عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
التجارة الدولية
التجارة الدولية
مفهوم التجارة الدولية
يختلف مفهوم التجارة الدولية International Commerce عن التجارة الداخلية، في أن الأولى تقوم بين أطراف دولية تفصل بينها حدود سياسية، وموانع تداول، وأنظمة، وقوانين، وآليات، ليست قائمة بين أطراف التداول في السوق التجارية الوطنية. ويمكن النظر إلى التجارة الدولية على أنها ذلك النوع من التجارة الذي ينصب على كتلة التدفقات (الصادرات والواردات) السلعية المنظورة، التي تؤلف مجمل الإنتاج السلعي المادي الملموس المتداول في أقنية التجارة الدولية بين الأطراف المتداولة من جهة وعلى كتلة التدفقات (الصادرات والواردات) الخدمية غير المنظورة التي تتألف من خدمات النقل الدولي بأنواعه، وخدمات التأمين الدولي، وحركة السفر والسياحة العالمية، والخدمات المصرفية الدولية، وحقوق نقل الملكية الفكرية،وخاصة نقل التقانة (التكنولوجية)[ر] من جهة أخرى.
المنظور التاريخي
يمكن القول إن التجارة الدولية هي حصيلة توسع عمليات التبادل الاقتصادي في المجتمع البشري، التي نتجت عن اتساع رقعة سوق التبادل الاقتصادي الجغرافية. بحيث لم تعد السوق مغلقة أو قائمة على منطقة جغرافية واحدة، تضم مجتمعاً وتكويناً سياسياً واحداً. بل اتسعت لتتم المبادلات السلعية والخدمية فيها بين أقاليم ذات مقومات اجتماعية وسياسية مختلفة. وعلى ذلك فإن للتجارة الدولية طبيعة خاصة بها، تختلف عن طبيعة التجارة الداخلية في الدولة الواحدة.
ويمكن إجمال نقاط الاختلاف بين التجارة الدولية، والتجارة الداخلية الوطنية، في الآتي:
1ـ انقسام العالم إلى وحدات سياسية مستقلة.
2ـ اختلاف وحدات التعامل النقدي بين دول العالم .
3ـ اختلاف نسب توافر عناصر الإنتاج بين دولة وأخرى.
4ـ اختلاف العقائد والنظم الاقتصادية من دولة إلى أخرى.
5ـ اختلاف درجات النمو الاقتصادي بين دولة وأخرى.
6ـ اختلاف طبيعة الأسواق الدولية عن مثيلاتها الوطنية.
وينتج عن هذه الطبيعة المميزة للتجارة الدولية، معالجة نظرية وتطبيقية خاصة تشكلت من تراكم نظري وتطبيقي اقتصادي، تعاظم بتعاظم المكانة التي احتلتها التجارة الدولية في القرنين الماضيين.
التجارة الدولية عند العرب
عُرف العرب تاريخياً بإتقانهم للتجارة، وبقدرتهم على التوسع في تجارتهم البرية والبحرية، ومهاراتهم في التعامل مع أقاليم بعيدة عن أرضهم، إذ استطاعوا أن يسيطروا في حقب تاريخية معينة على الطرق والمؤسسات والمراكز التجارية، في الأقاليم التي قامت فيها اقتصادات متطورة، وأسواق تبادل خارجي بمقاييس تلك الحقب.
فقد احتلت مكة المكرمة مركزاً دينياً وتجارياً بارزاً في القرن السادس الميلادي بسيطرتها على طرق التجارة المارة في غربي الجزيرة العربية، وعلى تجارة القوافل الغنية في الجزيرة نفسها، وتولت مبادلة البضائع الهندية والحبشية، وبخور اليمن، بإنتاج الشام وبلاد البحر الأبيض المتوسط }لإِيْلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهم رحْلَةَ الشِّتاءِ والصَّيْف{ [قريش 1،2]، وكانت تتاجر نقداً ومقايضة، وتدير عمليات الإقراض والإئتمان.
ومن وجهة أخرى ومع استقرار الدولة العربية الإسلامية، والتطور الذي أصاب جميع فروع الحياة، ومع نظرة الإسلام الإيجابية إلى التجارة والعمل، فقد تحولت العواصم العربية إلى مراكز مهمة، كمكة المكرمة، والبصرة، والحيرة، ودمشق وطرسوس والقاهرة، وبغداد.
وتدل قائمة التدفقات السلعية وحركتها على مدى اتساع التجارة الدولية عند العرب في القرنين الثالث والرابع الهجريين وما بعدهما: «فالذهب والرقيق يجلبان من شرقي إفريقية والرقيق والفرو والدروع والسيوف من أوربة الشرقية ومن بلاد الترك، وغراء السمك من الخزر، والمسك من التبت، والرصاص القلعي من ملقة، والثياب الحريرية والغضائر والكاغد (الورق) من الصين، والبسط والسجاد من إرمينية، والتوابل والأحجار الكريمة والعقاقير والرماح والكافور من الهند، والقطن والمنسوجات الحريرية والكاغد والفرو والرقيق من ما وراء النهر، والسجاد والقلانس والفواكه والأشربة من إيران، والديباج الرومي والثياب الكتانية والأرز والبسط من بلاد الروم».
