اعداد/دعبير محمود فهمي منسي

ويشمل تعريفات الابتكار ومفاهيم أساسية مرتبطة بالعملية الابتكارية وارتباطها بطفل الروضة

مقدمة:
وتعد سنوات الطفولة الباكرة من أنسب الفترات التي يجب الكشف فيها عن الابتكار والإبداع لدى الطفل ذلك إذا مكناه من الحركة و الاستكشاف وأعطيناه الحرية للتجريب والممارسة والعمل ، وخففنا من وطأة الإحباطات المتكررة التي يتعرض لها بين حين وآخر ، واستثرناه بالمثيرات المتعددة التي تحدد قدراته و تدفعه إلى التفكير والابتكار،فيسمى هذا العمر أحيانا بعمر الابتكار CREATIVE AGE ذلك لأن كثيرا منهم يستخدمون خامات البيئة في اللعب

الابتكاري ويتفننون في ذلك .فالأطفال لديهم تلك القدرة الابتكارية التي تبدو كأنها شيء ولدوا به، فلهم وجهة نظرهم الأصيلة منذ النشأة
الأولى بكونهم مخلوقات جديدة و فريدة في عالم غريب ومعقد ، فالطريقة الوحيدة التي يدرك بها الأطفال الأشياء في عالمهم هي الاستكشاف باستخدام حواسهم ، إنهم يجربون الأشياء ، ويتساءلون لماذا تبدو على هذه الصورة و هل يمكن تغيير صورتها، إنهم يمارسون كافة الأنشطة بروح التعجب و الفضول العظيم و الاندفاع إلى الاستكشاف والتجربة بشكل أصيل لا يخلو من اللهو .
فنرى أن فترة الطفولة الباكرة ، و المقابلة لمرحلة ما قبل المدرسة ، تعد من أهم فترات الحياة الإنسانية ، وخاصة أن أطفال اليوم يعيشون في عالم الضغط على الأزرار و المفاتيح الإلكترونية لتصل إليهم أحدث الابتكارات و آخر المخترعات .
وهو ما سبقتنا إليه التجربة اليابانية بتنشئة جيل جديد من المبتكرين بعد مأساة القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على نجازاكي و هيروشيما سنة 1945فقد نجحت في هذا من خلال أسلوب تربوي علمي و من خلال تنشئة اجتماعية واعية و من خلال ممارسة سياسة متحررة و لكنها حاسمة.
صحيح أن طفل هذه المرحلة لن يكون قادرا على الاختراع كما هو الحال بالنسبة للكبار، إلا أن ذلك لا يمنع من أن ننظر إلى هذه المرحلة على أنها مرحلة من عمر الإنسان تشتمل على أهم مقومات هذا النوع من التفكير ، وبالتالي فإنه يمكن أن نستفيد من هذه المقومات ، ونعمل على تنميتها ،وترسيخ أساليب التفكير العقلي المتميز من البدايات الأولى للإنسان.

فمن الحاجات الفعلية للطفل ؛ الحاجة إلى الاكتشاف والاستطلاع و تنمية الخيال والإبداع والابتكار.فالطفل مدفوع بطبيعته إلى استكشاف الأشياء من حوله ومحاولة التوفيق بين تصوره الفعلي للأشياء والموضوعات ، و بين ما يحدث بالفعل في بيئته بالشكل الذي تسجله حواسه .

وفي ممارسة الأنشطة يستطيع الأطفال التعبير عن قدراتهم الابتكارية، فهي تساعدهم على تحسين مهاراتهم ، ومن خلال الانفتاح و الحرية في القيام بما يودون أن يقوموا به من استكشافات لما حولهم ، والتعبير عما لديهم من أفكار دون خشية تخطيهم الحدود المرسومة لهم.

ولحسن الحظ فإن الأطفال في مرحلة الطفولة الباكرة منفتحون بقدر كبير نحو الابتكار ، ولكن للأسف كثيرا ما نجد أن الكبار لا يفضلون الأطفال كثيري التساؤل ، بل على العكس يطلبون إليهم الانصياع والإذعان إلى أوامرهم ، وكلما ازدادت الضغوط حول الأطفال كلما نزعوا إلى الانغلاق على أنفسهم والانعزال ، مما يخمد لديهم الرغبة في إبداء الاهتمام بأي شيء و الخوف من تقديم أي شيء مبتكر خوفا من النقد أو العقاب المنتظر .

وهنا تظهر أهمية تلك المرحلة في تشكيل شخصية الفرد ، فالطفل يتعلم مبكرا ، وسريعا ، وعندما ينال مكافأة ما عن سلوك معين ، فإن هذا السلوك سرعان ما يكون السلوك المفضل لديه لأنه قد جلب له رضا المحيطين ، سواء أكان هذا السلوك ينزع إلى الابتكار والاستكشاف أم الميل إلى الهدوء على نحو خال من الابتكارية .

