مرض السكر أوهام وحقائق قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بِحسْب ابن آدم لُقيماتٌ يقمن صلبه))، وقال: ((نحن قومٌ لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع))، وهذا منهاج لو اتَّبعه مريضُ السُّكَّر، لتفادى المرض ومضاعفاته. ومرض السُّكر يتطلَّب في المقام الأوَّل طبيبًا متمرسًا؛ ليكونَ ملمًّا بتفاصيل العلاج، وأسباب ظهور المرَض والاحتِمالات، وأبعاد المرض ومضاعفاته ونوعه؛ لأنَّ آليَّة ظهور هذا المرض لا تنحصِر في قلَّة إفراز الأنسولين بالدَّم، أو القصور في إفْرازه من البِنْكرياس فقط، فقد يكون سبب هذا المرض عدَّة أمراض وأعراضٍ أُخْرى تؤثِّر على نسبة السُّكَّر بالدَّم. فلقد كان لتطوُّر العلاج وأساليبِه، وتنوُّع التحاليل الطبِّيَّة والفحوصات التشخيصيَّة - أثرُها في إطالة أعْمار مرضى السكر؛ لهذا فالثقافة الطبِّيَّة حول هذا المرض المزمن مطلوبةٌ للتعرف على المرض وكيفية التعامل معه؛ لأنَّ للمريض دوره الأساسي والفعال في علاجه وتفادي مضاعفاته. وهذا ما جعلني أكتب هذا المقال؛ ولا سيَّما أنَّ 20 % منَّا مصابون بِهذا المرض أو معرَّضون للإصابة به، فلقد أصبح مرض السُّكَّر وباءً عالميًّا على الخريطة الصحية لمنظمة الصحة العالمية؛ حيث يصيب شخصًا من بين كل 6 أشخاص. فمرض السكر لا شفاءَ منه؛ لأنه يلازم المريض به بقية عمره، فهو الرَّفيق قبل أن يكون الصديق، وكان المرض معروفًا قديمًا، وكان ابن سينا قد شخَّصه منذ عشرة قرون حيث كان يبخر البوْل السكري ليتحوَّل إلى مادة شرابية لزِجَة أو يتحوَّل لسكر أبيض، وكان مريض السكر حتَّى مطلع هذا القرن يعتبر الحيَّ الميت، وأنَّه قد حلت به لعنته بعدما حكم المرض عليه بالموت المبكِّر؛ لأنَّ علاجه لم يكن معروفًا، وكان الأطفال والمراهقون عندما يصابون به تذوي أجسامهم ليموتوا بعد عدَّة شهور. وحتَّى عام 1920 لم يكن الأطبَّاء يستطيعون التَّفريق بين مرض البول السكري الحلو المذاق، وبين مرض السكر الكاذب الذي لا طعم للبول فيه، إلا أنَّ المرضَيْن يتشابَهان في العطش الشَّديد وكثرة البول؛ ولهذا كان يصعُب على الأطبَّاء التَّفريق بينهُما قبل ظهور التَّحاليل الطبية. ومرض البول السكري مرتبط بهرمون الأنسولين، الذي تفرِزُه غدَّة البنكرياس، الذي يعتبر سائل الحياة بالنسبة لنا، وبسكر الجلوكوز ونسبته في الدَّم، عكس مرض السكر الكاذب (الزائف) فلا علاقة له بنسبة السكر بالدم، ولكن أسبابه مرتبطة بهرمونات الغدَّة النخامية بالمخ وهرمونات الكلى، ويُطْلَق على هذا النَّوع من المرض مرضَ البول المائي. وكان الأطباء يفرقون بينهما بغمس أصابعهم في بول المريض ويتذوقون حلاوته، فإن كان حلو المذاق فهو بول سكري، وإن لم يكن فهو بول مائي، وظل هذا متَّبعًا حتَّى اكتشف محلول (فهلنج)، الذي كان يسخَّن فيه البول فيعطي راسبًا أحْمر، وحسب شدَّة الحُمْرة يكون تركيز السُّكَّر بالبول، وكان العلاج قبل اكتِشَاف الأنسولين عام 1921 تنظيم طعام المريض، والإقْلال من تناول السكريات والنشويات، التي تتكسَّر بالجسم، وتتحوَّل لسكر جلوكوز.