بسم الله الرحمن الرحيم
ظاهرة أسلمة البنوك

عندما ترى ظاهرة افتتاح البنوك الإسلامية في بلاد المسلمين أو قيام كثير من البنوك التقليدية بأسلمة بنوكها وتعاملاتها فإنك تسر بذلك ولكنك لا تتعجب ذلك الامر او تستغربه لأن ذلك يحدث عند من دينهم وعقيدتهم تتطلب وتوجب ذلك ومن هم أحق بهذه الامور لكن العجب كل العجب التفات الغرب وتوجه كثير من بنوكهم الى الاسلمة في التعاملات البنكية ويأتي هنا السؤال ياترى ماهي الاسباب التي تدفعهم الى هذا التوجه مع ان هذه الامور ليست من اعتقاداتهم ؟

أن الاهتمام المتزايد بهذه الظاهرة حول العالم لم يأت من فراغ بل من دوافع وأسباب من أهمها: التزايد المستمر في أعداد المسلمين على مستوى العالم، وتنامي طلباتهم على الخدمات المصرفية الإسلامية, وتزايد الفوائض المسجلة في ميزانيات دول الخليج كنتيجة لارتفاع أسعار النفط، وقيام دول الخليج برصد مبالغ ضخمة لعمليات البناء ولإقامة المشاريع الاستثمارية وبخاصة مشاريع البنية التحتية والأنشطة العقارية، فضلا عن تداعيات أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، وما عرف بالحرب على الإرهاب، وإجراءات تجفيف مصادر تمويله على تدفق الرساميل العربية والإسلامية إلى خارج المنطقة وبخاصة نحو الغرب عبر البنوك التقليدية، وارتفاع عدد المستثمرين العرب والمسلمين المهتمين بإدارة الثروات المصرفية، والحالة النفسية المهيأة لدى الغالبية من عملاء المصارف للتعامل مع البنوك الإسلامية.
ويرصد التقرير أكثر من 11 تحديا تواجه تجربة المصارف الإسلامية في العالم من أهمها انعكاسات اتفاقية تحرير الخدمات المالية في إطار منظمة التجارة العالمية، وغياب المعيارية standardization، وموجات التكتلات والاندماجات التي يشهدها عالم اليوم، تدني المستوى التكنولوجي، تطبيق معايير البنوك التقليدية عليها من قبل السلطات المالية، فقدان الثقة بشرعية المعاملات المصرفية الإسلامية، التي تقوم بها بعض البنوك، وعدم وجود سوق مصرفية أو مالية إسلامية منظمة بشكل كاف، إهمال بحوث تطوير المنتجات، تأثر الجدارة الائتمانية للبنوك الإسلامية بمقررات لجنة بازل الثانية، إلزام البنوك الإسلامية من جانب السلطات المصرفية في بعض الدول بعمليات قد لا تتفق مع أسس عملها، مثل الاحتفاظ بنسبة من ودائعها في البنوك المركزية يتم دفع فائدة عنها، عدم استطاعة البنوك الإسلامية الاقتراض من البنوك المركزية في الدول التي تعمل بها رغم حاجتها إلى هذا الدعم الذي يتوافر لغيرها من البنوك التقليدية المنافسة لها.
لقد ارتبطت فكرة البنوك الإسلامية بظهور الإسلام ووجود بيت مال المسلمين في عهد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه - الذي كان يقوم بمتطلبات التمويل اللازم للمجتمع, ثم تطور هذا الأمر تدريجياً إلى ظهور المؤسسات المالية الإسلامية في العصر الحديث التي قامت بدور مهم في مجالي التمويل والإنتاج، حيث شجع على ذلك ارتفاع أسعار الفائدة وزيادة الحاجة إلى التمويل اللازم للتطور الصناعي والتجاري. ومع ظهور المد الاستعماري وهجمته على الأمة العربية ظهرت مؤسسات مالية ربوية أضفت على نفسها صفة الشرعية تعامل معها المسلمون وغير المسلمين لفترة من الزمن إلى أن تنبه المسلمون لذلك وظهرت الدعوات المطالبة بتحويل هذه المؤسسات إلى مؤسسات مالية إسلامية, ومن ثم تبلورت فكرة الإنشاء أو التحول إلى البنوك الإسلامية.
طبقت فكرة البنوك الإسلامية لأول مرة في إحدى المناطق الريفية في باكستان عام 1955 من خلال مؤسسة تقوم بجمع الودائع من الميسورين وإقراضها للمزارعين دون فائدة مقابل تقاضيها أجوراً رمزية تغطي تكاليفها الإدارية, ولكن هذا المشروع فشل لعدم وجود عاملين مؤهلين ومدربين لذلك, وفي عام 1963 ظهرت تجربة ناجحة ومسجلة للعمل المصرفي الإسلامي في مصر بإنشاء بنوك ادخار تعمل وفق الشريعة الإسلامية, حيث حظيت هذه البنوك بقبول جميع مواطني الريف وتضاعف عدد المودعين فيها خلال ثلاث سنوات, إلا أن هذه التجربة توقفت لظروف سياسية داخلية, وقد أظهرت التجارب السابقة, رغم فشلها, مدى حاجة المجتمعات الإسلامية الملحة إلى بنوك تعمل وفق الشريعة الإسلامية.
