كيف تصبح بطلا للعالم في التذكر؟

تشهد العاصمة البريطانية لندن سنوياً في شهر أغسطس بطولة غريبة من نوعها وهي بطولة العالم في التذكر. وهذه البطولة الفريدة بدأ تنظيمها منذ عام 1991م بسبعة متسابقين فقط، لكن الآن يتسابق للمشاركة فيها آلاف الرجال والنساء والشباب من كل أنحاء العالم، والكل يسعى لأن يصبح بطلا للعالم في التذكر.
والمسابقات في هذه البطولة غاية في الغرابة والاثارة ، إذ يتبارى المتسابقون لتذكر - على سبيل المثال- رقما من 700 خانة ، أو أرقام مئات أوراق اللعب خلال ساعة، أو تذكر عشرات الكلمات والعبارات العشوائية التي لا صلة بينها.
وتترواح أعمار المتسابقين بين 13 عاما وحتى 60 عاما أو يزيد، جاؤوا من مختلف البلدان ويعملون في أعمال متباينة وكلهم يحدوهم الأمل في الفوز ببطولة العالم في التذكر. وكان أصغر المشاركين في هذه البطولة للعام الحالي صبي عمره ثمانية أعوام.
وفي الأعوام الماضية تمكن شابان عمرها 15 عاما من الفوز بدرجة الاستاذية في
التذكر.
وتقسم فعاليات البطولة إلى مستويات تشمل: الشباب الصغير والفتيات الصغار والرجال والنساء والشيوخ الرجال والعجائز من النساء. ويمكن أن يكون الفائز من أي من هذه الفئات جميعاً.

مؤسس البطولة
مؤسس البطولة هو توني بوزان وهو مهندس اسكتلندي واسم معروف في عالم الرياضات الذهنية والتعلم. وله العديد من الكتب في هذا المجال منها كتاب "استخدم ذاكرتك" والذي نشرته بي بي سي. كما أن بوزان تمكن من اختراع الخرائط الذهنية، وهي وسائل تعلم خاصة بالرياضات الذهنية. وقد فكر بوزان في هذه البطولة بعد أن وجد أناسا كثيرين يحلمون بالالعاب الخاصة بتنشيط الذهن.
ويقول بوزان : "لقد نظرت في عالم الرياضة فلم أجد منه ما يعنى بالذهن وكلها تعنى برياضات البدن، لذلك فكرت في أن تكون هناك رياضات خاصة بالعقل".
ويصف بوزان هذه البطولة بأنها "رياضة وتسلية"، مضيفا أن العديد من المشاركين يدخلون المسابقة للتسلية والاستمتاع. ولدى بوزان قناعة تامة بأن كل إنسان يمكنه أن يدرب عقله على التذكر حتى يصل إلى مستوى الاستاذية (grand maser).
ويقول بوزان : لقد دربت أناسا كثيرين على التذكر بعد أن كانوا يعانون من مشاكل كثيرة في القدرة على التذكر، والآن وصلوا إلى مستويات لا تصدق.

دومنيك أوبريان .. رقم قياسي عالمي
في كل بطولة تسلط الانظار على دومينيك أوبريان الفائز بالبطولة للاعوام الثمانية الماضية، محققا رقما قياسياً عالمياً قد يكون من الصعب تحطيمه قريباً. ويستطيع أوبريان تذكر أرقام 54 من أوراق اللعب بمجرد رؤيتها مرة واحدة ، وحتى لو تم خلطها معاً. بل إن أوبريان تمكن من تذكر أرقام 2808 كروت.
يبلغ أوبرين 44 عاماً ولم يكن متفوقا في دراسته وهو صغير إذ كان ضعيف التركيز، وكان مثار انتقاد من مدرسيه.
لكن أوبريان بعد انهاء مشواره الدراسي وبدء رحلة العمل ، شاهد ذات يوم برنامجا تلفزيونيا تمكنت خلاله ممرضة في قسم العلاج النفساني في أحد المستشفيات وتدعى كريغتون كارفيلو من تذكر أوراق اللعب جميعاً من أول نظرة دون أن تخطىء، وكان ذلك في برنامج يعرف باسم "محطمي الأرقام القياسية" .
في تلك الفترة كان أوبرين عمره 30 عاماً. ويقول أوبرين عن نفسه أنه اندهش كثيرا لما رآه في البرنامج وقرر تدريب ذاكرته على التذكر. وبعد ثلاثة اشهر صارت ذاكرته أقوى، واستمر الحال إلى أن وصل إلى المنافسة على المستوى العالمي، وفي عام 1994 أطلق عليه لقب " مخ العام" وتم تتويجه لاحقاً بلقب "أستاذ التذكر" من قبل مجموع "بريان تراست" البريطانية .
وشيئا فشيئا ذاعت شهرة أوبرين وكثرت اللقاءات التلفزيونيه معه، وقام بتأليف العديد من الكتب الخاصة بهذا المجال.
ويستطيع أوبرين أن يتذكر على سبيل المثال - جميع مباريات كأس العالم بلاعبيها وحكامها وحكام الخطوط وعدد الجماهير في كل مباراة وعدد الاهداف والاحداث التي صاحبت كل مباراة وبالتواريخ أيضاً.

