المعلمة المتميزة هى من تحاول جاهدة أن تستثمر طاقات أطفالها وتوظفها أحسن توظيف ، بحيث تضع كل متعلم من هؤلاء الأطفال فى مكانه ؛ حتى يعطى أفضل وينتج أحسن إنتاج ويكون له السبق بين أقرانه فيما تميز فيه ، فهذا يحسن الشعر ولديه القدرة على أدائه ، وهذا يجيد قراءة القرآن وصوته جميل ويتلو القرآن تلاوة صحيحة ، وهذا تبدو عليه ملامح الخطابة ، وهذه تبدو عليها ملامح الإجادة فى الحياكة وغيرهم من لديه قدرات لو لم توظف وترعى لذهبت وضعفت وأصبحت فى عداد النسيان . وكثير منا كانت لديه العديد من المواهب والخصال والقدرات ولكنها ضلت طريقها لأنها لم تجد من يرعاها فى مهدها ويصب عليها ماء الحياة ليقويها فتصبح سمة مميزة لصاحبها .

والرسول المعلم صلى الله عليه وسلم يضرب لنا المثل والقدوة فى استثماره تلك الطاقات وتوظيفها أفضل توظيف ، وهو حين يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم يدعونا جميعا بصفة عامة والمعلمين والمعلمات بصفة خاصة أن ننهج نهجه ، ونسير على دربه فى استثمار تلك الطاقات ومن الأمثلة : بلال بن رباح ذلك العبد الحبشى الذى أصبح موهوباا موهبه فرضته على أبى بكر وعثمان وعلى ، فحين أراد الله أن يؤذن للصلاة فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن يقول لصاحب الرؤيا علمها بلال فإنه أندى منك صوتا . نعم 00000

لا غضاضة ، لا غضب، لا حقد ، دع الموهوب ينطلق، دع أصحاب المزايا يتقدمون ففى ذلك فلاح لهم وهو فى الوقت نفسه فلاح للأمة ، أليست الأمة أفراد ؟ فإذا كانوا متميزين كانت الأمة كلها متميزة سادت الأمم وتقدمت. ويورد سعيد حوى في كتابه ( الرسول صلى الله عليه وسلم) أن معرفة الرجال ووضع كل في محله المناسب له ، وتكليفه بالمهمة التى يصلح لها ، لا يلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم أحد فيها .

إن أبا بكر وعمر كانا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقبهما الصحابة بالوزيرين له ، وكان يسمر معهما في قضايا المسلمين ولما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس وهذا الذي جعل المسلمين يختارونه بعد خليفة 0 ثم كان عمر الخليفة الثاني والناس يعرفون ماذا فعل أبو بكر وعمر يوم حكما الناس فهل يشك أحد أن تركيز الرسول صلى الله عليه وسلم على هاتين الشخصيتين كان في محله وأنهما من الكفاءة في المحل الأعلى وأن رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما في محله وهذان مثلان فقط وإلا فما اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا إلا ورأيت الحكمة في هذا الاختيار .

يقول عمرو بن العاص في قصة اسلامه وخالد بن الوليد: فو الله ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد بن الوليد أحداً من أصحابه في أمر حزبه منذ أسلمنا \" وما أحد إلا ويعرف كفاءة هذين الرجلين من آثارهما بعد ، وعندما أتى وفد بني تميم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا محمد جئناك نفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا .قال : لقد آذنت لخطيبكم فليقل فقام عطارد بن حاجب فقال فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان ثابت بن قيس الخزرجي أن يرد عليه فرد وغلب شاعر بني تميم . لكل مقام رجال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الخلق فراسة في اختيار الرجل المناسب للمقام المناسب .


ولعل في قصة نعيم بن مسعود بالغ الدلالة على ما قلناه. كان نعيم بن مسعود حسن الصلة بكل القبائل المعادية للمسلمين يوم الأحزاب سواء في ذلك يهود بني قريظة أو قومة أو قريش.. وفي احلك اللحظات أيام الأحزاب أسلم نعيم وقد أصبح المسلمون بين بني قريظة في الداخل والمشركين بعد الخندق وإذا أتى المسلمون من قبل قريظة لم يعد يصلح خط دفاع المسلمين واضطروا للدخول في معركة مفتوحة ليست متكافئة ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أسلم نعيم يكلفة ألا يعلن إسلامه وأن يقوم بعملية تخلخل في صفوف العدو .يقول عليه الصلاة والسلام لنعيم .إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ان استطعت فان الحرب خدعة ورجع نعيم وكان من امره ما سنقصه عليك مما يشهد أن اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم كان موفقا غاية التوفيق .خرج نعيم حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديما في الجاهلية فقال يابني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم .

قالوا : صدقت لست عندنا بمتهم .فقال لهم : إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم \" البلد بلدكم . فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تحولوا منه إلى غيره . وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه. وقد ظاهرتموهم عليه . وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره ، فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزه أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتي تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا حتى تناجزوه فقالوا له : لقد أشرت بالرأي .

ثم خرج حتى أتى قريشا : فقال لأبى سفيان ومن معه : قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا وإنه قد بلغني أمر رأيت على حقا أن ابلغكموه نصحا لكم فاكتموا عني . فقالوا : نفعل .قال : تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد ، وقد أرسلوا إليه : إنا قد ندمنا على ما فعلنا ، فهل يرضيك أن تأخذ لك من القبيلتين قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم ، فتضرب أعناقهم ؟ ثم نكون لك على من بقي منهم حتي نستأصلهم ، فأرسل إليهم أن نعم فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحداً .ثم خرج حتى أتى غطفان فقال : يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلى ولا أراكم تتهموني قالوا : صدقت ، ما أنت عندنا بمتهم .
قال : فاكتموا عني .
فقالوا : نفعل
ثم قال لهم مثل ما قال لقريش .
وحذرهم ما حذرهم
فلما كانت ليله الست من شوال سنة خمس وكان من صنع الله ورسوله أن أرسل أبو سفيان ورؤس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقالوا لهم : إنا لسنا بدار مقام فقد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتي نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه . فأرسلوا إليهم أن اليوم يوم السبت ، وهو يوم لا نعمل فيه شيئا ، وقد كان احدث فيه بعضنا حدثا فإصابة ما لم يخف عليكم . ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل محمدا معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فإنا نخشى أن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تنشمروا بلادكم وتتركونا والرجل في بلدنا ولا طاقة لنا بذلك منه .

فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق فأرسلوا إلى بني قريظة : انا والله لا ندفع اليكم رجلا واحدا من رجالنا ، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا وقاتلوا فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا : إن الذي ذكر لكم نعيم لحق ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فان رأوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك انشمروا الى بلادهم ، وهكذا أفلح المسلمون في فصم عري التحالف بين الأحزاب المجتمعة عليهم .

والرسول صلى الله عليه لما راعى هذه الموهبة وتلك الطاقة رعاها فى الرجال والنساء وفى الأطفال والكبار كل فى مكانه وحسب طاقته فهذه عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها يدعونا لأن نأخذ نصف الدين منها لقربها وحفظها .

وهذا أسامة بن زيد وهو لا يزال فتاً صغيراً يأمره على جيش فيه كبار الصحابة ومنهم عمر بن الخطاب .

نعم المعلم ينظر إلى الطاقة والموهبة والقدرة بعض النظر عن النسب والحسب واللون والجنس فهذه قدرات وإمكانات أعطاها الله لعبيده ووجب علينا أن نخرج هذه الطاقات وننميها كماعلمنا صلي الله عليه وسلم.

د/ عبد الرازق مختار محمود
من موسوعة التعليم والتدريب