جراح الغدر
آلام الماضي و جراحه
يا له من موضوع شائك و الخوض فيه يشبه المشي داخل حقل الألغام ..
و لكن دون الخوض فيه فسنقف على أحد جانبي الحقل و لن نتمكن أبدا من العبور إلى الناحية الأخرى حيث النجاة من ناحية و العزاء و السلوى عن آلام الماضي من ناحية أخرى
فلنخض فيه إذا
الآلام في غالبيتها تترتب على الجراح .. و هناك بعض الآلام لا يلزمها جراح
مم يحدث الجرح؟ و السؤال هنا مهم للغاية
أهو من الغدر ؟ .. و ذلك يعني بالضرورة وجود طرف آخر يقوم بالغدر
أم من التقصير ؟ .. و هنا يتوجب الصدق مع النفس
أم منهما معا؟
أم من أسباب أخرى يمكننا دفعها و مقاومتها ؟
أم من أسباب أخرى لا نقدر على دفعها و مقاومتها؟
فلكل مقام .. مقال
و لنتحدث الآن عن أولها .. و أكثرها شيوعا و هي الجراح المترتبة على الغدر
ماذا يعني الغدر؟
أهو خيانة الثقة ؟
أم خيانة الطموح و التطلعات؟ ..... و الفرق كبير
و في العادة نقع في الخلط بين الاثنين فنصنّف خيانة الطموح على أنها خيانة للثقة .. و أحيانا العكس و إن كان أقل حدوثا حيث نصنف خيانة الأمانة و الثقة على أنها خيانة للطموح
أين هو إذا الفرق الكبير الذي تتحدث عنه؟
الفرق يكمن ببساطة في المفهوم المشترك ( العام ) بين عامة الناس و المفهوم الشخصي ( الذاتي ) للفرد
و أقصد به مفهوم الثقة و الأمانة من الوجه العام ونفس المفهوم من الوجه الشخصي الخاص فبينهما فرق صغر أم كبر
غالبيتنا عندما نقع في الحب (بشكل عام و ليس بالضرورة حب الرجل للمرأة و حب المرأة للرجل) نقع بين دفتيّ البيت البليغ و البليغ جدا
عين الرضا عن كل عيب كليلة .. كما أن عين السخط تبدي المساويا
فنأخذ بالنظر إلى من نحب على أنه هو ما ينبغي لنا أن نحب و لا نفعل العكس ( أي أن ننظر إلى من نحب على هيئته الطبيعية الحقيقية)
و نسرف في إضفاء كل الصفات الجميلة عليه
فنصبغ الواقع بصبغة الخيال
و نسحب المستحيل على الواقع
و نُلبس الخيال ثوب الواقع
أو نكسو الواقع ثوب الخيال
و إن كان المحبوب قريبا من هذه الصفات فالمشكلة بسيطة
و لكنها كبيرة كبر الجبال إذا كان المحبوب في الحقيقة بعيدا عن هذه الصفات
و عندما نواجه الحقيقة يوما ما نفاجأ أيما مفاجأة
هل هذا هو من أحببنا؟
فإما أنه كان يخطط للغدر بنا حيث أنه ماكر و غدار بطبعه
أو أنه كانت هناك مؤشرات لذلك (الخيانة) و لكن الغشاوة التي وضعناها بأنفسنا على أعيننا أعمتنا عن رؤية تلك المؤشرات
قلت قديما و مازلت أقول و إن شاء الله سأظل أقول
قليل من الموضوعية في الحب .. كفيل بتجنب الكثير من الألم
فإن أدركنا حقيقة كونه غدارا و ماكرا بطبعه أفلا نحمد الله أن أظهر لنا حقيقته و كشف لنا سوأته
و الناس عند هذه النقطة صنفان:
