قلت لبيك يا رسول الله وسعديك قال : هل تدري ما حق الله على العباد ..... الحديث). وشاهدنا من هذا الحديث خروج الرسول  مع معاذ بن جبل بل يكون معاذ رديفه على الدابة .
يخرجان سوية لكي يستطيع المربي أن يغرس ما يريد حيث تكون نفس المتلقي أرغب للسماع وللاستيعاب وهم صحابة وهو رسول مع ذلك يتخذ الرسول  هذا الأسلوب ليتبين أثر صحبتنا لأبنائنا ومتى ننصحهم باختيار الوقت الأدعى للقبول.
وحديث آخر رواه الإمام الترمذي ، عن عبد الله بن عباس أنه ركب خلف رسول الله  يوماً فقال له رسول الله  يا غلام إني معلمك كلمات احفظ الله يحفظك ، واحفظ الله تجده تجاهك ... الحديث
وهذا موقف أخر يصحب به النبي  غلاماً لم يتجاوز العاشرة من عمره ، يصطحبه ويركبه على دابته خلفه ثم يحدثه بما يريد أليس في هذا تهيئة للقبول والانصات.
ويروي لنا الإمام أحمد هذا الموقف الذي يجلي تلك العلاقة العميقة بين المربي ومن يعول فعن معاذ بن جبل قال : لما بعثه رسول الله  إلى اليمن خرج معه رسول الله  يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله  يمشي تحت راحلته فلما فرغ قال : يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا أو لعلك أن تمر بمسجدي هذا أو قبري ، فبكى معاذ جشماً لفراق رسول الله  الحديث).
تأمل في هذه الصحبة بين رسول الله  ومعاذ الصحابي الجليل الذي كان شاباً في مقتبل العمر ، وهذا درس يعطينا إياه قدوتنا وحبيبنا في علاقتنا بأبنائنا والكلام العاطفي الذي يكون معهم فهذا لا يقلل من شأن الوالدين ولا تركه يعليهم قدراً .
بل هو منهج تربوي عميق التأثير يبينه لنا رسول الله  وبهذا نخلص من الأحاديث السابقة بما يلي :

1. أهمية مصاحبة الأبناء وأثرها في التوجيه .
2. الخروج معهم بكثرة جماعات وأفراد على حدى .
3. إذا أردنا أن نأمرهم أو نوجههم لابد من تهيئتهم لذلك واختيار وقت مناسب كجلسة عشاء خاصة أو نخرج معهم على البحر أو في نزهة .
4. الكلام العاطفي الذي يزرع الحب ويزيد علاقتنا بأبنائنا لابد أن يكون له حظ من كلامنا مع أطفالنا بل وحتى شبابنا وبالطبع بحدود معينة.
إن الجلوس مع الأبناء وتخصيص وقت لكل واحد منهم يغنينا عن كثير من المشاكل الأسرية التي تحدث وأثناء جلوسنا معهم ننتبه إلى الآتي :
• أن تكون جلسة يملؤها الود والمزاح المقبول فلا تكون جلسة أوامر ونصح وإرشاد ، إلا بالنزر اليسير جداً ولا يكون دائماً .
• أشعر الابن أنك حاضر من أجله واستمع إليه وحادثه بما يرغب هو.
• أن تكون تلك الجلسات دورية ومرتب لها فلا تأتي ارتجالاً وتنقطع أحياناً ثم تعود فهنا قد لا يشعر الابن بأهميته .
يذكر لي أحد الآباء أنه كان سيخرج من منزله فوجد ابنه يريد الذهاب إلى مكتبة لشراء بعض الأغراض فركب الابن سيارة أبيه ثم ما لبث أن أراد النزول والذهاب ماشياً فاستغرب الأب من ذلك ، فسألته عما حدثه به أعن المذاكرة وأهميتها- أصبحت هي الشغل الشاغل لكثير من الآباء على حساب أمور أخرى- فقال نعم فقلت له هذا هو السبب وأنت الظاهر جميع جلساتك مع أبنائك حديثها الدروس والاجتهاد وما إلى ذلك فأجاب بنعم ...
فالتوجيه والنصح يكون بحدود منضبطة دون إطالة أو تكرار مـمل .

