عمر السبع
أصناف ثلاثة:
عندما نتمعن في أطفالنا سنجدهم أنهم ينقسمون بين ثلاثة أقسام في تعاملهم مع الواجبات المنزلية:
الأول: بعضهم يعتاد عليه بسهولة بالغة وسرعة كبيرة، فهم يحبون العمل المدرسي ولا يشعرون أبدًا أنهم نالوا كفايتهم منه، وهم كذلك لا يطيقون الإجازة الصيفية وينتظرون انتهاءها بفارغ الصبر حتى يعودوا إلى المدرسة ومحظوظون هؤلاء الآباء الذين لديهم أطفال مثل هؤلاء، فالأب يتوقع ولسنوات طويلة أن ابنه سيحصل على أعلى الدرجات والتقديرات في دراسة ابنه.
الثاني: الأطفال الذين ينظرون إلى المدرسة والعمل المدرسي على أنه عبء وشر لابد منه، فهم يؤدون العمل المدرسي فقط لأنهم مضطرون إلى ذلك، وهم في الحقيقة يفضلون القيام بأي شيء آخر يرون أنه أكثر امتاعًا، ومع ذلك تأتي عليهم أوقات يجدون فيها العمل المدرسي أمرًا مثيرًا للاهتمام، وهذه الأوقات الذي يجدون فيها حبهم للمدرسة.
الثالث: هم بالأصل يكرهون المدرسة، وهؤلاء لديهم استعداد لكي يضحوا بأي شيء من أجل تجنب العمل المدرسي، وعادة ما يعاني الآباء الذين لديهم مثل هؤلاء الأطفال، فهم طوال الوقت في مشاحنات مع أطفالهم.
النجاح في المدراسة والواجبات المنزلية:
يعد نجاح الأطفال في المدرسة شيئًا مهمًا للغاية، بالنسبة لأي أب، وجانب من السبب في ذلك، هو أن مستوى نجاحهم إنما ينعكس على الأب، فالمجتمع على ما يبدو يوازن بين التقديرات الجيدة للأبناء في المدرسة والرعاية الجيدة لهم من قبل آبائهم، ويوازن بنفس الطريقة بين تقديراتهم السيئة في المدرسة والرعاية السيئة لهم في البيت.
وربما تكون هذه هي الطريقة الصحيحة في الحكم على هذه المسألة، فنحن عندما نتمعن في الأمر، نكتشف أن أطفالنا بحاجة ماسة إلى الاهتمام من جانبنا بنجاحهم في المدرسة، فالأطفال الذين يلقون اهتمامًا في هذه الناحية من المؤكد أن فرصتهم للاهتمام بها بأنفسهم، أفضل من غيرهم بكثير، ولكن مع الأسف، الاهتمام وحده ليس كافيًا دائمًا، ففي بعض الأحيان، من الممكن أن يؤدي هذا الاهتمام المغلف بالنوايا الحسنة من جانب الآباء إلى مشاحنات ومشاجرات مستمرة حول المدرسة والواجبات المنزلية.
أهمية الواجب المنزلي:
هناك عدة أسباب تجعل من الواجب المنزل الذي يأخذه الطفل في المدرسة شيئًا هامًا في حياته:
1. الثقة بالنفس:
هناك علاقة مباشرة بين الثقة بالنفس والنجاح في المدرسة، فكلما زاد مقدار إيمان الطفل بالفكرة التي تقول: "إن لدي ما يلزم لكي أكون ناجحًا في المدرسة" كان أداؤه أفضل بكثير، وعلى العكس من ذلك، فكلما زاد مقدار اعتقاده في الفكرة السلبية التي تقول: ليس لدي ما يلزم لكي أكون ناجحًا في المدرسة"، كان أداؤه أسوأ بكثير والعديد من الدراسات التي أجريت في خلال الخمس وعشرين عامًا الأخيرة قد أيدت هذا الرأي، والآباء بالبداهة يعلمون أن هذا هو الرأي الصحيح.
فالواجب المنزلي يلعب دورًا مهمًا في تنمية وتقوية هذه الأفكار الإيجابية المتعلقة بالثقة بالنفس وغيرها، وإذا ما أعطينا الطفل ما يكفي من المعلومات الإيجابية التي تفيد أنه قد أدى واجبه بشكل جيد، فإنه سوف يصل إلى استنتاج يقول: "لدي ما يلزم للنجاح في المدرسة"، والأطفال الذين يتلقون باستمرار مثل هذا التقييم الإيجابي، يميلون إلى حب المدرسة والعمل المدرسي.
