دراسة: مليون اردني يعانون اضطرابات نفسية!


اعتبرت دراسة أعدها فريق وطني من أكاديمين واختصاصيين نفسيين أردنيين، أن المراكز الوطنية لتأهيل المرضى النفسيين والعيادات الاستشارية النفسية الحكومية تفتقر الى أدنى مقومات النظافة والجودة والهدوء والخصوصية والترفية، وتنتفي من بعضها أدنى المقومات التي تلبي حقوق الإنسان.

ولاحظت الدراسة التي رصدت واقع الخدمات الصحية النفسية في المملكة، وحصلت "الغد" على نسخة منها "عدم وجود هيئات مستقلة ترعى حقوق المرضى النفسيين وأسرهم وضمان حمايتهم من الإساءة بكافة أنواعها". مؤكدة على أن "ظروف إيواء المرضى النفسيين، تفتقر الى الشروط الإنسانية الأساسية".

وأكدت الدراسة التي تضمنت مسحا شاملا لمؤسسات الخدمات الصحية النفسية في المملكة التي تقدم خدماتها لما يقارب مليون مواطن أردني، يعانون من اضطرابات نفسية على أن المرضى "بحاجة الى رعاية صحية ونفسية متكاملة وعلاج، بشقيه الدوائي والنفسي، ومنهم من هو بحاجة أيضا للتأهيل الوظيفي والاجتماعي".

ورأت أن ذلك، يلقي بعبء كبير على كاهل مقدمي تلك الخدمات التي تنقصها الموارد البشرية بجميع أطقمها الطبية والطبية المساندة، ولا سيما التمريض.

ونفذ الفريق الوطني دراسته النوعية في مركزي الوطني للصحة النفسية في الفحيص والرعاية النفسية/ مجمع الأميرة عائشة بنت الحسين الطبي/ الخدمات الطبية الملكية.

بالإضافة الى عيادات النفسية الاستشارية للطب النفسي في عمان وفي مستشفى الجامعة الأردنية والأميرة بسمة في محافظة إربد ومستشفى الملك المؤسس في إربد، معتمدين على مقابلات شخصية (وجاهية) للمرضى المراجعين والمقيمين في الأجنحة الداخلية، وأطباء اختصاصيين ومقيمين في النفسية، وموظفين إداريين ومهنيين.

وأكدت الدراسة على عدم توافر أدوات معيارية حديثة للاختبارات النفسية، معتبرة أن ما هو موجود "قديم جدا يعود الى خمسينيات القرن الماضي، ومقنن أصلا للبيئة المصرية".

وأشارت الى أن "العاملين في هذه الخدمات، لا يحملون مؤهلا جامعيا مناسبا وغير مرخصين وغير مدربين تدريبا نظاميا معياريا".

وتنصب الجهود العلاجية في المراكز الوطنية والعيادات الاستشارية بحسب الدراسة، على وصف الأدوية الكيماوية، في الوقت الذي يتجه فيه العالم الطبي الى توظيف العوائد المجزية لعمل الفريق المهني في خدمة المريض وأسرته، وأن يصل الى مرحلة المعافاة والشروع في تقديم خدمات التأهيل أو شموله بها.

وقالت الدراسة إن "هناك فجوة كبيرة بين مفهوم العلاج النفسي الشامل العميق والممارسات التي تركز على بعد التدخل الدوائي فقط في غالبيتها العظمى".

ويرى الفريق الوطني، أنه وعلى ضوء الزيارات الميدانية فإن وضع خدمات الطب النفسي والمرضى النفسيين وما يندرج ضمن الإطار الواسع للصحة النفسية في هذا الميدان، يفتقر الى معايير محددة لتقييم الخدمات المقدمة.

كما أنه يفتقر إلى عدم وجود بروتوكولات واضحة، لتقديم الخدمات الصحية بموجبها، فضلا عن انعدام الحوافز المادية والمعنوية للعاملين في هذا الميدان، لا سيما كوادر وزارة الصحة.

كما اعتبرت الدراسة أن انتفاء وجود برامج تدريب وتأهيل أثناء الخدمة وضعف الارتقاء بالقدرات الفردية والمؤسسية وعدم توافر كوادر للتمريض النفسي المتخصص وافتقار الأبنية التي تقدم فيها ومنها الخدمات النفسية للشروط القياسية، وعدم إخضاع أداء الاختصاصيين النفسيين لمرجعية معيارية تجيز مواصفات الأداء بعد تقييمه وإخضاعه للفحص والمراقبة، من أبرز التحديات التي يجب على الحكومة معالجتها.

وكما تفتقر المراكز الى العدد الكافي من الأطباء النفسيين في مجال الطفولة واضطراباتها النفسية، فهي تفتقر أيضا الى عدم كفاية أعداد الاختصاصيين النفسيين في مجالي الإرشاد وعلم النفس العيادي الذين يتم إعدادهم خصيصا للعمل مع الأطباء النفسيين، في ميدان الطب النفسي.