- الاعتذار عن الجلوس معهم :
وللأسف أصبح الاهتمام بالماديات على حساب الأبناء، بل أصبح البعض كما يذكر الدكتور عبد الكريم بكار في شريط آباء يربون أصبح بعض الآباء يتأففون من مشاكل أبنائهم وحلها ويتعذرون بالكسب وغيره.
ويقول ( تشير الدراسات في بعض البلاد أن الآباء يجلسون مع أبنائهم الصغار معدل دقيقتين في اليوم ومع أبنائهم المراهقين أربع دقائق يومياً وهذا بالطبع لا يكفي ويعد عدم الجلوس مع الأبناء من العوامل الأساسية لانحرافهم) ( ).

2. التعزيز لا الإحباط :

عن عبد الله بن عمر قال : كان الرجل في حياة النبي  إذا رأى رؤية قصها على رسول الله  فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله  وكنت غلاماً شاباً وكنت أنام في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان وإذا فيها أناس قد عرفتهم فجعلت أقول أعوذ بالله من النار قال : فلقينا ملكاً آخر فقال لي لم ترع. فقصصتها على حفصه فقصتها على رسول الله  فقال : (نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل) . فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً( ).
في الحديث أراد الرسول  أن يوجه عبد الله لأهمية صلاة الليل أو الإكثار من صلاة الليل ، فاستخدم الرسول  أسلوب المدح فقال (نعم الرجل عبدالله) ثم ذكر المقصود من النصيحة ( لو كان يصلي من الليل ) .
ماذا كانت النتيجة .. فكان بعد أن سمع كلام الرسول  لا ينام من الليل إلا قليلاً ، كان من الممكن أن يحث الرسول  عبد الله بن عمر على قيام الليل ويذكره بفضل تلك العبادة العظيمة ، لكن الرسول  اتخذ أسلوباً تربوياً رائعاً كان له أبلغ الأثر على نفسية وسلوك ابن عمر .
إن تعزيز الإنسان بمدحه أشد أثراً من توبيخ أو عقوبة ينالها .
ولنتأمل كيف أسبغ الرسول  بالألقاب المميزة لأصحابه فهذا سيف الله المسلول خالد وذاك أمين هذه الأمة عبد الله بن مسعود وأعلم أمتي بالحلال و الحرام معاذ بن جبل وزيد بن ثابت أعلم الصحابة بالفرائض وهم صحابة كرام ، لم ينزل عليهم الرسول  تلك الألقاب إلا أنه يعلم مقدار أثر مدح الرجل وذكر ما فيه من خصال إيجابية .

إذاً الأسلوب النبوي يقول لنا ابحث عن إيجابيات أبنائك وامدحها ودع اللوم والعتاب.
للأسف لو راجع الوالدان أنفسهما في حديثهما مع أبنائهم وفي طريقة تعاملهما فسيجدان في الغالب اللوم والتوبيخ على أخطاء الأبناء بل أحياناً البحث عن تلك الأخطاء ومحاولة تصيدها .
وهذا يجعل الابن يتحاشى الخطأ أمام والديه ولا يزرع فيه المراقبة الذاتية وترك الخطأ للخطأ .
وتوضيحاً لأثر العتاب والتوبيخ السلبي على معالجة سلوكيات الأبناء يقول الإمام الغزالي في نصحه للمربين ( ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين فإنه يهوِّن عليه سماع الملامة وركوب القبائح ويسقط وقع الكلام من قلبه. وليكن الأب حافظاً هيبة الكلام معه فلا يوبخه إلا أحياناً والأم تخوفه بالأب وتزجره عن القبائح) .

إلا أني لا أرى أن تخوف الأم الأطفال بأبيهم لأن العقاب سيرتبط بالأب إن كان سيعاقبهم أو تنزل مهابة الأم بأنها لا تستطيع أن تتصرف معهم .

وهناك خطوات للمدح يراها د. سبنسر جونسون يذكرها في كتابه القيم أب الدقيقة الواحدة أكتبها بتصرف يسير وتعليقات بسيطة عليها :

1. ( أقول لأبنائي أني سأمدحهم عندما يحسنون التصرف ) أظن لا داعي إخبارهم بذلك بل امدحهم إن أحسنوا فهم سيشعرون بأثر المدح (ويدخلون الراحة إلى نفسي وسأشجعهم أن يفعلوا ذلك أيضاً معي) أي هم يمدحون الأب .