كيف يستطيع أوبرين التذكر؟
قبل المشاركة في البطولة غالبا ما يقوم أوبرين بتمرينات تشبه تلك التي يقوم بها الرياضيون قبل المشاركة في أي بطولة وهو ما يطلق عليه "الاحماء" ، إذ يبتعد عن أي كحوليات ويمارس رياضات في الهواء حتى يحصل المخ على القدر الكافي من الأوكسيجين، فضلا عن تناول الأغذية المساعدة على ذلك.
وأثناء التمارين يحاول أوبرين إجراء اختبارات تذكر باستمرار، كأن يتذكر مثلا الف رقم عشوائي مطبوع، أو خمسمائة كلمة تم ذكرها ، مع الاستعانة في ذلك بجهاز كمبيوتر، أو 100 كلمة عشوائية وبعض الشعر.
ويقول أوبرين إن التمرينات التي يقوم بها يمكن لأي شخص أن يمارسها لمساعدته على تحسين ذاكرته في الأمور التي تهمه، كأن يتذكر قائمة المشتروات المطلوبة للمنزل. وفي ذلك يقول أوبرين إنه يسعى لتنشيط ذاكرته باستمرار بزيارة أماكن وقرى جديدة حيث يلتقى هناك بأناس جدد ويزيد من معلوماته مما ينشط الذاكرة باستمرار.
ويوصى أوبرين كل من يرغب في تنشيط ذاكرته أن يدرب الجانب البصرى من خياله باختزان صور منزله. ويقول أوبرين : حاول أن تتخيل نفسك تسير في أروقة المنزل ثم تهبط إلى الشارع حيث ترى كل الاشياء المحيطة من أنسجة وأثاث وأصوات وروائح وعيون الأشخاص المفضلين لديك , وهكذا. وحدد لك 15 شيئا ترغب في شرائها ، سجلها في قائمة وضعها في جيبك وحاول القيام بعملية الشراء بتذكر مفردات القائمة من الذاكرة.
ويلاحظ أن هذه الطرق في تدريب الذاكرة التي يتبعها أوبرين تتشابه مع ما يقوله بوزان مؤسس بطولة التذكر، من حيث تشجيع الناس على استخدام قدراتهم على التصور والتخيل في تطوير وتنشيط الذاكرة.
ويقول بوزان عن هذه الطريقة : هذه المهارات التدريبة يصحبها نوع من المتعة حيث أن المرء لا يستخدم قدرات عقله التحليلية فقط ولكن يستخدم الخيال كذلك ويستدعي العديد من الحكايات عند التذكر.
ولكي يمتلك المرء ذاكرة قوية عليه أن يجيد توظيف المصادر الموجودة في جانبي المخ الأيمن والأيسر، إذ أن لكل منهما مهام يقوم بها. فمثلا نجد أن الجانب الأيسر يتولى مهام إصدار الأوامر والتتابع والمنطق وحفظ الأرقام والكلمات والحديث. أما الجانب الأيمن فيتولى مهام التخيل والألوان والأحلام والطموحات والوعي والادراك .

العلم والذاكرة ..

الذاكرة تتكون من ذاكرة فورية وهي تلك التي تسمح لنا بالاحتفاظ بالمعلومات لأداء المهام. وهناك ذاكرة قصيرة وتعمل كنقطة التقاء وفصل بين المعلومات الجديدة، والذاكرة الطويلة.
وهناك الذاكرة الطويلة وهي التي تحتفظ بالمعلومات لعدة أشهر أو لمدى الحياة.
والذاكرة تتشكل من خلال تفاعلات كيميائية بين الخلايا العصبية في جدار المخ وفي كل مرة تتعلم شيئا جديدا تحدث تفاعلات كيميائية تسبب ممرات جديدة أو علامات جديدة في الذاكرة تتطور داخل الأعصاب. وهذه العلامات يمكن أن تنشط في أي لحظة لإنتاج أفكار تسمى ذكريات.
والمناطق الموجودة في المخ المتصلة مع الذاكرة متصلة أيضا مع تلك المناطق الخاصة بالمشاعر والانفعالات. وأثناء وجود ضغط انفعالي ينتج الجسم هرمونات تزيد حالة الاستنفار ،ومن ثم يحدث انفعال قوي يمكن أن يحفظ كخبرة في الذاكرة.
وبقدر ما يتم استخدام الذاكرة وتوظيفها بقدر ما تحوي من معلومات. وقد أثبت هذه الحقيقة العلمية الدكتور البريطاني دبرا بيكريان استاذ الفلسفة في جامعة لندن، حيث أجرى دراسة أثبتت أنه بقدر ما يستخدم الانسان الذاكرة ويوظفها بقدر ما تتمدد عضلات المخ وتحتفظ أكثر بمعلومات، والعكس بالعكس تماماً.

منقول