هل يعني الطفل بالقضايا الساخنة بل والدامية أحيانا؟ إننا نكاد أن نشفق على أبناءنا وهم يتابعون نشرة الأخبار وقد تخضبت الشاشة البيضاء باللون الأحمر القاني....!
وهذه التساؤلات لابد أن ينظر إليها بعين الإعتبار فهي لا ترفض تماما التربية على المبادئ العامة للإسلام بل تسأل عن الكيفية... وهي كيف نثير هذه القضايا.
الأب الكريم:
ما رأيك لو استعرضنا معا بعض المقترحات التي تهدف من ورائها إلى النهوض بمستوى أبنائنا وحسن تربيتهم وغرس القيم الديمقراطية لديهم:
1- العلم:
احرص على معرفة أسلوب التربية الصحيحة وطبيعة كل مرحلة يمر بها ابنك لتعرف كيف تتعامل معه فأنت عندما تريد أن تبدأ مشروعا جديدا تسأل وتقرأ عنه فأولى لك أن تعلم شيئا عما يجب أن تفعله مع أبنك.
2- الصداقة:
أن تصادق ابنك فلا ينحصر دورك إلقاء الأوامر بل يجب أن تشعره بأنك صديقه المخلص فمصادقة ابنك تقيه من أصدقاء السوء.
3- التواجد:
أحرص على التواجد في المنزل أكبر وقت ممكن ولا تخرج إلا لضرورة وهذا ما أوصي به التربويون ولا تشغلك أعمالك الأخرى عن القيام بدورك تجاه أبنائك فهم الأولى منك بالرعاية ولا تنتظر غيرك ليربوا لك أبناءك.
4- التخطيط:
احرص على أن يكون لك خطة وجدول زمني في تربية أبنائك وفي معرفة كيفية تربية الأبناء ومن هذه الكتب (فن تربية الأولاد وسلسلة أطفالنا وتربية الأولاد في الإسلام والرشاد في تربية الأبناء مهام تربوية للآباء.... إلخ).
5- المتابعة:
أحرص على متابعة ابنك حتى يتسنى لك معرفة مشاكله وحلها.
والسؤال هو كيف تربي أبناءنا على المبادئ الهامة للديمقراطية؟
بالرغم من حداثة "المصطلح" نسبياً إلا أن الإسلام قد وضع ضوابطه ومبادئه منذ البداية فمنذ أن صدع الرسول بدعوته وهو يمارس السياسة وقد تجلت أروع صورها وهو يؤسس الدولة الأولى للإسلام في المدينة المنورة...
ووضع لها المبادئ التي تثبت أركانها وترقي بها وهي:
1- الحرية.
2- الشورى.
3- التعاون.
4- التكافل.
وهي نفس المبادئ تنادي بها الديمقراطيات المعاصرة ولكن الإسلام سبق تلك الديمقراطيات في إقرارها والعمل بها قبل ألف وأربعمائة عام.
وهذه الدعائم الأربعة هي الحاجات التي يحتاجها الطفل في جميع مراحل عمره حتى يشب عن الطوق ويكون عضوا نافعا لأسرته ولمجتمعه ولأمته... وهذه الدعائم برغم ضخامة مدلولاتها.... ولكن نستطيع أن توضحها للطفل ببساطة ويسر فيما يلي:
أولا: الحرية
* اسأل ابنك هل يوجد شيء أثمن من الحرية؟ انتظر الإجابة... ثم احك له قصة العصفور الذي رفض الطعام وهو في قفص من الذهب... وقل له لماذا لم يأكل العصفور؟!
* افتح أمامه الجريدة... سوف يشاهد جنودا يقتلون ويعذبون ويحتلون... واسأله أتقبل أن يأتوا هؤلاء ويحتلوا ديارنا... ماذا تفعل عندئذ؟ دعه يجيب.
* علم بقلمك الأحمر على أخبار ثم اترك الجريدة لفضوله سوف يقرأها ويناقشك.
* علمه أن الحرية تقترن دائماً بالمسئولية وتنتهي عندما تبتدئ حرية الآخرين فليس معنى حريتك أن تكون على حساب غيرك فأنت حر ما لم تضر غيرك.
* دربه على تتبع أحوال المسلمين المستضعفين في كل مكان وحدثه عن بطولاتهم وتضحاياتهم في سبيل الحرية التي يعشقونها ورباهم عليها دينهم.
* وهناك حريات مفروض أن ترعاها حق رعايتها ومن تلك الحريات:
أ*- حرية التملك:
وهي بحيث يكون له خصوصياته التي لا ينبغي لأحد أن يتعدى عليها وان تفهم الابن بأن أعداء الإسلام في مخططاتهم ينفثون سمومهم في كسر هذه الخصوصية وانتهاك حرمتها تحت ما يسمى "العولمة" نعم... دعه يسمع هذه الكلمة وأخبره بما يعادلها في الإسلام وهو "العالمية" وقل له: إن الغرب يريد هدم خصوصياتنا سواء أكانت في الملبس أو المأكل أو نوعية البناء... فنحن أمة لها حضارة ولها طابع مميز...
انطلق بفهمه عزيزي الأب إلى معنى آخر من حرية التملك لا تجعل يده تمتد إلى ما ليس له ولا يجول بنظره إلى الأشياء التي لا يجوز النظر فيها... وقل له: لا تفتح درج أخيك... لا تستعمل أشياءه دون إذنه... حافظ على خصوصيات أصدقائك... وهكذا.
ب*- حرية التعبير وحرية إبداء الرأي:
يجب تربيته على إبداء رأيه دون خوف مع تعليمه كيف يبدي آرائه بطريقة صحيحة لا تجرح الآخرين. وكيف يجيد الإستماع كما يجيد الكلام.
علمه كيف يرد بألفاظ مؤدبه... وإذا رأيته يحتد على أخيه في الكلام فذكره بقوله تعالى:
"وهدوا إلى الطيب من القول"، ذكره دائماً بتلك الكلمة: (أسمع من تناقشه بقلب وإياك من أن يتغير قلبك تجاهه). ذكره دائماً بأن يخفض من صوته... وإن يخفض من صوت مذياعه وإذا سمعته يقول (أنا أحب أن اسمع الكاست أو التلفاز بصوت عال) فقل له: ما هكذا تكون الحرية...
ثانيا: الشورى:
يستطيع المربي الفاضل أن يغرس هذا المعنى في نفوس أبنائه... بأن يحكي القصص التي تدعمه وان يأخذ من سيرة النبي المواقف التي تؤكده ولعل أروع ما يجسد هذه الصفة.
* عمق الشورى مع زوجتك أولا وتناقش الأمور بموضوعية أمام الأبناء.... ولا تنفرد برأي دونهم... أو تظهر أمام رغبات الأبناء بمظهر المستبد... بل تحل بالصبر وسعة الصدر وناقش الآراء وبين الغث من السمين واضرب لهم الأمثلة وسق لهم التجارب حتى يقتنعوا.
* تدريب الولد على الشورى وتعويده على المشاركة في صنع القرار وشجعه وحاول أن تخفف من بسط سلطاتك ونفوذك حتى يأتيك طائعا طالبا مشورتك.
* أشرك ولدك في مناقشة الأمور العائلية التي تهم الجميع وعلمه آداب الحوار... بأن يستمع أكثر مما يتكلم... ولا يقاطع احدا... وان يفهم أولاً ثم يتكلم فالأحمق يتكلم أولاً ثم يفكر والعاقل يفكر أولاً ثم يتكلم.
* عود ابنك كيف يختار بين البدائل وبخاصة في تلك الأشياء التي يحبها ويعايشها سواء أكانت ملابس أو ألعابا... فلا تفرض عليه رأيك بل ناقشه بهدوء وموضوعية ووضح له الأسباب والمبررات وأظهر الإحترام والتقدير له ولرأيه وبهذا الأسلوب سوف يشعر ابنك بالرضى وتنفرج أساريره ويشعر بكيانه ولن يتعصب لرأيه بل سيمتثل لما تريد بسلاسة ولين.
* ثالثا: التعاون:
التعاون صفة حميدة تغرس المحبة في العائلة وتقوي أواصر أفراد المجتمع فتثمر الخير قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلى البِرِّ وَالتَقْوى وَلا تَعَاوَنُوا عَلى الإثْمِ وَالعُدْوانِ) [المائدة: 2]. فلا بد من نظرة أيها المربي الحكيم إلى محيط الولد والتنقيب عن العلاقات التي يجب عليه أن يتعاون فيها ولاحظ إن كان هناك انعزال أو انطواء أو خجل أو أثرة فحاول أن تعالجها..
ولنأخذ المدرسة- على سبيل المثال- فلابد من دفع الابن إلى المشاركة في أنشطتها المختلفة من خلال جماعات النشاطات المدرسية والمتنوعة، وعرفه أن يد الله مع الجماعة وكدر الجماعة خير من صفو الفرد.. وهذا تنمو فيه بذرة التعاون وتنتج ثمرة محبة الآخرين..
وهناك مجالات كثيرة يلاحظ فيها الصغير- غير المدرسة- مثل النادي وسلوكه مع جيرانه وأقاربه.
ويمكن حثه على المشاركة في الأنشطة التي تحتاج إلى تعاون.
مثل:
* مشاركته مع أطفال الحي في تنظيف الشارع مثلا أو غرس بعض الأشجار.
* مشاركته مع والده وإخوته في تنظيف وترتيب البيت وإعداد الطعام.
* مشاركته مع والده في شراء مستلزمات البيت.
* مشاركة مع أصدقائه في رعاية المحتاجين وتوزيع الصدقات عليهم.
* التعاون في تزين الشارع في المناسبات مثل رمضان والعيدين... وغير ذلك كثير وكثير من الوسائل المبتكرة المطلوبة.
رابعاً: التكافل:
وهي من مكارم الأخلاق ومن صفات المؤمنين التي لابد أن نغرسها حتى يشب الأبناء عليها فننتقي لهم من المكتبات أروع القصص التي تساهم في غرس هذه الصفة ونحدثهم عن مجتمع المدينة وكيف كان التكافل بين المهاجرين والأنصار ونقول: لم يكن للمهاجرين مال ولا سكن فكان الأنصاري يقول له: لك نصف بيتي ولك نصف مالي فأمثال هذه القصص تجعل الابن ينشأ عطوفا كريما يساعد الآخرين ولا يستنكف عنها ونربي عنده قبول المساعدة من غيره ولا ينشغل بذاته وحدها بل يهتم بشئون الآخرين ويسعد بالبذل والعطاء لهم.
المفضلات