2. (ألاحظ أبنائي عندما يحسنون التصرف) وهذه نقطة جداً مهمة أن ألاحظ التصرفات الإيجابية ، صفاتهم الحسنة لكي أذكرها لهم مادحاً لكي يعزز ذلك السلوك ولا يفقد بعد فترة وأتحسر عليه ، لاحظ ولو النزر اليسير :

 أطفالك لعبوا وجلسوا بهدوء متفاهمين أمر يستحق الثناء .
 أحد أبنائك ساعد أخاه بلبس حذاءه لا يمر مروراً عابراً .
 الطفل استطاع أن يربط خيط حذاءه لأول مرة لابد أن يشعر أن أبويه لاحظا ذلك .

3. (أقول لهم بالتحديد ماذا فعلوا) :
فقد لا يفيد التعميم فاذكر لابني بالضبط السلوك الجيد :
- ذاكر مذاكرة كافية لمادة الإنجليزي .
- حافظ على هدوئه عندما طلبت منه ذلك .
- رمى أكياس الزبالة دون أن يطلب أحداً منه ذلك .
- الفتاة ساعدت أمها في المطبخ .

4. (ثم أخبر أبنائي بسروري لما فعلوه ولماذا يجعلني ذلك سعيداً) .

5. (توقف عن الكلام لثوان قصيرة ، صمتي سيدعهم يشعرون بأنهم راضون عن أنفسهم) ، ثم يربط د. سبنسر الجانب العاطفي مع المدح .

6. (ثم أقول لهم أني أحبهم) .

7. (أختم المديح بالاحتضان أو بلمسهم حتى يشعروا أني مهتم بهم) .

8. (أدرك أن مدح أطفالي يأخذ دقيقة واحدة لكن إحساسهم بالرضا عن أنفسهم سيظل معهم طوال حياتهم) .

9. (أعلم أن ما أفعله جيد لأطفالي ولي) .
يستخدم أحياناً المدح والثناء لتحفيز همة أو تحريك مشاعر فتتأهل النفس للاستجابة والتنفيذ راضية غير مكرهة راغبة غير راهبة .

يقول الإمام الغزالي :
( إذا ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود فإنه ينبغي أن يكرم عليه ويجازى عليه بما يفرح به ويمدح أمام الناس لتشجيعه على الأخلاق الكريمة والأفعال الحميدة ... )
الثواب والمكافأة :
المدح و الثناء يكون باللسان وقد ينقل إلى المكافأة المادية والثواب المناسب ويراعى أن تكون عقب الفعل مباشرة فلا يتراخى بها فتفقد أثرها .
ومن الضروري اختيار جائزة تسر الصبي وتحفزه للاستمرار على سلوكه الإيجابي وعلى أن يحسنه .
فبعض الآباء يختارون هدية هو يراها مناسبة ومفيدة لأبنائه ويكون للابن رأي آخر فلا تعطي الهدية مفعولها التربوي .

وأختم هذه النقطة بقصه توضح أهمية البحث عن إيجابيات أبنائنا وإنجازاتهم وأمدحهم وأثني عليهم بالأسلوب المناسب فإن هذا يثبت هذا السلوك ويقضي على كثير من أخطائهم فهذا موقف حدث لي لمست منه أثر الكلمة الطيبة في علاج كثير من السلوكيات غير المرغوب فيها .
أحد الطلاب كان مزعجاً في فصله بشكل ملفت يتكلم مع هذا ويضرب ذاك ويمزح مع ثالث. وجربت معه وسائلاً كثيرة لثنيه عن تصرفاته هذه دون فائدة ثم لجأت إلى العقاب ، ولا أثر إلا لوقت يسير. وذات مرة قدم هذا الطالب برنامجاً في الإذاعة الصباحية أمام الطلاب ووجدتها فرصة لأثني عليه وفعلاً مدحت تقديمه وشجعته بكلمات بسيطة لم تتجاوز دقيقة من الزمن .
ومن ذلك اليوم تفاجأت من التغيرات التي حدثت له في الفصل فإذا به ينتبه للشرح ويشارك بفعالية . ثم نال في الاختبار درجة الامتياز ، نقصته درجة واحدة فقط وقد كنت ألتمس فيه تغييراً ، لكني لم أتوقع أبداً أن التغيير يحدث بتلك النسبة . فالكلمات الطيبة والمدح الحقيقي يصنع مالا يصنعه التأديب والتوبيخ والعقاب .

