لقد أصبحت ظاهرة العنف من الظواهر الواضحة للعيان، وبشكل ملحوظ لدى مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ففي كل يوم نقرأ في صحفنا من الأخبار ما تقشعر منه الأبدان لسلوكيات عدوانية طائشة بين شبابنا، وللأسف لدى بناتنا أيضا، ولأتفه الأسباب.. فتبدأ المشاجرة عادة بنظرة خاطفة بينهم، فيتبعها سباب وشتائم، وتتطور إلى صراع بالأيدي، ويزداد الأمر سوء اً باستخراج الأدوات الحادة - التي باتت لا غنى عنها لأي شاب، فهي كالمحفظة دائما في جيبه - مما يؤدي في النهاية إلى نتائج لا يحمد عقباها.
فما هي أسباب نشوء هذه الظاهرة؟.. و كيف يمكننا أن نعالج ونصلح مجتمعاتنا لتكون " خير أمة أخرجت للناس "؟..









هناك عدة أسباب أدت إلى إشعال نار الغضب والعدوان لدى أطفالنا وشبابنا ، وهي :
أولا : العنف الأسري :


تعتبر الأسرة هي المنبع الرئيسي للسلوكيات الحميدة للطفل ، حيث إنه ينشأ في أحضانها ، وما ينتهجه الوالدين من سلوك ينعكس على أطفالهم بشكل مباشر ، بالإضافة إلى أنها مصدر الدفء والحنان والأمان الذي يتظلل الطفل به ، فإن أحس بالخوف أو الضيق ذعر إلى أمه أو أبيه ليقيانه ويحميانه .
وقد أثبتت الدراسات أن السبب وراء قسوة الطفل وعدوانيته ، وتخريبه للممتلكات العامة والخاصة ، يرجع : لإهمال الوالدين في تربية الأبناء والخلافات والتفكك الأسري ، بالإضافة إلى الظلم والتفرقة وعدم المساواة بين الأبناء ، وسوء الأحوال الاقتصادية وأثرها على تلبية متطلباتهم الأساسية ، وكذلك العنف الأسري الذي يعد من العوامل الجوهرية في صناعة القسوة داخل الطفل ليصبح وحشا كاسرا ، وصور ذلك تتمثل بالسب والإهانة والتحقير أمام الآخرين والضرب والعقاب الجسدي ، وهو يعد من أخطر الأنواع ، حيث أن مصدر الأمان يتحول على الطفل مصدر العدوان .


ثانيا : التلفاز والـ " play station " :

وهي لا تقل خطورة عن العنف الأسري، حيث أننا نلاحظ في زماننا هذا ما لتلك الوسائل من الأهمية في حياة أبنائنا، حيث إنها تأخذ جل وقتهم، فيقضون معها الساعات تلو الساعات، لمشاهدة الأفلام والمسلسلات الغربية أو الرسوم الكرتونية أو لعب الـ " play station ".
فكل تلك الوسائل تعدت مرحلة عرض المشاهد الفاضحة، وتخطتها إلى حمل أفكار مدفونة دخيلة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وما رأيته في بيتي أكبر دليل على ما أقول، فقد كنت جالسا ذات يوم مع أهلي، وإذا بأخي الصغير جالسا أمامنا ويلعب بالـ " play station "، فلفت نظري شيء غريب في اللعبة، فقمت بمتابعة مجرياتها، وإذا بشاب مستهتر يقذف الكلمات القذرة على الناس في الشارع، ويقوم بقتلهم! فسألت أخي : ما هي طريقة اللعبة، فقال لي : تمشي وتذبح!.
والطفل بتكوينه ميال إلى التقليد، فما يمكننا أن نتوقع لو غرست هذه المفاهيم في مخيلته اللينة والصغيرة وزرعت في قلبه!. فالثمار التي سنجنيها - بالطبع - المشاهد التي نراها هذه الأيام، من أعمال عنف واستهتار وتخريب وألفاظ قذرة، لا ينفكون عن تداولها في أي مكان وفي كل موقف، وكما يقول أمير المؤمنين (ع): " العلم في الصغر كالنقش على الحجر ".