فنجد أن نمو القدرات الابتكارية يحتاج من البالغين أن يقل تمسكهم بالأساليب التعليمية التقليدية ، والقيام بأدوار الملاحظين والمفسرين للمواقف المشكلة ، و مهيئين للبيئة المحيطة لتكون محفزة للتعلم .


- تعريف الابتكار

اختلفت تعريفات الابتكار نظرا لاختلاف اهتمامات الباحثين و مدارسهم الفكرية ، وهذا يشير إلى تعقد مفهوم الابتكار،ولكن يمكننا حصر التعريفات العديدة للابتكار في عدة فئات رئيسة ، على الرغم من تعددها إلا انها ليست بينها تعارض فيمكن من خلالها أن نتعرف طبيعة الابتكار ، ويمكن تصنيف التعريفات التي تناولت الابتكار إلى مجموعة تصنيفات رئيسة وهي :

*زـ. تعريفات تعرف الابتكار على أنه أسلوب للحياة
*حـ. تعريفات تركز على الإنتاج. (Product)
*طـ. تعريفات تركز على العملية الابتكارية (Process )
*يـ. تعريفات تركز على الإمكانات الابتكارية. ( Potentialities)
*كـ. تعريفات تركز على خصائص الشخصية لدى المبتكرين. ( Themes)
*لـ. تعريف الابتكار بناء على الموقف الابتكاري أو البيئة الابتكارية

(أ) الابتكار كأسلوب للحياة
يرى أصحاب هذا المنحى أن الابتكار يعتبر أسلوبا من أساليب الحياة ، فيعرفه "اندروز" (1961) على انه "العملية التي يمر بها الفرد في أثناء خبراته ، والتي تؤدي إلى تحسين وتنمية ذاته ، كما أنها تعبير عن فرديته وتفرده " ، كما يرى "فروم" (1959) أن الابتكار أسلوب خاص من أساليب الحياة، حيث يرى الفرد الجديد في القديم ، وأن يصبح كل يوم من أيامه ميلاد جديد ، وأن يقبل على الحياة بمواقفها المتعددة وكأنه يراها لأول مرة ، فتكون استجاباته جديدة ، أما "ماسلو" فيميز بين نوعين من الابتكار وهما ابتكارية الموهبة، و ابتكارية تحقيق الذات، ويهتم "ماسلو" بابتكارية تحقيق الذات، أو ما يسميه "الابتكارية الأولية" وهي تلك العملية التي تنبع من وتستخدم العملية الأولية أكثر من استخدامها للعملية الثانوية ، فهي تتميز بالقدرة على التعبير عن الأفكار دون كف أو خوف من سخرية الآخرين ؛ فهي تتواجد لدى مجموعة من الذين وصلوا إلى مستوى مناسب من تحقيق الذات ، أما "اندرسون" فيطلق عليها اسم الابتكارية الاجتماعية أو النفسية، حيث يرى أنها الابتكار في مجال العلاقات الاجتماعية ، بما تتطلبه من ذكاء وإدراك سليم و حساسية واحترام الفرد وجرأة في التعبير عن الأفكار و الدفاع عن المعتقدات .