صنف إيجابي : يأخذ العبرة من الخطأ و يدرك أن الغادر لا يستحق البكاء عليه .. و يمضي في طريق الحياة الصعب مسلحا بخبرة جديدة اكتسبها و " مناعة " نفسية و عاطفية تقوّي من منظومة إتزانه النفسي و العاطفي
صنف سلبي : تفقده التجربة صوابه و يستسلم للألم و يعشق الإستمرار في لعب دور الضحية حيث أن الإحساس بالشهادة له بعض اللذة التي تُغيّب الألم ( كالمسكنات و المهدئات) كما أنه يغنيه عن بذل أي جهد أو مشقة في سبيل الخروج من جو الألم المخيم على نفسيته و الذي عشّش في وجدانه وصولا إلى مرحلة استعذاب الألم و إدمانه
و هذه حقيقة علمية فالناس يمكن أن تعتاد اي شيء .. حتى الألم
الصنف الإيجابي بطبعه ليس لديه مشكلة كبيرة و لكنه يعرف كيف ينفض عن نفسه غبار الألم و صدأ المشاعر (السلبية) و لديه قدر من العزم يكفيه أن يضع الأمور في نصابها و يزنها بميزان العقل و الحكمة فيُنصّب من عقله مستشارا (و لا نقول وصيا ) لقلبه
أما الصنف السلبي فيلزمه أن ييسر الله له من يضيء له الطريق و يضع أمام عينيه التعامل مع الألم " بالمنطق"
بالضبط كما هو التعامل مع الخوف
و أثبتت آخر الدراسات في هذا المجال أن أفعل طريقة للتغلب على الآلام ( و كذلك المخاوف ) هي" مَنطًقة" الألم أو الخوف .. كيف ذلك؟
بأن أسأل نفسي أسئلة " منطقية" واقعية عما يؤلمني أو ما يخيفني .. ثم أرد عليها
مثال : هل من غدر بي يستحق الحزن لأجله؟
فالإجابة إما بنعم أو بلا
فإن كانت بنعم .. فأسأل نفسي .. إذا أين كان الخطأ؟
فإن كان الخطأ منه .. فهل يستحق أن أغفر له؟
نعم .. إذا لأغفر له .. ماذا يمنعني من ذلك؟
لا .. لا يستحق .. إذا لأنساه و لأنظر أمامي تاركا له الماضي بما فيه ناظرا إلى المستقبل الذي ابتغيه مسلحا بالخبرة التي اكتسبتها .. غير محكوم بعقدة الذنب و لا بإحساس التقصير .. كذلك متخففا من إحساس الضحية و لا متلذذا بإحساس الشهادة الذي يقضي على العزيمة و لا يترك مجالا إلا لجرجرة أذيال الخيبة .. و جلد الذات
فإحساس الضحية هو الهروب .. و لكنه الهروب للداخل و الإنزواء داخل أسوار "وهمية" و التي نظن أنها تحمينا ولكنها في حقيقة الأمر تعزلنا عن واقعنا و عن المحيطين بنا فنصبح كالغرباء دون غربة .
ترى مالفرق بين خيانة الثقة و خيانة الطموح و التطلعات؟ و ما أهميته؟
الثقة هي أن أتفق بشكل ضمني (اتفاق غير مكتوب) مع من أثق فيه على مجموعة من المبادئ و المفاهيم العامة و التي تنبع غالبيتها من المنطلق الأخلاقي مثل الصدق و كتم السر و التعاون ....إلخ و هناك خصوصية لهذا النوع من الثقة في علاقة الرجل بالمرأة و علاقة المرأة بالرجل و هي ألا يكون لأحد الطرفين علاقة عاطفية ( أو ما هو أبعد ) مع أي أطراف أخرى .. لأن الحب بطبعه أنانية و لا يقبل التجزئة أو التقسيم .. و من هنا جرى العرف على أن المفهوم العام للخيانة ( أو الغدر) غالبا ما يقتصر على هذه الخصوصية و هذا هو ما نعرّفه بخيانة الثقة.
