موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
تطوّر اللغة عند الطفل !!!!!
الحديث عن تطوّر اللغة لدى الطفل يعني الحديث عن موضوع بالغ التعقيد ، فاللغة لا تنشأ تلقائية ، بل هي نتيجة تفاعل منبهات تصدر عن البيئة نفسها ، فمنذ الأيّام الأولى من حياة الطفل يمكن أن تؤثّر البيئة إيجاباً أو سلباً في تطوّر اللغة لديه
والأطفال يتعلمون الكلام عن طريق التقليد ، ولذلك فإنّ طريقة كلامهم ـ وكذلك الفترة الزمنية التي يتطلبها تطوّر لغتهم ـ تعتمد على فرص التقليد التي نتيحها لهم . وبالمقابل : فكلما أسمعت الطفل مزيداً من الاصوات أتاحت أمامه الفرصة للتقليد . ولهذا السبب ، فالمساعدة المستمرّة التي يقدمها الأبوان إلى الطفل ، وتلك التي يقدمها إليه أيضاً أولئك المحيطون به ، تعدّ جوهريّة .
هذا ومن الأهميّة بمكان ، قبل كل شيء ، أن يكون الصوت الذي يسمعه الطفل رقيقاً ينضج بالحنان ، بطيئاً مفصول المقاطع . ولا بأس كذلك في توكيد حركات الفم في أثناء الكلام إن أمكن ذلك ، ولربما كان أكثر الأوقات إفادة للطفل في تعريفه بالكلام على هذا النحو ، هي الأوقات التي تحضن فيها الأمّ طفلها بين ذراعيها . أو في أثناء إرضاعه أو إلباسه .
والحقّ أن الشهور الستة الأولى من حياة الطفل تؤثّر فيه تأثيراً بالغاً ، إذ يكون الطفل خلال هذه الفترة في أوج تجاربه الكلاميّة ، وإن كان نطقه يقتصر على إخراج أصوات لا معنى لها . وبعد ذلك ـ أعني عندما يبلغ الطفل السنة من العمر تقريباً ـ تبرز مكتسباته اللغويّة الأولى التي ترتبط بنموّه الجسمي والعقلي .. فالتطور الجسمي يكسب الطفل قدرة جديدة على نطق الأصوات . وفي الشهر الرابع تقريباً يبدأ الطفل بتأتأة مقاطع من الكلمة ، ويستمر في التأتأة حتى الشهر السابع أو الثامن .
هذا وإن انتقال الطفل من التغذي بالحليب إلى التغذّي بالأطعمة الصلبة أو شبه الصلبة يؤثّر من دون شكّ في نموّه هذا ، ويتمكن بفضل الحركات المختلفة التي يحدثها بفمه وشفتيه ولسانه وحنكه ، من السيطرة على فمه سيطرةً أكبر ، وإن كان قبل ذلك لا يستخدم فمه إلاّ من أجل الرضاعة .
ومن الطبيعي أنّ التأتأةتختلف اختلافاً شاسعاً عن الكلام ، بسبب المضمون الفكري للكلام ، بيد أنها خطوة كبيرة نحو الكلام . وفي التأتأة يجمع الطفل أكثر من مقطع واحد مكرّر وفي العادة يجمع الطفل في التأتأة بين حروف ساكنة وحروف لينة ، ويستخدم الحرف آ بصورة أولية .. وفي الشهور التي تعقب ذلك يزداد نموّ الطفل العصبي والعضلي ، فيساعده ذلك في السيطرة على تطوّر اللغة . وما إن يبلغ السنة من عمره حتى يسيطر بشكل أدقّ على أعضاء الصوت ، فيتمكن إذ ذاك من إخراج الأصوات كافة تقريباً ، تلك الأصوات التي يقدر الراشد على إخراجها بصورة منتظمة ، وبذلك يكتسب الطفل احتياطيّاً من المقاطع يكفي لتمكينه من النطق بكلماته الأولى .
وهذا التطوّر الجسمي للطفل ينبغي أن يقترن بتطوّره العقلي . فالعبارة التي ينطقها الطفل ، وإن لم تكن تشكّل جزءاً من اللغة ، إلاّ أنها تؤديّ وظيفة شكل من أشكال الاتصال ، فتلفت إنتباه الأبوين إلى الطفل ، وكذلك انتباه من يحيطون به . وفي هذه المرحلة المبكرة من الكلام يشير الطفل بوجهه إشارات متشابهة للاشارات التي يحدثها في أثناء بكائه . وفي معظم الحالات ينطق الطفل بأصوات عندما يكون وحيداً أو عندما يكون على وشك الاستسلام إلى النوم . وتتميّز هذه الأصوات بطابع غنائي وهي تمثّل طلباً من جانب الطفل أو دعوة لمجالسته ومؤانسته .