وعلى الجانب الآخر، فإذا ما أعطينا الطفل ما يكفي من التعليقات السلبية بخصوص العمل المدرسي، فإنه على الأرجح سيصل إلى استنتاج يقول: ليس لدي ما يلزم للنجاح في المدرسة، وهؤلاء هم الأطفال الذين يكرهون المدرسة والواجب المنزلي، ويعارضون مدرسيهم بعناد طول الطريق.
2. التحصيل الدراسي:
فيؤثر مقدار الوقت الذي يقضيه الطفل في أداء الواجب المنزل بشكل مباشر على درجاته في المدرسة، ويمكنك أن تتنبأ بما سيحصل عليه من درجات بالنظر إلى تلك النتائج التي يحصل عليها في كراسة الواجب المنزلي، وفي واقع الأمر فإن المدرسين دائمًا ما يؤكدون على أن الطفل يمكنه أن يحسن تقديراته ودرجاته بالتركيز على الواجب المنزلي، وذلك في مختلف المراحل التعليمية، وقد أظهرت الدرسات التربوية أن التلاميذ الذين يؤدون واجباتهم المنزلية باستمرار يتفوقون على غيرهم ممن لا يقوومن بذلك.
3. المسئولية والاعتماد على النفس:
إن الواجب المنزلي يعلم الأطفال المسئولية والاعتماد على النفس، ويعد محظوظًا ذلك الطفل الذي يحرص أبواه على أن يوصلا إليه رسالة مهمة تقول إن عليه أن يتحمل المسئولية، ليس عن مجرد أداء الواجب المنزلي فحسب، وإنما عن أدائه بطريقة صحيحة ومتقنة وفي الوقت المقرر.
والطفل الذي ينشأ على تحمل المسئولية والاعتماد على النفس تكون لديه فرصة أفضل للنجاح في كل جوانب الحباة فعلى المستوى الروحي والعاطفي والعقلي، تجد أن يؤدي بشكل أفضل وأستطيع أن أن أؤكد لك أخي المربي، أن الطفل الذي ينشأ بهذه الطريقة سيكون أفضل من غيره بكثير في حياته المهنية وفي علاقاته بالآخرين.
إن الواجب المنزلي، ينمي الشخصية المسئولة لدى ولدك، (فالطفل يُعطى عملًا ليؤديه بنفسه خارج المدرسة وعليه أن ينجزه، وأن يصل في تنفيذه إلى مستوى معين من الإتقان.
ونظرًا لأن الواجبات المنزلية تعلم الشعور بالمسئولية فعلًا، فإن من المهم أن يفهم الآباء ذلك كي يعاونوا على إعطائها الأهمية المناسبة لها، فالتذمر من أن هذا المدرس "يعطيكم واجبات منزلية كثيرة"، أو من أنه يستنفد كثيرًا من وقت الطفل بحيث يصعب عليه إتمام واجباته، كل هذا من شأنه أن يربك الطفل لدرجة خطيرة تزعزع إدراكه لماهية مسئولياته وتؤخر نموه ليصبح شخصًا مسئولًا) [تربية الشعور بالمسئولية عند الأطفال، كونستانيس فوستر، ص(92)].
وإن التدليل الزائد له آثار سلبية على طفلك، أن التدليل الزائد والحماية المتاجوزة للحد، تضر طفلك أكثر من أن تنفعه، فمن آثاره السلبية (ينمو الطفل بشخصية ضعيفة غير مستقلة، أيضًا يعتمد على الغير في أداء واجباته الشخصية وعدم القدرة على تحمل المسئولية ورفضها، ويعاني انخفاض مستوى الثقة بالنفس وتقبل الإحباط، ونجد هذا النوع من الأطفال الذي تربى على هذا الأسلوب لايثق في قراراته التي يصدرها ويثق في قرارات الآخرين ويعتمد عليهم في كل شيء، ويكون نسبة حساسيته للنقد مرتفعة، وسنجد هذا الطفل عندما يكبر يطالب بأن تذهب معه أمه للمدرسة حتى مرحلة متقدمة من العمر يفترض أن يعتمد فيها الشخص على نفسه، وتحصل له مشاكل في عدم التكيف مستقبلًا بسبب أن هذا الفرد حُرم من إشباع حاجته للاستقلال في طفولته، ولذلك يظل معتمدًا على الآخرين دائمًا) [تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان، بتصرف يسير].
