الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فحين كان الشباب أقوياء؛ كانت الأمة قوية، وحين ضعف الشباب وضعفت هممهم وعزائمهم، وتشتتت أهواؤهم، وفقدوا هويتهم في كل عصر مر بتاريخ هذه الأمة؛ فقدتهم الأمة، وذلت وضعفت وهانت، وإن هذه الحقبة التي نعيشها من تاريخ أمتنا أكبر شاهد على تلك الحقيقة التي قررناها.
وكلما قوي الشباب في الأمة وتبصروا وتزودوا بالفهم والوعي والإرادة والقدوة؛ قويت الأمة بهم وعزت وانتصرت وسادت،وإن مرحلة "المراهقة" بخصائصها ومعطياتها هي أخطر منعطف يمر به الشباب، وأكبر منزلق يمكن أن تزل فيه قدمه إذا عدم التوجيه والعناية.
وها هي أبرز المخاطر التي يعيشونها ويمرون بها في تلك المرحلة:
الخطر الأول: افتقاد الهوية:
فترى الشاب لا يعرف ابن مَن هو، لا يعرف إلى مَن ينتمي، لا يعرف أصله، لا ينتسب إلى نسب، إنما نسبه أصنام وضعت له زورًا وبهتانـًا، إنما اعتزازه بجاهلية؛ إما من صنع أعداء الأمة، وإما من زيف صنعناه نحن لأنفسنا.
نعم؛ فقدان الهوية والانتماء، حين ضاع الشباب بين الغرب بثقافته وفكره وأخلاقه، فوجدنا بعضًا منا قد انتمى إلى ذلك الفكر وتلك الحضارة انتماء مطلقـًا، خاصة ممن ذهبوا إلى هنالك، فجاءوا كافرين بمجتمعاتهم وقيمهم وأخلاقهم وأعرافهم، لا يعرفون منها معروفـًا، ولا ينكرون منها منكرًا.
جاءوا وما على وجه الأرض شيء أبغض إليهم مما راحوا وهم عليه من الأخلاق والقيم والعادات والتقاليد، جاءوا يسارعون الخطى حتى يكسروا تلك الحواجز والقيود، ويتحللوا من تلك القيم البالية التي خُدعوا فظنوها سبب تخلفهم وتأخرهم عن ركب الحضارة، خدعهم العدو، وغلبهم على عقولهم وأفكارهم!
وطائفة أخرى -أيضـًا- منا إنما هم همج رعاع مقلدون، الكبار منهم لا يعرفون حقـًا من باطل، ولا يميزون حضارتهم بقيمها وأخلاقها من حضارة مادية ملحدة كافرة جائرة بفسادها وهلاكها، وبين هؤلاء وأولئك ضاع الشباب والمراهقون، وامتلأت جيوبهم ومحافظهم ومخابيهم بصور لاعبي الكرة، بصور المصارعين، بصور الممثلين والممثلات، طبعـًا من غير أبناء جلدتنا، بين هؤلاء وأولئك ضاع الشباب في فتن الشهوات والأهواء والشبهات.
لم يلتفت أولياء الأمور إلى ذلك الخطر الداهم الذي يهدد الأمة بأسرها، إلى الشباب وما يصابون فيه من غزو فكري وأخلاقي، حينما يضيع شبابها بين تلك الأهواء والشهوات والشبهات بافتقاد هويتهم، وافتقاد انتمائهم، لا ينتمون إلى وطن ولا إلى دين ولا إلى حضارة، إنما هم مقلدون تقليدًا أعمى، يسيرون وراء مَن ظنوا فيهم حضارة وتقدمًا ومدنية.
ووسائل الإعلام -للأسف- ومنافذ الفكر والثقافة ترسخ ذل الضياع وتؤصله في الشباب حين تعرض تلك الصورة الزائفة للغرب بحضارته، وتعمي عينها عن الإسلام وما فيه من قيم عظيمة طالما عزت الدنيا بها، إنه خطر عظيم.
الخطر الثاني: افتقاد الهدف:
فالشباب بين نواصي الطرقات، وبين ساحات الملاعب والمباريات، وبين مجالس اللهو وإزجاء الأوقات؛ لأنهم لم يعرفوا هدفـًا يسعون إليه، وليس من ورائهم قصد يعملون له، لسان حالهم ولسان مقالهم معـًا يرددان مقالة الشاعر الضائع:
جئت لا أعرف من أين ولكــــنــــي أتـــــيــت