ولكي ينتقل الطفل إلى مرحلة الكلام الحقيقي ينبغي له أن شعر بأنّ صوته قادر على التفاعل مع الواقع المحيط به . ومن الطبيعي أن هذه أصعب خطوة بالنسبة إلى الطفل . فلكي يتمكن الطفل من الاتصال اللفظي ، لابدّ أن يحسّ بقوّة ألفاظه وبالامكانات الفائقة التي تمكن في صوته .. ومن الطرق القليلة التي يمكن بواسطتها مساعدة الطفل على هذا النموّ الطبيعي : المشاركة المستمرّة من جانب أولئك المحيطين به ، إذ يجب حمل الطفل دائماً على الربط بين الأصوات والأشياء . ولا بأس كذلك في إبداء علائم الاستحسان والتحبيذ لكل محاولة لفظ من جانب الطفل . ومن المستحسن أن تكون أمّه قدوة له في مجال تقليد اللفظ . فبهذه القواعد الرئيسية تضمن الأم تكلم الطفل خلال مدّة قصيرة . وإنّ الكلمات الأولى والتي تحمل معنى حقيقياً يجب أن يتوصل الطفل إلى النطق بها في حوالي الشهر الثاني عشر .
ومن البديهي أنّ التأخر في نموّ الطفل ، وما ينجم عنه من مظاهر مبكّرة ، يجب ألاّ يحمل الأم على الخوف أو القلق مادام الطفل ماضياً في التعلّم ، ذلك أنّ لكلّ طفل ردّ فعل معيّناً نحو منبهات البيئة التي يعيش فيها . والطفل يبدأ بالكلام عندما يبلغ السنة الواحدة من العمر تقريباً . ومن الطبيعي أن تكون مفرداته محدودة العدد ، ولكنها غنيّة بمجموعة كبيرة من المعاني التي يربطها بكلّ كلمة .. فمن المعلوم أنّ الكلمات التي يستعملها الطفل قد تدل على عبارة كاملة ، أو على طلب ، أو على رغبة أو حالة عاطفيّة . فكلمة « بابا » . على سبيل المثال تربط ـ بالنسبة للطفل ـ بين جميع الاشياء التي يتذكرها حول أبيه ، أو تربط في بادئ الأمر بين جميع أشكال الرجال المألوفة لديه .
ومن جهة ثانية ربّما بدأ الطفل في السنة الأولى من العمر بالكلام وحده ، فذلك أمر لا يحمل على الخوف والقلق لأنه طبيعي ، وهو العمل المهم الأوّل في مجال تفكيره الذي يرافق الكلمات التي ينطقها والإشارات التي يستعملها والحقيقة أنّ تعلّم الكلام من جانب الطفل يميّز نهاية عملية طويلة من نموّه ، إذ يبدأ بعد ذلك في إظهار نضجه وتقدّمه عن طريق الصوت والكلمات . ويميل عدد كبير من الأمهات إلى الظنّ بأنّ التحدث إلى الطفل أمر لا جدوى منه ، لأنهن لا يقدرن على فهم معنى الكلمات التي ينطقها . وهذا رأي ينطوي على خطأ بالغ ، فالطابع الموسيقي الذي يتسم به الصوت البشري هو الذي يمكن الطفل من بناء مفرداته . وينبغي تشجيع الطفل وإرشاده في إخراج أصوات معيّنة .. ولنلق الآن نظرة على مراحل التعليم كافة ، والتي يستطيع الآباء تنفيذها : فقبل كل شيء ينبغي للأبوين أن يتذرّعا بالصبر ويحاولا الابتسام في وجه طفلهما قدر المستطاع ، ولا بأس في إخراجها وتكرارها على مسامعه .
وربما كان مستحسناً دمج بعض المقاطع ، بعضها ببعض . وليس من الضروري أن تؤدّي الكلمات الأولى معنى لدى الطفل ، بل المهم مساعدة الطفل في تنسيق الاصوات ، وغرس مفهوم تقليد الكبار في ذهنه ، وهو أمر جوهري فيما يتعلّق بتعلّم اللغة وبالاشكال الأخرى من النمو الجسمي والفكري .