4. اكتساب المعرفة:
ومن خلال أداء الواجب المنزلي، يتعلم الطفل كيفية اكتساب المعرفة، فاعتماده على نفسه في أدائه يجعله يبدأ في تكوين فكرة، أو معتقد عن نفسه يقول: لدي ما أحتاج إليه لكي أتعلم، وهذا معتقد فعال للغاية، ومن الممكن أن يقود صاحبه إلى تحقيق إنجازات عظيمة في الحياة، فهو يعطيه إحساسًا بالكفاءة والجدارة يحقق به النجاح المطلوب.
5. الإصرار والمثابرة:
من الصفات الهامة التي يُكسبها الواجب المنزلي للطفل، وتحقيق المزيد والمزيد في هذه الحياة؟ ويمكن أن نقول أن النجاح الذي يحققه أي شخص في حياته في هو ناتج عن الإصرار والمثابرة اللذان يؤتيان ثمارهما الوفيرة.
وبإمكان أي أب أن يغرس في طفله قيمة الإصرار والمثابرة في طفله من خلال الواجب المنزلي، فحاجة الأطفال إلى قيمة الإصرار والمثابرة سوف تزودك بفرص كثيرة لتشجيعهم على المثابرة، وفي بعض الأحيان سوف يكونون بحاجة إلى أن تصمم من جانبك على أن يتحلوا بهذه الصفات.
والواجب المنزلي من المفترض أن يكون صعبًا، والقصد منه هو أن يكافح الأطفال لأدائه، فالكفاح شيء طيب يجدر بالأطفال تعلمه، وليس شيئًا سيئًا يحتاجون إلى اجتنابه، ومن خلال كفاحهم في سبيل أداء الواجب المنزلي من الممكن أن نعلمهم الإصرار والمثابرة.
6. إدارة الوقت:
ومن خلال الواجب المنزلي أيضًا، يتعلم الأطفال إدارة الوقت من خلال عمل هذا الواجب، فالكثيرون من الشباب الناجحين قد استفادوا من تعلم كيفية إدارة أوقاتهم، وقد تم التوصل إلى ذلك، من خلال بعض الاستطلاعات التي أجراها بعض الباحثين مع الآباء من خلال حلقات النقاش والندوات.
ماذا بعد الكلام؟
ـ لكي تربي طفلك من خلال الواجبات المنزلية، عليك باتباع الآتي:
((1. عليك أن تعلم أولًا أنك أنت المسئول عن مساعدة أبنائك في حل واجباتهم وليس الأخ الأكبر، أو عمه أو خاله.
2. القاعدة الأساسية في مساعدة الأبناء في حل الواجبات هي: "لا يجب أن يحل أحد محل الطفل في أداء الواجب".
3. ضع لابنك جدولًا لحل الواجبات المدرسية واجعله يساعدك في وضعه بأن يختار هو موعد أداء الواجبات المناسب له مع التوجيه منك طبعًا.
4. يحتاج معظم الأطفال لبعض الوقت للترفيه بعد اليوم الدراسي وقبل أداء واجباتهم المدرسية، ولكن لا يجب الانتظار حتى وقت متأخر حين يصبح الأطفال متعبين.
5. يجد الأطفال صعوبة في التركيز وهم جائعون، ولو أن الواجب يجب أن ينتهي قبل وجبة العشاء فقدم لطفلك وجبة خفيفة صحية، ولكن لا تقدم لطفلك وجبات من الحلوى أو المشروبات التي تحتوي على الكافيين.
6. من الصعب كثيرًا على الأطفال الصغار أن يجلسوا بلا حراك لفترات طويلة لأداء الواجب مقارنة بالأطفال الأكبر سنًا، ولحسن الحظ غالبًا ما تؤدي جلسات الاستذكار القصيرة إلى مستوى تعلم أعلى من جلسات الاستذكار الطويلة فلو كان الواجب يأخذ ساعة في حلِّه، فقسمه إلى أربع جلسات كل جلسة ربع ساعة بدلًا من جلستين كل جلسة نصف ساعة) [كيف تساعد طفلك في واجباته المنزلية، د.مارجريت سي رادنسيش ود.جان شي شوم، ص(12-14)، بتصرف].
المصادر:
· كيف تساعد طفلك في واجباته المنزلية، د.مارجريت سي رادنسيش ود.جان شي شوم.
· تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان.
· تربية الشعور بالمسئولية عند الأطفال، كونستانيس فوستر.