3. تقدير الذات لا هدمها :

روى الإمام مسلم أن رسول الله  أتى بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ فقال للغلام : (أتأذن لي أن أعطي هؤلاء) فقال الغلام لا والله ولا أؤثر بنصيبي منه أحد . قال فتله رسول الله في يده - أي أعطاه إياه-. ( )
من الذي يجلس مع الرسول  من الأشياخ... أبو بكر وعمر وغيرهم من كبار الصحابة وهذا الغلام الصغير له جالس معهم أين ! ؟ إلى يمين رسول الله  .
فالرسول صلوات ربي وسلامه عليه يقدر حق هذا الصغير أمام القوم بل يستأذنه ثم يعطيه هذا الحق دون أن ينكر عليه أو يوبخه أو يتهمه بقله الاحترام للكبير .

أنه تقدير لشخصية الطفل وتقدير لذاته .
تمعن في جواب الطفل الذي قُدرت شخصيته فأضحت لها كياناً مستقلاً يدلي برأيه فقال : لا والله لا أوثر بنصيبي منه أحد .
إن هذا التقدير يصنع شخصية قلما تخطيء وإن أخطأت تكون مستعده للاعتراف بخطئهما وتصحيحه .
إن تقدير الذات يكوِن شعوراً داخلياً بقيمة النفس ويجعلها قادرة على رفض السلبيات والأخطاء .

وهذه خطوات عملية بها يتحقق تقدير الأبناء لذواتهم ( ):
• اثبت لطفلك أنه جدير بالحب دون أي شرط . حب لا يتعلق بنجاحه أو فشله ولا يرتبط بسلوكه .
• ذكِر الابن أن ما يفعله بغض النظر عن النتيجة يشكل أهمية لك حتى إن كان لا يبدو كذلك أولايظهر بالصورة المطلوبة .
فمثلاً يعود الابن من المدرسة وبيده إحدى رسوماته وهو محبط لأنه يراها سيئة . تناول الرسم واذكر جهده فيه وأن الورقة كانت بيضاء لكنه ابتكر هذا الرسم.
• شجع الأبناء على المشاركة في الأنشطة المختلفة في المدرسة ومع الجمعيات الخيرية ، في الدورات الهادفة. فمثل هذه المشاركات تكسبه مهارات مختلفة في القيادة وتكوين العلاقات وتمنحه تجارب شتى .
• علم الطفل الاعتماد على النفس، فلا تعاونه دائماً، بل اتركه يطور قدراته سيفخر بنفسه بعد ذلك ويعتد بها .

نقد السلوك لا نقد الذات :
هناك أمر يجدر الإشارة إليه لأنه قد يهدم تقدير الإنسان وخاصة الطفل والأبناء لذواتهم ألا وهو طريقة النقد .
حينما يرتكب الأبناء الأخطاء قد يواجهون النقد وهو أمر لابد للأبوين من ممارسته لكن طريقة النقد أحياناً تهدم كيان الطفل عندما ننتقد شخصه وذاته.
إن لكلام الأبوين لابد أن يوجه إلى سلوك الطفل ففرق أن تقول للابن طريقتك هذه لا تناسب أو نقول له أنت لا تفهم غبي .
إن الأبناء وخاصة الأطفال يكوِّنون صورة عن أنفسهم من خلال كلمات غيرهم عنهم وخاصة من كلمات الوالدين أقرب الناس إليهم والطفل في تصوره أن الوالدين يفهمان أكثر منه وبالتالي كلامهم صحيح فينطبع في ذهنه أنه غبي سيء ميئوس منه وهكذا .
أما عندما يوُجه النقد إلى سلوك الطفل وتصرفاته. هذا العمل خطأ ويزعج الآخرين فحينئذ هذا السلوك ممكن تغييره، مع إضافة أنت طفل جيد وأنا أحبك ويا ليتك تتصرف (ذكر الساوك المطلوب). وكما يقول الدكتور عبد الكريم بكار ( فالطفل يمتلك مشاعر كاملة ودرجة من العقلانية منخفضة ...)