نظرية التجارة الدولية
تكونت نظرية التجارة الخارجية التي تحاول تفسير مبادئ التجارة الخارجية وآلياتها من تراكم تاريخي امتد قرابة قرنين من الزمن، إذ لحظها آدم سميث[ر] Adam Smith في كتاباته، وقال بالميزة المطلقة، التي تؤلِّف أساس قدرة الدولة على التصدير، وهي تعني أن تتفوق الدولة المعنية على باقي الدول في توافر عوامل الإنتاج وانخفاض تكاليفها بحيث تستطيع هذه الدولة أن تغزو بصادراتها أسواق الدول الأخرى.ثم جاء دافيد ريكاردو[ر]David Ricardo. وقال بالميزة النسبية القائمة على هبات الطبيعة التي تملكها الدولة. وتعني الميزة النسبية تفوق كل من البلدان بإنتاج سلعة أو سلع معينة مما يجعل التبادل بين الدول مربحاً لها جميعها على أساس تفوق كل منها ببعض السلع. وتوفر مقولة الميزة النسبية أساساً نظرياً لقيام التجارة الخارجية بين دول العالم، وقيام التبادل التجاري المشترك (تصديراً واستيراداً) وتقسيم العمل الدولي. وجاء بعده مجموعة من المجتهدين الذين أضافوا الكثير من الآراء، واستخدموا أدوات تحليل، جعلت من النظرية بناءً نظرياً تراكمياً ضخماً. وكانت آخر تلك الاجتهادات، ما انصب على توسع مقولة الميزة النسبية للدولة على أساس هبات الطبيعة المطلقة من الثروات الظاهرة والباطنة فيها لتشمل إمكانية امتلاك ميزة نسبية مكتسبة، على أساس حيازة الدولة لرأسمال بشري مؤهل علمياً وتقنياً، أو القدرات التقانية (التكنولوجية) الوطنية المكتسبة أو المنقولة، أو القائمة على حركة البحث العلمي الوطنية الكثيفة. (مذهب الفجوة التقنية ومذهب دورة المنتج).
السياسات التجارية
اصطدمت التجارة الدولية في حقب زمنية معينة بمجموعة من السياسات التجارية التقيدية التي حالت دون التدفق الحر للبضائع والخدمات عبر حدود دول العالم. وكان على رأس تلك السياسات، الحماية الجمركية، والقيود الكمية (نظام الحصص) ونظم السلامة الصحية والأمان، ونظم التوصيف، وشهادات المنشأ، إلى ما هنالك من الإجراءات الإدارية. كما فرضت المنافسة الدولية اتباع بعض أطراف التجارة الدولية لسياسات تجارية تمنحها قدرة الدخول إلى أسواق العالم بكفاية عالية، كاعتماد سياسة الإغراق[ر] ـ أو سياسة الدعم المباشر وغير المباشر للصادرات ـ أو برامج حماية المصدرين أو المنتجين الوطنيين الرسمية. إلا أن منظمة التجارة العالمية[ر] التي قامت في منتصف تسعينات القرن العشرين تصدت لمناقشة معظم تلك السياسات وإلغائها، باتفاق الأطراف المتعاقدة الموقعة على اتفاقية (أورغواي) المنشئة للمنظمة.
نظام التبادل الدولي
تشوب نظام التبادل الدولي القائم عيوب جوهرية تمس مصالح الدول النامية بصورة أساسية، وتلحق الضرر المستمر بإقتصاداتها. فبالنظر إلى أهمية التجارة الدولية بوجه عام ولتلك الدول بوجه خاص، فإن مجموعة دول الجنوب النامية تعاني مشكلة التبادل غير المتكافئ القائم بينها وبين دول الشمال. إذ يسود فرق بين أسعار صادرات الدول النامية إلى دول الشمال المتقدم، وأسعار الصادرات الصناعية المتجهة من هذه الأخيرة من حيث تغير حركة أسعار كل من الصادرات والواردات بفعل الاحتكار والتفاوت في مرونة العرض والطلب في غير مصلحة صادرات الدول النامية.
ويلحق هذا التغير قصوراً واضحاً في أداء موازين مدفوعات دول الجنوب النامية، وينعكس ذلك سلباً على الفعاليات التنموية فيها.
كما أن بنية هذا النظام قد تبلورت على أساس تقسيم عمل دولي، تقوم فيه قدرة الشمال المتقدم العلمية والتقنية بدور حاسم، وتسوقه إلى حالة يمكن اختصارها بالآتي:
ـ تختص دول الشمال المتقدم بصادرات كثيفة البحث العلمي، والتقنية (الصناعات الإلكترونية المتقدمة، والهندسية، والكيماوية والأدوية، والطيران ومنتجات الهندسة الوراثية ووسائل الإنتاج وغيرها).
وتختص دول الجنوب بإنتاج وتصدير السلع الزراعية، والاستخراجية: الطاقة، والمواد نصف المصنعة والسلع الصناعية النمطية شائعة الاستخدام وذات المعارف التقنية المصممة وغيرها).
المفضلات