وتجاوز عدد البنوك الإسلامية عام 2006 وبعد مضي أكثر من 30 عاماً من بداية التجربة نحو 300 مصرف ومؤسسة موزعة على 60 دولة، زادت فيها حجم الأعمال المصرفية الإسلامية حتى في البلدان غير الإسلامية, إضافة إلى تبني بعض الدول النظام الإسلامي في التمويل والاستثمار, وتزايد اتجاه البنوك والمؤسسات التقليدية إلى أسلمة عملياتها المصرفية إما بإدخال خدمات مصرفية إسلامية ضمن عملياتها, وإما بافتتاح فروع إسلامية كما حدث في حالة العديد من البنوك في المملكة أخيرا. ورغم تفاوت التقديرات حول حجم نشاط البنوك الإسلامية في العالم إلا أن المؤشرات تشير إلى النمو السريع لهذه النوعية من البنوك،
يلاحظ من عرض الأرقام السابقة مدى نجاح هذه البنوك في جذب المزيد من العملاء من خلال مصداقيتها وشفافيتها وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها حيال تحقيق هذه الأهداف حتى أصبحت منافساً قوياً للبنوك التقليدية وشركات التمويل في جميع أنحاء العالم إلى الحد الذي جعل الأخيرة تتجه نحو إنشاء فروع للمعاملات الإسلامية, حيث برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة تحول البنوك التقليدية إلى بنوك تتعامل وفق الشريعة الإسلامية.
وأشارت إحدى الدراسات إلى أن البنوك التقليدية تفقد نحو 30 في المائة من حصتها السوقية سنويا لصالح البنوك الإسلامية, كما أنه في السنوات الثلاث المقبلة سيتحول نحو 50 في المائة من حصة المصارف التقليدية لتكون من نصيب البنوك الإسلامية, وترى بعض الآراء أن دوافع هذا التحول من البنوك التقليدية إلى الإسلامية قد يرجع إلى أهداف ربحية وتجارية بحتة نتيجة النجاحات الملحوظة للبنوك الإسلامية وارتفاع معدلات الربحية وعوائد عمليات التمويل الإسلامي مقارنة بالتمويل التقليدي, بالإضافة إلى أسباب فنية منها رغبة هذه البنوك (التقليدية) في القيام بعمليات الاستثمار بدلاً من العمل في مجال الوساطة المالية (الإقراض والاقتراض) والحصول على فوائد محددة في الوقت الذي تستطيع البنوك الإسلامية الاستثمار المباشر لنفسها أو لحساب الغير بجانب الوساطة المالية, في المقابل ترجع بعض الآراء سبب هذا التحول من البنوك التقليدية إلى ضعفها في السوق المصرفية وعجزها عن المنافسة وتحول العديد من العملاء عنها نحو البنوك التقليدية الأخرى أو نحو البنوك الإسلامية.
تتعدد الخدمات والصيغ والأدوات المالية والأساليب الاستثمارية المقدمة من قبل البنوك الإسلامية، وذلك وفقاً لاحتياجات المتعاملين مع هذه البنوك من أفراد وشركات، وبما يتناسب مع جميع الأنشطة الصناعية والتجارية والزراعية والعقارية في السوق المستهدفة من البنك. والملاحظ أن هناك تطويرا وتحديثا في هذه الخدمات باستمرار، فإضافة إلى المشاركة والمضاربة والإجارة وعقود بيع المرابحة والمزارعة والمساقاة وغيرها من صيغ التمويل المتعددة والمتطورة التي أفرزتها الصيرفة الإسلامية، تم استحداث خدمات أخرى مثل خدمات الصيرفة الهاتفية، وتحصيل الشيكات إلكترونياً, وخدمات الصراف الآلي والتحويلات, وبطاقات الائتمان الإسلامي, والأوراق المالية الإسلامية للتشغيل قصير الأجل، هذا علاوة على إصدار الصكوك القائمة على المشاركة في الأرباح مثل الصكوك الإسلامية التي تصدرها البحرين، والسندات الإسلامية القابلة للتحويل التي أصدرتها ماليزيا ابتداء من أول تشرين الأول (أكتوبر) 2006 بقيمة 750 مليون دولار.
