مشرف
- معدل تقييم المستوى
- 34
دراسات غربية :تأثير الموسيقى على الدماغ والنفس
تأثير الموسيقى على الدماغ والنفس
استحوذت الموسيقى على اهتمام الفلاسفة والأطباء وعلماء النفس منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا لأنها أول الوسائل العلاجية الذاتية التي مارسها الإنسان، فجذورها موجودة في مظاهر الطبيعة من تغريد الطيور وخرير المياه وحفيف الشجر... وكذلك فإن الإيقاع والتناسق والتناغم والتوازن الذي يميزها، من شأنها خلق ما يبقى على حالة من الانسجام والتوازن في نفسية الإنسان.
يقول الباحث ديفيد كيم: «إن الموسيقى أقوى من أي لغة فهي أم اللغات وأكثرها تأثيراً على الإنسان، فهي لغة عالمية إنسانية وتفوقت على جميع أنواع الإبداع الفني الذي أنجزه الإنسان في إحداث التغيير على مستوى الوعي والوجدان».
وعلى مدى تاريخ الإنسان ومنذ معيشة الكهوف كانت ترافقه الترانيم الموسيقية البدائية وكانت الدندنات والترانيم وقرع الطبول والأهازيج والأغاني لا تفارق حياته الكادحة، سواء أكان بمفرده أو في طقس جماعي ديني أو احتفالي. ولم يتأتى هذا الترافق من فراغ بل إن ذلك الإنسان (وبلا وعي) مارس التنغيم والتلحين والترنيم كنوع من العلاج فلا شك بأنه وجد أن هذه الممارسة تضفي على نفسيته ومعاناته الجسدية نوعاً من الراحة سواء بتخفيف حدة المعاناة النفسية أو الآلام الجسدية مع تصعيد نشوته حين الشعور بالفرح.
لذلك تراوحت تلك الموسيقى منذ القدم من الحزن العميق إلى الفرح الشديد، وتطورت مع العصور من الترنيم على الطفل الرضيع إلى اعقد أنواع الموسيقى, إنها محرك الروح والمثيرة للعواطف, ونتيجة لأهميتها تنامت الدراسات والأبحاث بزخم. فالدراسات الغربية الحديثة التي بحثت عن تأثير أنماط الموسيقى مذهلة فيما يتعلق بفسيولوجية الجسم والدماغ والكيان النفسي.
فقد أثبتت الدراسات في علم بيولوجيا الدماغ والتشريح العصبي الدماغي ما يلي:
1. ان الموسيقى ذات تأثير عضوي فعال فعند دخولها مركز السمع في القشرة الدماغية تنتقل مباشرة إلى مركز الانفعالات النفسية الرئيسي والذي يتبوأ سيادة التحكم بكافة العواطف والاستجابات الوجدانية وكذلك في تنظيم الاستجابات البيولوجية كدرجة الحرارة وضغط الدم ومعدل دقات القلب والتنفس.
2. وهي بنفس الوقت تنشط تدفق الذاكرة المخزونة وخلق التأملات من خلال الجسر الدماغي الذي يوصل شقيه الأيمن والأيسر معاً مؤدية إلى توازن وظائفهما وتحسين أداؤها.
3. ومن الثابت علمياً بأن الموسيقى تنشط الدماغ عبر إفراز ما يسمى بالببتيدات العصبية في الدماغ من منطقة تحت المهاد وبالتالي مادة الاندورفين التي تسبب شعور الإنسان بالنشوة والفرح كذلك ارتفاع مستوى مادة السيروتونين والتي تسبب زيادة الهمة والدافعية وارتفاع المزاج.
4. وفي الدراسات الحديثة وجد أن الموسيقى المريحة ذات قدرة على بناء الخلايا العصبية والعصبونات والحد من تلفها وزيادة تشابكها معاً.