(ب) الابتكار كناتج محدد
و هي تعرف الابتكار بناء على الناتج الابتكاري ويتصف الإنتاج الابتكاري الحقيقي بعدة شروط وهي : الأصالة ، والجدة ،والمغزى، فنجد "بيرس" يعرفه على أنه "قدرة الفرد على تجنب الروتين العادي و الطرق التقليدية في التفكير مع إنتاج أصيل جديد أو غير شائع يمكن تنفيذه" ، ويرى البعض (ميد 1959، وروجرز 1959، وموراي1959) أن مصدر التقويم لابد وأن يكون داخليا ، أي أن يكون الإنتاج جديدا بالنسبة لمن أنتجه فقط ، ويعارض البعض الآخر هذا الرأي مثل "سوروكين" فيرى أن الناتج الابتكاري يجب أن يتوافر فيه شرطان : الأول أن يضيف هذا الناتج شيئا جديدا أو تكوينا جديدا لما يعرف الإنسان ، والشرط الثاني بأنه لابد وأن يضيف هذا الناتج إلى القيم الإنسانية العليا ( الحق ، الخير ، الجمال .. وغيرها) ومن هذا التعريف نجد أنه جعل محك الجدة في صورة مطلقة لما تعرفه البشرية ، كما أن مصدر التقييم و الحكم خارجي ، كذلك أضاف إليها المحك الخلقي والفائدة.و الجدة أمر نسبي أي تنسب لما هو معروف في وقت اكتشاف الناتج الابتكاري، كما أنها تنسب إلى الجماعة التي ظهر فيها الناتج الابتكاري، فقد يكون قد سبقهم إليه جماعة أخرى ، وهكذا نجد أن أهم ما يميز الناتج الابتكاري هو الجدة (و هي أمر نسبي)، كذلك الفائدة ( المنفعة ) ، ومن أمثلتها تعريف "روجرز" (1954) ، ويعرف أندرسون (1959) الابتكار المرتبط بالإنتاج في شكلين هما :
(أ*). الإنتاج المحسوس الواقعي المنفصل نسبيا مثل العمل الأدبي ، واللوحة الفنية ، و اختراع جهاز، و اكتشاف مادة
(ب*). الإنتاج الذي لا ينفصل عن مبدعه ، بل يتصل به اتصالا مباشرا مثل إبداع الممثل ، أو الابتكار في مجال العلاقات الإنسانية.
ومن الجدير بالذكر أن الناتج الابتكاري لا يظهر في صورة واحدة كما لا تكون كل الابتكارت في نفس المستوى فللابتكار مستويات متدرجة وقد اقترح تايلور خمسة مستويات للابتكار وهي كما يلي :
*أـ. الابتكارية التعبيرية Expressive Creativity
أي التعبير الحر المستقل ، الذي لا يكون للمهارة أو الأصالة فيه أهمية ، مثل رسوم الأطفال التلقائية ، أي تنظيم الأجزاء المنظومة.
*بـ. الابتكارية الإنتاجية productive Creativity
أي المنتجات الفنية و العلمية التي تتميز بمحاولة ضبط الميل إلى اللعب الحر، وبمحاولة وضع أساليب تؤدي إلى الوصول إلى منتجات كاملة ، أي إضافة علاقات جديدة لمنظومة معينة ، وينبغي ألا يكون هذا الإنتاج تقليدا لعمل الآخرين ، و يتمثل هذا المستوى فى حالة إنتاج آلات جديدة أو تحسين منتج موجود مثلا.
*جـ. الابتكارية الاختراعية Creativity Inventive
و يمثلها المكتشفون Explorers الذين تظهر عبقريتهم باستخدام المهارات التصويرية ، أي إضافة عناصر جديدة للمنظومة ، وهو لا يتطلب المهارة أو الحذق ، بل يتطلب المرونة في إدراك علاقات جديدة غير مألوفة بين أجزاء منفصلة موجودة من قبل.

*دـ. الابتكارية التجديدية (الاستحداثية) Innovative Creativity
أي التطوير والتحسين الذي يتضمن استخدام المهارات الفردية التصورية ، أي المزاوجة بين المنظومتين، من خلال القيام بتعديلات تشتمل على مهارات تجريدية وتصورية (مثل ابتكار نظريات جديدة في العلم أو الفن مثلا ) و لكن من خلال الاعتماد على أفكار ونظريات موجودة سلفا ، فعندما تكون المبادئ مفهومة فهما كافيا ، يمكن للمبتكر أن يعمل على تحسينها وتعديلها .




*هـ. الابتكارية الانبثاقية ( البزوغية) Emergence Creativity
و يتمثل في ظهور مبدأ جديد أو مسلمة تخرج منها رؤية جديدة أي خلق منظومة جديدة ، وهو أرفع صورة من صور الابتكار ، ويتضمن تصور مبدأ جديد تماما في أكثر المستويات وأعلاها تجريدا.

(ج ) الابتكار كعملية عقلية
و ترى أن الإنتاج الابتكاري هو محصلة للتفاعل بين الشخص و بيئته وعمليات تتم داخل الفرد ذاته، وتتضمن العملية الابتكارية سلسلة من الخطوات والمراحل التي يمر بها المبتكر عند إحساسه وإدراكه للمشكلة والعمل على حلها ليصل إلى حل ابتكاري لها.فالعملية الابتكارية تبدأ بإدراك الثغرات والاختلال في المعلومات والعنصر المفقود وعدم الاتساق الذي لا يوجد حل متعلم، ثم البحث عن دلائل ومؤشرات في الموقف و فيما لدى الفرد من المعلومات ، ووضع الفروض لسد الثغرات ، واختبار صحتها ، ثم الربط بين النتائج وإجراء التعديلات و إعادة اختبار الفروض ثم نشر النتائج وتبادلها. ، ويرى "تورانس"1962 أن الابتكار هو "عملية تتضمن الإحساس بالمشكلات والفجوات في مجال ما ، ثم تكوين بعض الأفكار أو الفروض التي تعالج هذه المشكلات، واختبار صحة هذه الفروض ، وإيصال النتائج التي يصل إليها المفكر للآخرين".


منقول للفائدة