ثالثا : مرحلة المراهقة وأصدقاء السوء :

هذه المرحلة الحرجة التي ينتقل الإنسان فيها من الطفولة إلى الرجولة، ومن الضعف إلى القوة، فهي تعد من أهم المراحل التي تمر على الإنسان، ففيها يتغير كل كيان المراهق النفسي والجسدي والعقلي، فهم بحاجة إلى من يفهمهم ويقبلهم ويساعدهم للخروج من التوتر والاضطراب إلى الاستقرار والسكينة.
ولكن حالهم للأسف عكس ذلك!.. فهم يعيشون في تخبط الزمن، فأصحابهم وراء غرائزهم ومتعهم وسلوكياتهم الغربية والمستهترة، والشارع يصرخ بالشباب المنحرف فماذا يفعل!.. فهو يعتبر شاذ بالنسبة لهم، فالذي لا يصاحب فتاة أو لا يقص شعره أو يلبس مثلهم، فهو معقد، ولا ينتمي إليهم!.. ومع هذا فالمراهق يعلم بالصواب والخطأ، فيأتي إلى أمنه وأمانه، فيرى الوالدين يثقلان كاهله بالإحباط والتثبيط، ومعاملته معاملة الطفل، وعدم مصادقته والأخذ بيده وتشجيعه وتنويره، والوقوف معه في مرحلته الحرجة، بدل قذفه بالكلمات السامة القاتلة!.
وبعد معرفة الداء يعرف الدواء : فعلينا إذاً أن نرجع إلى شريعتنا السمحاء، فهي نبراس حياتنا..
فعلينا أولاً :
أن نربي أبنائنا تربية إسلامية صحيحة، وهي أن لا نشتم أو نضرب أو نحقر أبنائنا، فهل تعلم أن الشارع المقدس أمرنا أن ندفع " دية " إذا ترك الضرب أثر على جسد الابن!.. علينا أن نحاورهم وننزل إلى مستواهم، ونستخدم معهم أسلوب التفاوض والإقناع، والمكافأة والمحبة والعطف واللعب معهم، واستخدام الشدة والحزم بحدود نبرة الصوت أو النظرة في العين، فهي تكفي إن أحسنا إتقانها!.. ونتجنب الصراع الزوجي أمامهم، فنحل مشاكلنا بعيداً عن أنظارهم، ولا ننسى المساواة بالحب والحاجات قدر المستطاع والتوسعة عليهم.
ثانياً : نراقب ألعابهم وما يعرض على التلفاز من أفلام وبرامج، والأفضل أن نكون قريبين منهم، فنلعب ونشاهد معهم، فهذا يقلص الفجوة بين الابن وأبيه، ويسهل من عملية التربية السليمة في توجيههم لما هو أصلح لهم، والبحث لهم عن بدائل، كأن نوفر لهم ألعاب حركية أو ذهنية، أو إدخالهم في الدورات العلمية أو الدينية المسلية والمفيدة.

ثالثا : يجب على الوالدين مصادقة ومحاورة شبابهم وعدم محاربتهم، عندما يرونهم يقلدون نظرائهم بسلوكيات ومظاهر جديدة، فهم يعيشون تحت ضغط كبير ومؤثر جدا في هذا الزمان، بل باللين والكلام الهادئ وبالإقناع، لقوله تعالى : " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة "، وعلينا أن نعتمد عليهم، ونحملهم المسئولية، ونعطيهم الثقة، ونكافئهم على أعمالهم الحسنة.
وعلى الشباب أن يحسنوا اختيار أصدقائهم، فقد قال تعالى في محكم كتابه : " وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم، وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين "
وقد قال رسول الله (ص): " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل "، فأصدقاء السوء لهم الأثر الكبير على سلوكياتك بطريقة غير مباشرة.

وفي النهاية يحثنا ديننا الحنيف بأن نكون مصداق قوله تعالى : " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " ، ويوجهنا أيضا للسماحة والمحبة والتواضع مع المؤمنين بقوله تعالى : "... واخفض جناحك للمؤمنين " ، ولوالديك كذلك لما لهم الفضل الكبير عليك، فيقول تعالى : " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة " ، وبعكس ذلك يأمرنا باستخدام القوة والشدة مع الكافرين، فيقول تعالى واصفاً المؤمنين : " أشداء على الكفار رحماء بينهم ".
وهكذا كانت سيرة أئمتنا عليهم السلام، فيحكى أن شامي لقي الإمام الباقر محمد ابن علي (ع) وسبه فلم يلتفت إليه الباقر (ع) ، فقال الشامي : إياك أعني ، قال (ع) : وعنك أعرض..
والغضب يصفه الإمام جعفر ابن محمد الصادق (ع) : "... مفتاح كل شر "، والقوة والشدة هي ليست بالجسم المفتول بالعضلات ، وليست بوقاحة اللسان ، وليست بالانتصار في المعارك الشبابية!.. ولكنها في قهر النفس وملكها وترويضها على طاعة الله واجتناب معصيته ، فقد قال رسول الله (ص) : " ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " .
وضع في عقلك هذه القاعدة أخي القارئ : أنك عندما تغضب تريح نفسك، وتؤذي من حولك، وتسقط من قدرك، ولكن لو كظمت غيضك، فأنت تحتسب بذلك لله صابرا ، وتكون مصداق قوله تعالى : " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " والجميع من حولك في راحة، وترفع من قدرك .