ووفق الدراسة، يتوافر طبيب نفساني واحد لكل 100 ألف نسمة في الأردن، وهو ما اعتبرته الدراسة نفسها "متدنيا"، إذا ما قورن بالدول المجاورة والأوروبية، في حين إنه لا يوجد أي ممرض أو ممرضة متخصصين في الطب النفسي، باستثناء ممرضتين نفسيتين تعملان في الخدمات الطبية الملكية، وبذلك فإن نسبة الممرضين لكل 100 ألف من السكان في الأردن هو(4.,.) في حين إنها في الكويت (22.5) وفي المملكة المتحدة (.,104).

كما كشفت الدراسة أن نسبة الأسرة في الأردن من أدنى النسب في العالم، وهي بمعدل سرير لكل 10 آلاف مواطن، في حين إنها في الكويت تصل الى (4.3) وفي اليابان (28.4) وفي اميركا اللاتينية (6.2).

ويبلغ إجمالي عدد الأسرة في المملكة لعلاج المرضى النفسيين 569 سريرا، منها 260 سريرا في المركز الوطني للصحة النفسية في الفحيص و150 سريرا في مركز الكرامة و70 سريرا في مركز الإدمان التابعين للوزارة، و43 سريرا في الخدمات الطبية الملكية "مركز الرعاية النفسية" و70 سريرا في مستشفى الرشيد (القطاع الخاص).

واعتبرت الدراسة أن تحكم نظام المركزية في إدارة خدمات الطب النفسي في القطاع العام، يعتبر تحديا كبيرا يواجه إنماء هذه الخدمات والنهوض بها.

ومن التحديات التي تحول دون تقديم خدمات نوعية ومقبولة، النقص الشديد في عدد الأطباء الاختصاصيين لتغطية الخدمات النفسية المقدمة للمواطنين، إذ إن العدد يقل بثلاث الى أربع مرات من المعدل العالمي، وإن أكثرية هؤلاء الأطباء في القطاعين العام والخاص تم تدريبهم داخليا، ولم تتح الفرصة لهم لاستكمال تدريبهم في الخارج.

كما يوجد نقص شديد في كادر التمريض النفسي، على الرغم من وجود وتوافر التمريض العام، بحسب الدراسة، التي أشارت الى وجود ممرضة واحدة في الخدمات الطبية، أتيحت لها الفرصة للتدريب في التمريض النفسي خارج الأردن لمدة لا تزيد على 9 شهور.

كذلك وجدت الدراسة نقصا شديدا في أعداد الاختصاصيين النفسيين بعلم النفس العيادي والإرشاد النفسي، خاصة في القطاع العام، حيث لا يتوافر في "الإرشاد النفسي" إلا شخص واحد مؤهل ولا يعمل في مجال الخدمات الصحية النفسية.

ورأت أن المريض النفسي بحاجة للعلاج والإرشاد، خصوصا وأن هناك الكثير من الاضطرابات النفسية يمكن علاجها بالعلاج السلوكي المعرفي، والذي يعتبر حاليا ركنا مهما من أركان العلاج في مجال الطب النفسي، وهذا متوافر في القطاع الخاص.

كما ينقص القطاع العام اختصاصيون اجتماعيون في مجال الصحة النفسية، ما يترك أثرا في إغفال العوامل الاجتماعية، التي تلعب دورا في المرض النفسي، سواء كمسبب أو كنتيجة للمرض.

وأوصت الدراسة التي ترأس فريق عملها أستاذ الأمراض النفسية من جامعة العلوم والتكنولوجيا الدكتور توفيق درادكة بوضع استراتيجية وطنية للارتقاء بخدمات الصحة النفسية للأعوام الخمسة القادمة في الأردن، تعتمد على الشمولية والنهج التشاركي بين جميع المؤسسات، وتحدد الأنشطة والإجراءات والجهات المسؤولة عن التنفيذ والتكلفة المالية للسنوات الخمس المقبلة، مع مراعاة أن تصل تلك التكلفة الى 10% من موازنة الدولة الصحية (كما هو متعارف عليه دوليا).

ودعت الى شمول المرضى النفسيين بمظلة التأمين الصحي، لضمان مجتمع يتمتع بجميع مستويات الصحة. مشددة على ضرورة تعديل القوانين والسياسات المعمول بها حاليا للارتقاء بالخدمات، كي تسهم في زيادة الرضى الوظيفي للعاملين والمستفيدين.

وأكدت الدراسة على أهمية استحداث هيئة مستقلة لحماية المرضى النفسيين، ومنع تعرضهم للإساءة، في الوقت الذي لم تغفل فيه الدراسة الجانب التوعوي المجتمعي فيما يتعلق بالأمراض النفسية.

ودعت الى تنظيم حملات توعوية بأهمية الصحة النفسية لكافة أفراد المجتمع، وتضمين البرامج التعليمية في المدارس والجامعات وكيفية تقليل النظرة السلبية للمرضى النفسيين وكيفية إدماجهم في المجتمع.

ويشار الى أن 450 مليون شخص يعانون من أمراض نفسية في العالم، منهم 145 مليون شخص مصابون بمرض الاكتئاب، ومليون ينتحرون سنويا في العالم، بحسب أحدث الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية التي تعمل على حث الدول ودعمها لتوفير المعلومات اللازمة عن الأمراض والاضطرابات النفسية، والعمل على وضع السياسات والاستراتيجيات للوقاية والعلاج في مجال الصحة النفسية.

المصدر : الحقيقة الدولية – الغد الاردنية- 15