5. قدرة الموسيقى المريحة على تنظيم الموجات الدماغية بشكل متجانس ومنتظم ونتيجة لذلك نشا ما يسمى علم النفس الصوتي الذي يختص بتأثير الموسيقى على النفس والدماغ والجسد وظهر ما يسمى العلاج الموسيقي فالدراسات أظهرت التأثير الايجابي للموسيقى الهادئة والمريحة كالموسيقى الكلاسيكية في معالجة القلق والكآبة والوسواس القهري من خلال التأثير المباشر على النواقل العصبية المتنوعة أو من خلال وسيلة الدفاع النفسية المعروفة بالإزاحة.
6. وتستخدم الموسيقى أيضاً كنوع من العلاج لنوبات الصرع وتخفيض ارتفاع الدم الشرياني واضطراب فرط الحركة عند الأطفال واضطرابات النوم والولادة المبكرة وتخفيف الشعور بالألم الناجم عن الجروح أو ما بعد العمليات وهي تساعد في التفكير والتحليل والتأمل بسرعة اكبر ونوعية أفضل ولها القدرة على تغيير الاتجاهات النفسية الإيجابية للمستمع حيث تجمع الدراسات بان الموسيقى المريحة تؤدي إلى مزيد من التحسن في التحصيل العلمي والمهارات الأكاديمية وإنجاز المهمات الصعبة وتعطي دافعاً انفتاحياً للعقل البشري في الخوض بأفكار ومهارات خلاقة وتثري النفس بالثقة والمثابرة وقوة الدافعية.
7. كما وجد أن لها تأثيراً إيجابياً في تحسين الذاكرة والتركيز إذ أنها تستحث الخلايا العصبية المسؤولة عن الذاكرة الدقيقة فالنبضات القوية للموسيقى تحفز أمواج الدماغ مؤدية إلى مزيد من التركيز والتأمل وهي تعمل على استحثاث المراكز الدماغية المتنوعة التي ترتبط بالقدرات الإبداعية خاصةً في الشق الأيمن من الدماغ.
ومنذ القدم كانت الموسيقى تستخدم في تحفيز تعليم الرياضيات والعمليات الفيزيائية. كما اظهرت الدراسات نجاعة الموسيقى في معالجة اضطراب القدرات على التنظيم السمعي لفلترة المعلومات حيث أن الموسيقى تحسن من وظائف الأذن الداخلية وفي هذا المجال يقول العالم بورتنوي «إن الموسيقى تغير من عمليات الأيض في الجسم فيمكن أن تغير من ضغط الدم ومستوى الطاقة وعمليات الهضم وبنسبة تعتمد على نوعية الموسيقى المستخدمة» فالموسيقى الهادئة تؤدي إلى الاسترخاء الجسدي والنفسي فالاستماع لمدة (30) دقيقة يعادل تأثير جرعة عالية من عقار الفاليوم .
بيد ان انواعا منها قد يؤدي الى المرض فقد تكون كالسم للجسد فالدراسات التي اجريت على النباتات مثلا أظهرت انه عند تعريضها للموسيقى الصاخبة تعرضت للهلاك على النقيض من الموسيقى الكلاسيكية الهادئة التي سارعت في نمو تلك النباتات.
فالموسيقى سلاح ذو حدين قد تكون علاجية وقد تكون مرضية ويعتمد ذلك على نوع الموسيقى والاستجابة لها نفسياً وعصبياً وفسيولوجياً فإذا كانت الاستجابات سلبية فهي طريق للهلاك والمرض وان كانت ايجابية فهي إحياء للروح.
لذلك فانتشار الموسيقى بأنواعها سواء في الأسواق أو المطاعم أو المطارات أو القاعات والفنادق ليس أمراً عبثياً بل لأن الموسيقى تؤدي إلى الارتياح النفسي وعدم الشعور بطول الوقت مما يؤدي إلى الإقبال على الشراء وتناوله الطعام بأريحية في هذه الأماكن وبهذه الحالة تحقق الموسيقى أهدافاً تسويقية.
د. محمد عبد الكريم الشوبكي
جريدة الرأي أبواب
Accept the pain and get ready for success
المفضلات