اصنع أفكارك الإبداعية بنفسك

من منشورات مركز تطوير أداء المؤسسات اللاربحية في المملكة المتحدة


كثيراً ما تتولّد الفكرة العظيمة العمليّة من الجمع بين فكرتين سابقتين. مثلاً، الألماني غوتنبرغ الذي اخترع أول آلة طباعة في القرن الخامس عشر قام بالجمع بين فكرة الضغط في مكبس عصر العنب وفكرة قوالب سكّ المعدن التي شاهدها في دار سك النقود في مدينته. كان مكبس الطباعة ذو الأحرف المتغيرة قفزةً اختراقية استندت إلى تقنيتين معروفتين. كان ذلك الإبداع ربطاً بين عمليّتين أو فكرتين بدتا في ذلك الحين متباعدتين كل البعد.

يمكنك استحثاث بناء الأفكار في مؤسستك باستخدام أسلوب بلاطات أو بطاقات التفكير mind tiles، أي وضع الأشياء التي تبدو غير مترابطة جنباً إلى جنب لاستكشاف ما يمكن أن ينجم عن ذلك.


بلاطات التفكير؟

تعريف عمليّ:

المبدأ الأساسي وراء بلاطات أو بطاقات التفكير mind tiles بسيط وواضح: عليك أن تحاول توليد فكرةٍ ثالثة بالاستناد إلى حصيلة الجمع بين فكرتين سابقتين.

وفي أبسط التعبيرات عن ذلك فإنك تولد منتجاً ثالثاُ من منتجين حاليين، تماماً مثلما ابتكر غوتنبرغ مكبس طباعته.

مثلاً: كانت شركةٌ مرموقة لصناعة لوازم رياضة التزحلق على الثلج التقليدية skiing تبذل كلّ جهدها للارتباط بسوق الشباب، ومن خلال أبحاثهم تبين لهم أنّ هذا القطاع الذي بدا دسماً جداً كان ينظر إلى هذه اللعبة على أنّها من مخلّفات الماضي التي لم تعد ممتعةً للمرء ولا مبهرةً للآخرين.

وفي سعيها اللاهثٍ لبناء صورةٍ شبابية عصرية لجأت الشركة إلى طريقة بلاطات التفكير من أجل استلهام الحلول. كتبوا كلمة (زلّاجات skis) –أي تلك التي يُدخل فيها المتزلّج قدميه- على كثيرٍ من البطاقات ثمّ كتبوا على بطاقاتٍ أخرى الكثير من الأشياء التي تروق لجيل الشباب العصريّ لديهم مثل موسيقى البوب، وألعاب الفيديو، والرقص...إلخ

كان عليهم توليد الكثير من الأفكار حتّى تجدي معهم هذه الطريقة، وتقبّل أن معظم هذه الأفكار لن ينتهي بهم إلى شيء يذكر.

تخيّل جداراً واسعاً مملوءاً بالبطاقات الكرتونية التي تجمع كل منها بين فكرة أو شيءٍ ما عشوائي مرتبطٍ بالشباب وبين "التزلّج".

بعد هذه البداية خرجوا بمجموعةٍ من التراكيب الغريبة مثل: "زلّاجات" + "أجهزة الاستماع النقالة" = زلّاجات بموسيقى مدمجة. أو: "زلّاجات" + ألعاب كمبيوتر = لعبة تزلّج واقعية-افتراضية.

ومن بين التراكيب الكثيرة قفز إلى الانتباه التركيب التالي: "زلّاجات skis" + "لوح التزلّج ذو الدواليب skate board" = لوح تزلّج على الثلج snow board!

هل رأيت! إن رياضة التزلّج بالألواح على الجليد snowboarding لم يخترعها شاب ثوريّ حيويّ يعيش في أطراف نيويورك على الحركة الدائمة والنفور من كل مألوف وتجريب كل غريب، وإنّما خرج بها مستشارو تسويق كهول لا يكادون يعرفون الحركة والمغامرة في جلسة عصفٍ ذهني استخدموا فيها طريقة بلاطات التفكير. أجل هنالك أملٌ يرجى منّا جميعاً!

