كيف يمكن حماية الأولاد والبنات من الانقياد وراء الحرية الغربية؟
يجيب عن الاستشارة: د. رشاد لاشين عضو الفريق الاستشاري في (إخوان أون لاين):
الأخ الفاضل الحبيب، أبو عبده من العراق الحبيب، مهد الخلافة وعاصمة الرشيد، أسأل الله تعالى أن يُنبت أبناءك نباتًا حسنًا، وأن يحفظهم من كل سوء، وأن يجعلهم روَّادًا في الحق، منارات للخير..

أما بخصوص حمايتهم من الانقياد وراء الحرية الغربية فإنني أقدم لحضرتك الآتي:
في عصر تشتدُّ فيه موجة المادية والإباحية والانفلات، يجب على الوالدين أن يعملا على تعظيم شعائر الله في نفوس الأبناء، قبل أن تتعاظم شعائر الموضة وشعائر الإباحية والانفلات في نفوسهم، ولا يتم ذلك إلا من خلال "قانون الانبهار"، والتحبيب والتزيين لمبادئ الحق وتوفير البيئة الصالحة؛ فالإنسان بطبعه يسير وراء ما ينبهر به، وسلوك الإنسان فرع عن تصوره، وتصور الإنسان فرع عن معتقده؛ إذن الأمر يتعلق أولاً بالتربية على معتقدات صالحة سليمة، تنبثق عنها تصورات صالحة تترجم في أرض الواقع إلى سلوك عملي صالح، فإذا صلحت المعتقدات صلحت التصورات، وبالتالي صلح السلوك وصلحت الممارسة، والعكس بالعكس، إذا فسدت الدماغ بمعتقدات فاسدة نتج عن ذلك تصورات وآراء فاسدة، وترجم ذلك إلى سلوك فاسد منحرف، إذًا فالأصل في الأمر هو ما تعتقده الدماغ وما يستقر في الدماغ.

والأمر الذي نريده أن يستحوذ على عقل الإنسان ولبّه، يجب أن يتصف بعدة صفات؛ حتى تنجح عملية القبول والتبني:
1- أن يكون محببًا إلى النفس مزينًا لها: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ (الحجرات: 7)، فيجب أن نمارس عملية تحبيب السلوك الإسلامي وتزيينه في نفوس أبنائنا، من خلال الشرح والتوضيح المتكرر، ثم نتضرع إلى الله تعالى: اللهم حبِّب إلى أبنائنا الإيمان وزيِّنه في قلوبهم.

2- أن يكون معظمًا في النفس ذا شأن وقيمة، فتعظيم الشعائر في النفوس يأتي من خلال بثِّ روح الاعتزاز بمنهج الله تعالى.. ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحج: 32)، وذلك من خلال دوام الحديث وتقديم النماذج والثناء الجميل، وإبراز المحاسن وصناعة الرموز المحبَّبة إلى النفوس؛ فمثلاً نقول للبنت: ستكونين أفضل إنسانة في الدنيا حينما تريدين الزيَّ الذي أراده الخالق العظيم؛ الجلباب والخمار، وليس ما يريده شياطين الموضة وأرباب العري والانفلات، ونغرس فيها قيمة الاعتزاز وروح الشموخ والاستعلاء بالحق، بدلاً من السقوط في أسفل سافلين؛ باتباع الضالين من شياطين الإنس والجن.

3- أن يكون مبهرًا للإنسان مستحوذًا على عقله، وهو ما يُعرف بـ"قانون الانبهار"؛ فالكون كله يسير بهذا القانون؛ بدءًا بالمجرة وحتى أصغر شيء في هذا الكون؛ فالمجرات كلها تسير بأسلوب الانبهار؛ فكل مجموعة عبارة عن نجم قوي، له نور قوي، وله جاذبية قوية، تجمع حوله مجموعة من الكواكب، فالمجموعة الشمسية مثلاً النجم القوي فيها هو الشمس، نورها هائل، وجاذبيتها قوية، تجذب حولها باقي المجموعة، وتربطها بها دون انفلات، كذلك نريد الأمر في العلاقة مع أبنائنا؛ أن نكون نورًا لهم نضيء الطريق، وأن نكون جاذبية جميلة أخَّاذة تربطهم بنا.. ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام:122 ).

فيجب علينا إبهار أبنائنا بعظمة منهجنا وروعة ما لدينا، بدلاً من أن ينبهروا ببريق الحرية الغربية والموضة الغربية والإباحية الغربية، التي يبدو في ظاهرها الرحمة وباطنها فيه العذاب، ثم بعد ذلك يحرمون المتعة الحقيقية.

4- أن نوفر البيئة الصالحة التي تتبنَّى المبادئ المطلوب غرسها، والتي يتم فيها التطبيق والتدريب والقبول في ظلال الحب الود؛ فالطفل يتمسك بالسلوك بقدر جرعة الحب التي يحصل عليها من الوالدين، والبيئة الصالحة أيضًا تحتاج إلى إعلام صالح مبهر يتبنَّى المبادئ التي نريدها، وكذلك صحبة صالحة من خلال أصدقاء يطبقون في الواقع نفس المبادئ التي نريد تربية الأبناء عليها، وهذه البيئة يجب أن تقدم البدائل الصالحة التي تشبع النفس، وتغني الإنسان عن الانجراف وراء الحرية الغربية.

ومع إبهار أبنائنا بمنهجنا وحسن تربيتهم على مبادئنا الرائعة، علينا أن نقوم بأمرين بخصوص الحرية الغربية:
- أن نقوم بعملية تكريه الأبناء في الحرية الغربية وإظهار المساوئ والمفاسد والأضرار الناجمة عنها؛ من خلال الأمثلة الواقعية الكثيرة والتي ليس مجالها هنا، ثم نتضرع إلى الله تعالى بالدعاء أن يكرِّهَها إليهم.. اللهم كرِّه إلى أبنائنا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين، وأن نحذِّرَهم من الجري وراء سراب الحرية الغربية، التي لا تحقق السعادة ولا تجلب سوى العذاب.. ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (النور: 39).

- أن نقوم بتوضيح المفهوم الصحيح للحرية؛ فالحرية لا تعني الانفلات، بل الحرية الحقيقية هي أن تنضبط بمنهج الله تعالى، وأن ترعى حقوق الآخرين، فليس من الحرية أن تفعل ما تشاء بلا ضوابط، وليس من الحرية أن تعتدي على حرمات الآخرين، وليس من الحرية أن تمتِّع نفسك أيامًا قلائلَ في الدنيا ثم تحبسها في نار جهنم في عذاب خالد مقيم ومستمر.