ونظرا لتنامي الطلب على مؤشرات الاستثمار المبنية على أسس الشريعة الإسلامية فقد أطلقت مؤسسة داو جونز للمؤشرات مؤشر داو جونز للسوق الإسلامي، الذي تفرع منه عدد كبير من المؤشرات الإسلامية التي تغطي معظم القطاعات الاقتصادية لكل دولة على مستوى العالم، وضم هذا المؤشر أسهم أكثر من 1600 شركة تعتمد أحكام الشريعة الإسلامية في نشاطها، وبرأسمال يصل إلى تسعة تريليونات دولار، وفى الإطار نفسه تدرس بورصة تايلاند للأوراق المالية إصدار مؤشر مخصص للاستثمارات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. كما أعلن المركز المالي في دبي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 عن إنشاء سوق لتداول السندات الإسلامية، والمتوقع لها أن تتجاوز قيمتها نحو 100 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، وذلك بمشاركة بنوك دولية معروفة مثل: دويتشة بنك، مورجان ستانلي، وميريل لينش.
وعلى مستوى البلدان الغربية يلاحظ أن السباق على أشده من قبل البنوك الأوروبية للتعرف على أسس عمل البنوك الإسلامية والعمل على تبنيها وتطبيقها، وذلك بهدف رفع مستوى الإيداعات الإسلامية على المدى البعيد، وفي هذا الإطار تم إنشاء أول بنك إسلامي في بريطانيا وهو بنك ISLAMIC BANK OF BRITAIN الذي يقدم خدماته لأكثر من مليوني مسلم يقيمون في المملكة المتحدة، تقدر مدخراتهم بنحو مليار جنيه استرليني، إضافة إلى غير المسلمين الذين يفضلون التعامل مع البنوك الإسلامية.كما أعلن في بورصة لندن في الأول من كانون الثاني (ديسمبر) 2006 أن مجموعة "شريعة كابيتال" التي تتخذ من الولايات المتحدة مركزاً لها وتقدم خدمات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية ستكون ثاني شركة تقيد في البورصة بعد شركة إيست كاميرون الأمريكية العاملة في مجال النفط والتي أصدرت صكوكاً إسلامية.
من ناحية أخرى أطلق بنك الاستثمار السويسريUBS أدوات استثمارية متوافقة مع الشريعة الإسلامية ورغبات المستثمرين، وذلك بهدف الاستفادة من أموال العرب والمسلمين المودعة لديه, التي تحاط بسرية تامة, كما أعلن اتحاد المصارف في سويسرا عن دمج بنك نوريبا مع مجموعة UBS في البحرين لتقديم خدمات مالية إسلامية. وفي ماليزيا وقع بنك ستاندارد تشارترد ماليزيا standard chartered bank Malaysia البريطاني أول صفقة لتبديل العملات وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية مع بنك معاملات ماليزيا الإسلامي بقيمة عشرة ملايين دولار أمريكي. وفى زامبيا تسعى مجموعة AM Bank group الماليزية للعمل بشكل قوى مع مجموعة مالكوم Malcolm لإنشاء بنك إسلامي في بلد إفريقي غالبيته العظمى من المسيحيين, من ناحية أخرى أعلن بنك نياجرا ماليزيا BNA تطبيق نظام حوافز جديد مصمم خصيصاً لاستقطاب داخلين جدد إلى قطاع الخدمات المصرفية والمالية الإسلامية في البلاد, كما ينوي البنك المركزي الماليزي الإشراف على المزاوجة بين أفضل الممارسات في الصرافة والتمويل الدوليين في ظل المفاهيم الإسلامية للتمويل وذلك بهدف الارتقاء بالبنوك الأخرى في البلاد والتي تعمل وفقاً للمبادئ الإسلامية والعمل على نموها. كذلك أعلن بنك دبي الإسلامي عن عملية توسع غير مسبوقة في باكستان ستؤدي إلى زيادة شبكة فروعه من أربعة فقط إلى أكثر من 540 فرعاً عام 2007. ولا شك أن هذه الأمثلة تعكس بوضوح انتشار ظاهرة أسلمة عمل البنوك، ومدى الاهتمام العالمي المتزايد بالخدمات المصرفية الإسلامية والتنافس لتلبية تزايد الطلب عليها.

بعد هذه الشواهد والوقائع من توجه الغرب الى الاخذ ببعض سياسات هذا الدين الحنيف ومنها ماذكرناه في اسلمة البنوك وتعاملاتها تعرف عظم هذا الدين وهذه الشريعة الغراء التي جعلت من لا يمتون لها بصلة يستقون من نبعها الصافي وذلك لأن الخالق والمشرع الذي خلق هؤلاء الخلق أعلم بما يصلح لخلقه في كل زمان ومكان وهو من أرشدنا إلى ما يصلح دنيانا وآخرتنا وأمرنا باتباع القائد الأعظم في ذلك محمد صلى الله عليه وسلم ووضع بين أيدينا ما يسير حياتنا دون تعثر وهو كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم