بسم الله الرحمن الرحيم

{ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } [الزخرف : 81]

*تعيين موطن التأمل .
من المهم ان نؤكد قبل كل شيء ، ليس الكلام في ثبوت اولية النبي الاعظم صلى الله عليه واله الوجودية وتقدمه على سائر الموجودات ، كلا والف كلا ، وانما جوهر كلامي ينصب تحديدا في استفادة هذه الاولية من الآية ، فهل الاية دالة على ان النبي صلى الله عليه واله اول الكل وجودا او لا تدل ؟
هنا موطن التأمل على تحديدا لا غير .

*قال محقق كتاب تفسير القمي ومصححه :
" قل إن كان للرحمن ولد فانا أول العابدين " فهذه الآية تدل على أن محمدا صلى الله عليه وآله أول الكل وجودا وإن كان خاتم الرسل زمانا ... " / مقدمة التفسير 1 / 18

* أقول : الأمر على ما يبدو لي ليس كما افاده فإن تدليله بالآية اعم من المدعى .
وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة .
*مختصرها : ان الجملة الشرطية تصدق حتى مع كذب طرفيها .

* والتفصيل كما يلي :

اولاَ : الجمل والقضايا على ضربين :
أـ حملية : واطرافها وعناصرها مفردات ، فمثلا : علي معصوم ، تنحل الى مفردتين هما " علي " و " امام "
ب ـ شرطية : واركانها قضايا وجمل لا مفردات ، فمثلا : اذا حضر الماء بطل التيمم ، فان اجزاء هذه القضية الشرطية جملتان هما :
1ـ حضر الماء .
2ـ بطل التيمم .
وهذا واضح لإهل العلم، لكني ذكرته لهم تذكيرا ، ولغيرهم شرحا .


*ثانيا : ان صدق القضية الشرطية غير مرهون بصدق الجمل المكونة لها فقد تصدق عناصر الشرطية وقد
لاتصدق ولا يؤثر ذلك على صدق الشرطية ،وبكلمة اخرى : صدق الشرطية اعم من صدق اطرافها .


*تطبيق ذلك على مثال قرآني :

قال تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} فهذه قضية شرطية صادقة بلا شبهة ، الا ان اطرافها غير صادقة جزما ، فقضية " في السماوات والارضين آلهة " والتي تمثل مفاد الشطر الاول من الاية ؛ كاذبة بلا كلام ، وكذا قضية " فسدت السماوات والارضون" التي تمثل مضمون الشطر الثاني من الاية ، كل ذلك اذا فكننا عناصر الشرطية وهي الاية مورد التطبيق ، اما اذا اذخناها كمجموع مؤلف من قضيتين فالشك في صدقها كفر .


*ثالثا واخيرا : اتضح مما مر ان صدق الجملة الشرطية لايعبر بالضرورة عن صدق اطرافها ، وعليه ، فان ما قرره مصحح تفسير القمي في الاية من انها تدل على كون الخاتم صلى الله عليه واله اول الكل وجودا ؛ غير تام ، فان وحيانية الاية وصدقها ( اعني : ان كان للرحمن ولد فانا اول العابدين ) لا يدل بالضرورة على صدق تاليها مستقلا ، وبالتالي لا يمكن الجزم بدلالة الاية على اولية الخاتم في الوجود ، اذ قد يمكن ان يكون تاليها ـ انا اول العابدين ـ غير صادق في نفسه ، فكيف يمكننا والحالة هذه الجزم بدلالة الاية على ذلك ؟ !
وهذا ما عنيته بقولي : ان دليله اعم من المدعى .