كيف تستخدم بلاطات التفكير في منظّمتك؟

يمكنك استخدام "بلاطات التفكير" في منظّمتك للخروج بمنتجات، أو خدمات، أو عمليات جديدة.

- أولاً عليك أن تقرّر غايةً واضحة.

سوف نستخدم هنا كمثال مؤسسة خيرية كندية مهتمةً بمعالجة المصابين بالسرطان. قرّرت المؤسسة استخدام "بلاطات التفكير" للعثور على طرق جديدة لاستخدام الإنترنت لتأمين التمويل.

- عليك أن تضع لائحةً بالمنتجات الحالية، بالمحافل والأحداث والأنشطة الهامة المرتبطة بهدفك.

وفي مثالنا قامت المؤسسة الخيرية الكندية بإدراج خمسةٍ وعشرين من طرقها الحالية لتأمين التمويل في اللائحة مثل: المنح المخطّطة، المحافل والمناسبات المهمة، التركات..إلخ

- بعد ذلك دوّن مفردات القائمة على بطاقات –والأفضل أن يكون لديك أكثر من بطاقة لكلٍ من بنود القائمة- في مثالنا قامت المؤسسة بتدوين نشاطاتها في تأمين التمويل على بطاقات كثيرة، إلى جانب بطاقات المدوّن عليها "إنترنت" -جماعياً، ولّد أكبر قدر ممكنٍ من التراكيب.

في حضور ومشاركة المجموعة كلّها ثبّت البطاقات على جدار عرض في سلسلة من التراكيب العشوائية واحرص على ورود كلٍ من التراكيب مرةً واحدة على الأقل.

وبعد ذلك ابدؤوا باستعراض التراكيب مفكّرين في المنتج الجديد أو الفكرة التي يمكن أن تجمع بين كلّ بلاطتين ثم اكتبوا هذه الفكرة الناتجة على بلاطة ثالثة.

مثلاً: قد تخرج المؤسسة الخيرية بالتركيبة التالية: "إنترنت" + "أحداث مهمة" = "ويبنر، أي ورشات العمل أو الملتقيات الافتراضية".

- حاول التوصل إلى أكبر عددٍ ممكن من النتائج لكل تركيبة، اترك التقييم إلى النهاية
أخيراً، وفي حضور ومشاركة المجموعة استعرضوا البطاقات وانظروا في إمكانية تركيب بعضها بأكثر من طريقة لتحصلوا على أكثر من نتيجة من العنصرين نفسهما (وهذا هو سبب الحاجة إلى أكثر من بطاقة لكل فكرة أو منتج).

من المهم الإشار ة هنا إلى أنّ تسعةً وتسعين في المئة من الأفكار الناتجة على الجدار ستكون مريعةً او مضحكةً أو على الأقل غير عملية.

ولكنّها أفكار إبداعية، وما يعنيك الآن هو الحصول على فكرةٍ واحدةٍ منها صالحةٍ للتطبيق.

عندما قامت المؤسسة الخيرية الكندية في مثالنا بهذه الخطوة توصّلوا إلى نحو ثلاثين فكرة جديدة، كان معظمها عديم الفائدة أو غير ممكن التطبيق.

ولكنّ واحدةً منها ("إنترنت" + "تركة") هي التي ولّدت الفكرة الناجحة: "توثيق الوصايا على الإنترنت".

تتلخّص هذه الخدمة في دخول المرء إلى موقع المؤسسة الخيرية ليجد برنامجاً خاصاً يساعده في كتابة وصيته وتوثيقها. وبعد الانتهاء يمكنه تنزيلها إلى حاسوبه وطبعها.

تكلّف الخدمة خمسين دولاراً –وهو مبلغٌ أقل بكثير مما تتقاضاه مكاتب المحاماة- وبالإضافة إلى كتابة الوصية وتوثيقها يمكن للمرء أن يتبرع للمؤسسة الخيرية في الوقت ذاته، وربما يوصي لهم بشيء من تركته، وهو ما فعله كثيرٌ من الناس حقاً.

مزيد من الأفكار لاستخدام بلاطات التفكير:

يمكن استخدام بلاطات التفكير في طيف واسع من الظروف ولأجل أهدافٍ متنوعة.

