لا شك أن القدرة على التركيز صارت من أهم مقومات النجاح ؛
يقول أ.ج . جريس أهم رجال الصناعة البارزين: " ان صب الاهتمام فى العمل أو المشكلة التى قيد البحث ثم نسيان الأمر بتاتا بمجرد حسمه والوصول الى قرار فيه ، بحيث تستعيد قوة تركيز ذهنك كاملة غير منقوصة من أهم الأسباب المؤدية إلى النجاح في الحياة ".
وقال هلفتيوس: "العبقرية ليست أكثر من تركيز الذهن ".
وقال فليبيس بروكسل:" إن حصر الاهتمام هو أول مقومات العبقرية ".
والتركيز ما هو الا توجيه الذهن إلى موضوع بعينه توجيها كاملا كأن تحصر تفكيرك فى مشكلة فى عملك فتنظر فى جميع زواياها وجوانبها وتحلل وتقارن حتى تصل الى الحل.
والتركيز أيضا هو تعريض الذهن زمنا كافيا لمؤثر معين دون النظر الى المؤثرات الاخرى , ونقصد بالمؤثر: هى المعلومات التى يتم استيعابها من خلال احدى الحواس: البصر ، السمع ، الذوق ، الحس ، الشم.
فمثلا: تركز فى صورة معينة في أشكالها وألوانها وظلالها دون الشعور بأي مؤثر آخر فلا تشعر بالضوضاء حولك ولا تشعر برائحة المكان بل تحصر ذهنك في الاستجابة لهذا المؤثر ألا وهو هذه الصورة التي أمامك.
ولقد كانت القرون الأولى من هذه الأمة شديدة التفوق في تركيز الذهن فيما هو نافع ومفيد ومن أشد المجالات التى اتضحت فيها قدراتهم الهائلة على التركيز خشوعهم فى الصلاة.
قيل لبعض السلف: هل تحدث نفسك بشئ من الدنيا في الصلاة ؟
فقال: لا فى صلاة ولا فى غيرها.
وقال ميمون بن مهران:" ما رأيت مسلم بن يسار ملتفتا فى صلاة قط ولقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع أهل السوق لهدتها وإنه لفي المسجد يصلي فما التفت".
وقد روى أن عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما كان يصلى فى جوف الكعبة وهو محاصر بجيش عبد الملك بن مروان الذى يسدد ضرباته بالمنجنيق فمرت فلقة من حجر عظيم بين لحيته وحلقه فما زال رضي الله عنه عن مقامه ولا ظهر على صورته هم ولا اهتمام.
وقد روي عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه أنه قال عن نفسه أنه ما نام فحلم ولا سهى فغفل , فإذا كان هذا هو شأن سلفنا الصالح وكان ذلك هو شأن التركيز فلننهض محاولين أن نلحق بالركب عسى أن نكون من الفائزين.
ما هى أسباب شرود الذهن وعدم التركيز ؟
حتى نستطيع معالجة أي مشكلة علينا بداية معرفة أسبابها فما هو السبب وراء عدم تركيزنا فى أعمالنا وراء عدم خشوعنا فى صلاتنا وراء عدم تدبرنا لقرآننا ؟
1- وجود مشكلة ملحة تطلبنا , قد تكون مشكلة شخصية – عائلية – عاطفية – مالية – اجتماعية [ ولذا فقبل دخولك فى العمل انسى مشاكلك وقبل دخولك فى الصلاة انسى الدنيا وألقها وراء ظهرك ].
2- توقع حدوث أمر مخيف والانشغال به.
3- المعاناه من مشكلة صحية.
4- وقوع أمر يؤدى إلى الفرح الشديد.
5- التعود على العيش أسير الخيالات والأوهام غير الواقعية والتعلق بها.
6- أن يكون فى محيط العمل وبيئته ما يشغل الفكر ويؤدى لعدم الارتياح ومن أمثلة ذلك: الترتيب غير المناسب والمزعج لمكان العمل أو شدة الحر أو البرد في مكان العمل أو شدة الضوضاء أو وجود رائحة كريهة فى مكان العمل.
ومن أمثلة ذلك في السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فشغلته عن الصلاة فلما انصرف قال النبى صلى الله عليه وسلم: [اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم فإنها ألهتني آنفا في صلاتي وأتوني بأنبجانيته ] [ أنبجانية: كساء غليظ ] .
علاج مشكلة الشرود الذهنى وقلة التركيز :
إن بناء القدرة على التركيز الذهني والعقلي يحتاج إلى تمرين هادئ وطويل ولكنه صارم ودقيق كما يفعل الانسان عند بناء وتقوية عضلاته بحيث يستطيع بعد ذلك تركيز قواه الذهنية وحصر تفكيره العقلي في أي وقت أراد وفي أي موضوع أيضا.
بعض الوسائل المساعدة لذلك :
1- رتب مكان عملك ترتيبا جيدا واستبعد كل ما يشتت فكرك ويشغل ذهنك.
2- عود نفسك على أن تعيش لحظتك وأن تحصر نفسك فيما أنت فيه فقط وانسى أو تناس كل ما عداه قال صلى الله عليه وسلم: (من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه جمع له قوت يومه وليلته فكأنما جمعت له الدنيا بحذافيرها).
3- اذا كنت تشعر بالإجهاد فتوقف عن العمل بعض الوقت وخذ لحظات من الاسترخاء فى مكان جيد للتهوية.
4- اذا كنت تشعر بالخمول فجدد التهوية فى موقعك وتحرك قليلا من مكانك ومارس بعض التمارين الرياضية الخفيفة لبضع دقائق .
5- أعط نفسك قدرا كافيا من الراحة قبل البدء فى التفكير وممارسة العمل .
6- بادر بعلاج ما تعاني منه من مشكلات صحية وإذا كنت تعانى من شئ فلا تبالغ في أمره ولا تعطه تفكيرا أكبر من حجمه.
7- حينما تكون فى حديث مع شخص آخر اهتم بما يقوله محدثك وما يقصده من الكلام ولا تنشغل بما يلبسه أو ما تحمله من ذكريات عنه.
يتبع
المفضلات