ماذا عن خيانة الطموح و التطلعات؟
الطموح و التطلعات هي ما أحب أن يكون عليه من أحب من الصفات و الأخلاق و السلوك و اللمسات .. بمعنى أن يكون صادقا و لكن بمستوى أعلى من الشائع و المتعارف عليه و أن يكون أمينا و لكن بشكل أعمق من الشائع و المتعارف عليه و أن أجده حيث أريده و أن أفقده حيث لا أريده .. بمعنى أوضح أريده أن يكون على الصورة المثالية التي أبتغيها أنا و أن يتطابق تمام التطابق مع الصورة المثالية التي فصلتها و رسمتها في ذهني و مخيلتي للذي أحبه .. إذا هي الرتوش و اللمسات النهائية بعد أن تحددت الصورة الأساسية
و هنا أستطيع الجزم بأن الغالبية تقع في الخلط بين مقومات الصورة الأساسية و بين الرتوش
بين الأخلاق الأساسية و بين فضائل الإخلاق
بين الإخلاص و التفاني
بين التفرغ النسبي و الإنقطاع التام (للحبيب)
بين أن أكون في ذاكرته .. أو أكون كل ذاكرته
بين أن أشغل تفكيره .. أو أكون كل تفكيره
هنا ينبغي لنا أن نستحضر في ذاكرتنا أن الإنسان .. إنسان
مخلوق ككل المخلوقات .. ذو خلقة بشرية يعتريها النقص و النسيان .. بنسب مختلفة
بعض البشر لهم كمالات خلقية تقرب بهم من مصاف الملائكة .. و هم قلة
و على النقيض فالبعض الآخر لهم دنايا تنزل بهم حتى تحت مرتية الحيوان .. و هم أيضا قلة
و يتبقى الأكثرية
التي بها بعض الخير .. و بعض الشر
بعض الحسن .. و بعض القبح
بعض العدل .. و بعض الظلم
بعض المنطق .. و بعض الغوغائية
بعض النظام .. و بعض الفوضوية
بعض النظافة .. و بعض ال.............
و عندما نتعامل مع هذه الفئة فيصبح من قصور النظر أن نطلب منها ما هو أكثر من إمكانياتها .. ( إلا بعد تنمية إمكانياتها و هذا موضوع يطول شرحة و لكنه الواجب الذي لا يتم الواجب إلا به)
يصعب على من اعتاد " بعض "الكذب أن يكون صادقا خالصا
يصعب على من كان "ملتويا" الاستقامة التامة
يصعب على من كان "جافا" أن يبدو حنونا
يصعب على "القاسي" بطبعه أن يظهر عطوفا
يصعب على " بليد الحس " أن يكون شاعريا
و هنا لابد من الصدق مع النفس و إلزامها بقدر كبير من الواقعية و الموضوعية فكما الرجل به هذه الصفات .. فالمرأة أيضا بها نفس الصفات.
و كما هو مطلوب من الرجل أن يكون صادقا خالصا, مستقيما, حنونا, عطوفا, شاعريا ............ إلخ مطلوب من المرأة أن تكون كذلك .. و بنفس القدر إحقاقا لمقاييس العدل و الحق
فإن استطاعت المرأة فعل ذلك .... بصدق و ليس بالأمنيات و التظاهر .. فبكل تأكيد يستطيع الرجل ذلك
و هنا لا فرق بين الرجل و المرأة
فالصدق عملة واحدة لا تميز بين الأجناس
و كذلك الإخلاص مفهوم واحد لا ينحاز لجنس دون آخر
و جرى العرف على القول بأن الرجل أكثر خيانة .. مع أن الرجل الطبيعي لا يخون إلا إذا دفع للخيانة ..
أو استدرج للخيانة
و هنا لن أسأل من الذي يدفع الرجل للخيانة !!
أو من الذي يستدرج الرجل للخيانة !!
و أكذوبة يتم تداولها لتبرير الخيانة و هي أن المرأة لا تخون إلا مع رجل تحبه
و الخيانة أيضا عملة واحدة لا تنحاز لجنس دون آخر
و لكن هذا خلط من نوع خبيث جدا .. و هو الخلط بين الأسباب و المبررات
فأسباب الخيانة تختلف كثيرا عن مبررات الخيانة
المفضلات