لابتكار طرقٍ جديدة في تقديم الخدمات، أو جني الأرباح، أو القيام بالمهمّات. وفيما يلي أمثلةٌ على ذلك

- عندما أراد "الاتحاد الوطني لمكافحة القسوة على الأطفال NSPCC" في المملكة المتحدة ابتكار مناسباتٍ جديدة لجمع الأموال، لجؤوا إلى طريقة بلاطات التفكير.

وبهذه التقنية توصلوا إلى الجمع بين نشاطين من أنشطة المناسبات لم يكن أحدٌ يرى أي صلةٍ مفيدة بينهما.

لقد جمعوا بين "سوق تصريف الأغراض المستعملة والأنتيكات" (حيث يتسلّى الناس ويعرضون أغراض بيوتهم المستعملة والصالحة للبيع كي ينتفع بها آخرون بدل تخزينها أو رميها ) وبين "زيارات دور السكن الأرستقراطية" وكانت النتيجة "سوق الأغراض المستعملة في القصر الأرستقراطي" حيث لا يسمح إلاّ بعرض أرقى الأنتيكات.

وقد ساعد هذا المفهوم الجديد اتحاد حماية الأطفال على جمع آلاف الجنيهات.

- بلدة صغيرة في أمريكا استخدمت طريقة بلاطات التفكير لتحسين تقديم الخدمات إلى مواطنيها.

فعن طريق بطاقات سّجلت عليها الأشياء التي يشكو منها السكّان ومحاولة الربط بينها وبين بطاقة الإنترنت توصّلوا إلى التركيبة التالية: "ساحات انتظار السيارات مزدحمة" + "الإنترنت" التي قادتهم إلى إنشاء موقع يحتوي معلومات دائمة التحديث عن أماكن صف السيارات في البلدة ويمكن الدخول إليه من أي هاتف خلوي.

وأنت أيضاً، يمكنك تدوين أهداف مؤسستك على مجموعةٍ من البطاقات، وعلى المجموعة الأخرى تدوّن أسماء الأفراد أو فرق العمل. وستكون النتيجة في هذ الحالة بطاقاتٍ ثالثة تبين طرقاً مقترحةً لمساهمتهم في تحقيق الهدف.

قد تجدُ اسم السيد باسم "موظف الاستقبال" على بطاقة، وهدف "بناء الخطة الإستراتيجية" على البطاقة المرتبطة بها وقد تكون النتيجة إلهامك البحث عن أفكارٍ وطرقٍ جديدة لتمكين (تحسين فاعلية ومشاركة) موظفي مؤسستك.

جرّب طريقة بلاطات –أو بطاقات- التفكير mind tiles في كل الأحوال. إنّها مفيدةً جداً في تغيير وتحسين طرق العمل واستكشاف الفرص وليس في حلّ المشكلات وحسب.

أهم الاعتبارات في نجاح طريقة بطاقات التفكير:

- في البداية لا بد من أن يكون لديك غاية واضحة.

- ينبغي أن يكون لديك جدار فسيح لاستعراض الأفكار (قد لا يفيد كثيراً إن لم تكن الأدمغة فسيحة أيضاً"

- وفّر كثيراً من البطاقات لكل الأفكار الداخلة في التركيب. (أكثر من بطاقة لكل فكرة أو عنصر في العملية)

- وفّر الجوَ المشجّع لتوليد الأفكار وعرضها

- احرص على القيام بالأمر والجميع وقوف، فذلك يشجع التفاعل ويحسّن توليد الأفكار

- استخدم أقلاماً مختلفة الألوان للكتابة على البطاقات.

- احرص على امتناع الجميع عن إصدار أي تصريحات أو تلميحات تنتقد أو تقيّم التركيبات الناتجة أو العقليّات وطرق التفكير التي أدّت إليها.

الهدف في مرحلة التوليد هو تحصيل أكبر عددٍ ممكن من الأفكار ولا شيء غير ذلك.

- حاول القيام بالعملية بسرعة كبيرة، فهذا يستحث المزيد من زخّات الإبداع بتلقائية وسرعةٍ أكبر.