تلك هي الخطوات الأولى التي تمكن الطفل من النطق . أمّا الخطوات الثانية فهي أكثر صعوبة . ففي هذه المرحلة ينبغي تعليم الطفل أن هناك أصواتاً معيّنة لها دلالتها ، ويستطيع باستعمالها أن يحصل على شيء معيّن . والحقّ أنّ التحدث مع الطفل بصورة متكرّرة يجعله مدركاً لرموز اللغة والكلام ، كما أنّ الربط المتكرّر للكلمات بالأشياء والوجوه المألوفة والمشاعر ، كالشعور بالجوع والعطش ، سرعان ما يمنح الطفل بعض الثقة والسهولة في النطق .
ويجب ألاّ تملّ الأم من تعليم طفلها إذ أن أحسن طريقة لتمكين الطفل من اللغة تكمن في تكرار الكلمات والمفاهيم ، فإعادة ربط الكلمات بالحقائق . كفيلة بأن تجعل الطفل قادراً على تنظيم ركام عديم المعنى من الأصوات وتحويله إلى مفردات تنبض بالحياة والمعاني .
ومن جهة ثانية على الآباء ألاّ يصرّوا على أن ينطق أطفالهم الكلام ويستعملوه استعمالاً صحيحاً ، بل يكفي أن يكون الطفل قادراً على التعبير عن حاجاته ومزاجه بصوته ، إذ لا يزال الوقت متسعاً لبلوغ الكمال بعد ذلك . فإذا كان الطفل جائعاً ينبغي عدم انتظاره حتى يتمكن من نطق الكلمة الدالّة على الجوع بصورة صحيحة من أجل إعطائه شيئاً من الطعام ، بل تجب الاستجابة إلى جهوده التي يبذلها في التعبير مهما كان نصيب هذه الجهود من النجاح .. فهذه الاستجابات تسهم في جعله يفهم القيمة العملية للكلام ، وسوف يهتم هو نفسه باستكمال مفرداته والاستمرار في ذلك . ومع الزمن ينبغي مكافأة الطفل على محاولاته هذه التي يبذلها في الكلام ، وذلك بإجابته إلى بعض من طلباته .. فلا ينبغي مثلاً إعطاء الطفل قطعة من الحلوى ، أو حضنة ، لقاء كلمة ينطق بها ، بل يجب تقديم جواب عملي عن كل سؤال يلقيه .
والحقيقة أن طرق الاستحسان هذه تسهم حتماً في تطوير لغة الطفل أكثر من المكافآت الاصطناعية التي لا تمتّ بصلة إلى السؤال الحقيقي الذي طرحه الطفل .
هذا ومن أوّل المفاهيم الخاطئة السائدة بين الأسر
مفهوم معادلة ذكاء الطفل بقدرته المبكرة على الكلام فهذا المفهوم لا أساس له من الصحّة اطلاقاً .. وانطلاقاً من هذا المفهوم الخاطئ يلجأ الآباء إلى كل وسيلة ممكنة لحمل أطفالهم على الكلام بسرعة وبشكل مبكر . والحقّ أنّ قلق الآباء ـ فضلاً عن الكبت وخيبة الأمل التي تنجم عنه ـ يؤثّر في الطفل تأثيراً سلبياً فيشعر الطفل إذ ذاك بأنه ملزم بالتكلم والتعبير عما في نفسه بطريقة بالغة الصعوبة بالنسبة إليه .
وفضلاً عن ذلك ، ينبغي ألأّ نحاول إجبار الطفل على النطق بمقاطع أو كلمات لم يصبح قادراً بعد على النطق بها ، فالضغط المستمر على الطفل الذي لم يصبح قادراً بعد على النطق بالكلام قد يسبب له عائقاً لفظياً يدوم فترات متفاوتة من الزمن . ولكن عندما يشرع الطفل في التلفظ بكلمات ومقاطع بصورة تلقائية ، فإنه يستحسن عندئذ تشجيعه على ذلك باقتراح مقاطع وكلمات أخرى عليه ، أو بإعادة المقاطع نفسها كما ذكرنا .
ومما ينبغي تفاديه كذلك عدم إجبار الطفل الذي بلغ من العمر عشرة شهور أو اثني عشر شهراً على إنشاء علاقات منطقيّة بمفرداته الهزيلة . وأخيراً فإنّ عمليّة تعلّم الطفل للغة تسير وفق مسار طبيعي لاينبغي إعاقته ، ولا التعجيل به ، ولا اصطناع إثارته سواء كانت هذه الإثارة بصورة مفرطة أو من دون إفراط .
تلك هي بعض الخطوط الأساسية المرشدة التي تساعد الطفل على التعبير اللفظي البسيط والقويم بدء من السنة الأولى من عمره
المفضلات