ولقد أبصـــرت قدامــي طــريقــــــًا فمشــــيت

كـيــــــف ســــــــــرت كيف أبصرت طريقـي

لــــســــــــــــت أدري

ولماذا لســــــت أدري؟! لــــســــــــــــت أدري
هم يرددون تلك الأشعار، ويطربون لها، هم يعيشون على أشرطة الكاسيت التي تترنم بتلك المعاني الضائعة، إن لم تشد بالشهوات الفاحشة المنكرة.
لا هدف يعيش له الشباب؛ لأن الأمة لم تتخذ لنفسها هدفـًا، إنما سارت سير الأعمى الكليل وراء عدوها، يا سبحان الله!
أعمى يقود بصيرًا، لا أبا لكم قد ضل من العميان تهديه
أعمى في حضارته، في أخلاقه، في فكره، الغرب الكافر يقودنا نحن المبصرين! يقودنا نحن أصحاب القرآن، أصحاب السنة، أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-! إنها -والله- الخسارة العظيمة أن ننقاد وأن ينقاد شباب الأمة كلها إلى ما لا يعلمون.
افتقاد الهدف في الحياة التي يعيشونها، يعيشون ليأكلوا، أم يأكلون ليعيشوا؟! هم لا يعرفون، وهي معادلة يتندرون بحلها: "نعيش لنأكل، أم نأكل لنعيش؟!"؛ لأنه لا شيء عندهم إلا الأكل والحياة، إلا الحياة الدنيا بلهوها ولعبها وقيمها المادية التي لم يردها الله -تبارك وتعالى- لذاتها؛ إنما أرادها وسائل لتحقيق العبودية له -جل شأنه-، نعم لا يعرفون لماذا يعيشون؛ لذلك غلبَنا أعداؤنا على أمورنا وقضايانا، فصرنا لا نفكر بعقول أنفسنا؛ بل بعقولهم هم، إرادتنا مُكبلة، عزيمتنا لا وجود لها؛ إنما نتحرك بإرادة عدونا، وبتدبير عدونا، بتصريف عدونا؛ ذلك لأننا لا هدف لنا نسعى إليه.
غاية ما يمكن أن نصرح به أننا نسعى إلى تحقيق التقدم والرفاهية، وهل هذا هدف تسعى إليه أمة؟!
إن هذا لا يصلح أن يكون هدفـًا، إنما الهدف هو ما يمكن أن يعيش له الإنسان مِن وراء هذه الدنيا، أما أن تكون أرحام تَدفع، وأرض تَبلع، وما بين هذا وذاك ملعب ومرتع!
الخطر الثالث: تناقض القيم:
تناقض القيم التي يعيشون فيها والتي يعيشون معها؛ فبين قيم الأمس والماضي، وعادات وتقاليد الآباء والأجداد، والتي استقيت من الإسلام وشرائعه، وبين القيم المعاصرة، وبين قيم الحضارة المعاصرة الواردة إلينا وما فيها من تناقض، مع ما ألفناه وورثناه؛ يعيش شبابنا التناقض بين هذا وذاك، ولا يرشدون إلى اختيار الأوفق والأولى لهم، فضلاً عن أن يكون هو دينهم، لا يرشدون إلى ذلك؛ إنما يتركون لشهواتهم التي تحركهم لتختار لهم، وما عسى أن تختار لهم شهواتهم إلا التردي!
وما عسى أن تختار لهم شهواتهم إلا الانتكاس إلى البهيمية والحيوانية! يتركون -من غير ما بصيرة ولا ترشيد- الحبل على الغارب، والشباب -إلا من رحم الله وعصم- أحيط بكل أسباب الغواية ووسائلها، وبكل أسباب التردي والانتكاس الخلقي والفكري، فلا يليق ولا يستقيم أن تكون عقول أبناء الأمة آنية مفتوحة لتسقط فيها زبالات الحضارة المعاصرة اليوم، ولتستقبل كل ما ورد إليها دون تصفية بحجة الحرية والانفتاح على العالم وثقافته وأفكاره، فتترك عقول أبنائنا مفتوحة لثقافة الدش، والتلفاز، والإنترنت والصحافة المضللة، والمجلات المستوردة، والأفكار الباطلة، لا يليق ذلك بأمة دينها الإسلام، وكتابها القرآن، ونبيها محمد -صلى الله عليه وسلم-.
الخطر الرابع: مشكلة الفراغ:
ذلك لأنه لا هوية، ولا انتماء، ولا هدف يسعى إليه الشباب والمراهقون، وبين قيم متناقضة ووسائل غواية مهلكة يعيش الشباب -بلا شك- فراغـًا، ولا يبقى الفراغ فراغـًا؛ إنما يكون مقتلة بعد ذلك عظيمة، ولا يبقى الفراغ فراغـًا؛ إنما لابد سيُملأ ويُشغل بالباطل، سيبحث المراهقون عن النجوم في مجالات الفن والرياضة والموسيقى والغناء.
سوف تعج بهم الأسواق، وتمتلئ بهم النواصي والطرقات.
سوف تجدهم في المقاهي، في السينما، أمام التلفاز… إلخ.
ونفسك إن لم تشغلها بالحق؛ شغلتك بالباطل.
ذلك الفراغ القاتل الذي هو نتيجة تلك الأسباب التي مضت -بلا شك- عامل من عوامل الانحراف والهدم لكل خير يوجد في هؤلاء الشباب، ولكل وازع من دين أو خلق.