4. فلنفهم أبنائنا لا أن نعقدهم

(إن عالم الطفل قد يكون عالم غريب ولكي نؤثر فيه يتحتم أن نتمكن من دخوله من باب اللطف و الرحمة والعطف و الحنان ، من خلال الهدية والخدمة والملاطفة والبسمة ) ( )
فبهذا تنشرح صدورهم وتتفتح قلوبهم وتصبح نفوسهم مستعدة لزرع القيم و المبادئ . في نفوسهم تقبل لإصلاح أي اعوجاج قد يحدث .
وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم يتجلى رعاية الإسلام وفهمه نفسية الطفل اجتزئ قسماً منه.
أرسل الرسول  أنس في حاجة له، لكن أنس بدلاً أن يذهب لقضاء تلك الحاجة ذهب إلى صبيان يلعبون يقول أنس ( وإذا رسول الله  قابض بقفاي فالتفت إليه وهو يضحك قال: (يا أنيس أذهبت حيث أمرتك) . فقال أذهب يا رسول الله ... الحديث .
- الرسول  :
 راعى نفسية الطفل وحاجته للعب وللصحبة فالطفل لم يقصد العناد والإعراض .
 داعبه ماسكاً قفاه وهو يضحك فهو هنا يدخل إلى قلب الطفل فأنس يدرك أنه أخطأ .
 ثم يلاطفه ويقول يا أنيس سائلاً له هل: فعل ما طلبه منه .

إنه فهم متكامل لنفسية ومزاجية الطفل .
ونستطيع من هنا استنتاج أسس ومفاتيح لفهم الطفل :

1. الطفل عادة لا يتعمد الخطأ وإنما قد ينسى أو يتصور، أنه يمكنه تأجيل بعض الأمور .
2. الطفل يفهم الحياة وجوانبها على غير فهمنا فهو يفعل ما يستمتع به ونظرته إلى الخطأ تختلف عن نظرة الكبار .
ويذكر الأستاذ ماهر الملاح تحت عنوان المفاتيح السبعة لفهم عالم الطفل في موقع مفكرة الإسلام عدداً من النقاط أذكر منها :
1. الطفل كيان إنساني سليم وليس حالة تربوية منحرفة ويكمن هذا المفهوم في قول النبي  ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ) وحسب ما ذكر الأستاذ ماهر على ضوء هذا المفهوم فإن الطفل قد منحه الله الملكات الفطرية والمقدرات الأولية ما يؤهله ليسير على صواب. فتكون وظيفة الوالدين هو تقديم المساعدة وتيسير نضج تلك الملكات وتنمية تلك القدرات .
وإذا رأينا اعوجاجاً وانحرافاً فالمطلوب أن يراجع الوالدان أنفسهما ويلومانها على التقصير أو على خطأ في أساليب التربية .
2. العناد عند الأطفال وخاصة من ثلاث سنوات هو نزعة استقلاله وليس رغبة في المخالفة .
3. كل رغبات الطفل مشروعة، وتعبيره عن تلك الرغبات يأتي أحياناً بصورة خاطئة فقد يفعل أعمال مزعجة للكبار كي يلبي حاجة من حاجاته يمزق صحيفة بين يدي والده ليثير اهتمامه ، يرفض الذهاب إلى المدرسة لأنه يريد أن يُحترم من قبل معلمه .
والمهم هنا أن نفهم ونعي تلك السلوكيات، فهي ليست خاطئة وإنما تعبر عن حاجة معينة فعند تلبية تلك الحاجة فنحن نعالج تلك السلوكيات فلابد من فهم هذا الجانب جيداً .
ومن النواحي المهمة التي تندرج تحت فهم الطفل، أن ندرك أن الأطفال ينقصهم الفهم الصحيح لكثير من الأوامر والنواهي ، فنحتاج إلى التكرار كثيراً فالطفل ينسى. كما أنه إذا تعارض أمر أو نهي مع متعته ينغمس في تلك المتعه ولعل هذا الأمر واضح في حديث أنس المذكور .
والطفل أيضاً في حاجة إلى تعليل الأوامر والنواهي كي يستوعبها.
فمثلاً لماذا عليه أن لا يلعب بالسكين، فنوضح له السبب لا مجرد أن نقول له لا تلمس وحسب. أو عندما نمنعه من الخروج مع والديه يُوضح له سبب ذلك بالأسلوب والحوار المناسبين وهذا من شأنه أن يسهل عليه تنفيذ أوامر الكبار .

• ملخص ما سبق :
من الأسس المهمة التي تخص الأبناء لبناء بيت تربوي :
1. مصاحبة الأبناء والجلوس معهم .
2. المدح والثناء والتشجيع ,
3. تقدير ذواتهم .
4. فهم الطفل .


منـير بن أحـمد الخـالدي