التركيز –
تعتمد القدرة على التركيز على طبيعة العقل. إن المفهوم العامّ هو بأن القدرة على التركيز تعتمد على نوعية العقل أو طاقته أو قوته. على أية حال، تعتمد القدرة على التركيز، في الواقع، على درجة البهجة أو السعادة التي بها تكون نقطة الانتباه قادرة على تزويد العقل. إذا كانت وردة جميلة، سيركّز العقل عليها بطريقة طبيعية. أما إذا كانت الوردة ولسبب ما، غير ساحرة وجذّابة، سوف لن يبقى العقل مركّزاً عليه. أيّ شيء فاتن يجذب العقل. ويبقى العقل مركّزاً لمدة أطول إذا كانت نقطة الانتباه قادرة على تزويده بالسحر الأكبر والسعادة الأكثر. إن عقل الفرد له قوّة التركيز إلى أيّ حدّ. ليس من الضروري للعقل أن يكتسب هذه القوة لأنها موجودة في العقل. لا يستقر عقل الفرد على شّيء قبيح أو شيء لا يعطي السعادة. بل سينجذب عقل كلّ شخص إلى الشّيء الفاتن والمفرح. لذلك، يملك كلّ شخص قوّة التركيز إلى أيّ مدى.

إضافة إلى ذلك، إن الاختبار المشتركة هو بأن العقل لا يبقى مركّزاً على أي نقطة معيّنة. ويعود السبب لذلك، بأنه أينما يتنقّل الانتباه وإذا لم تنجح نقطة الانتباه في تزويد العقل بالسعادة الكبيرة، سينتقل العقل إلى حقل آخر من السعادة. لأنه لم يجد، حيثما كان، النقطة التي تعطيه البهجة العظيمة في العالم التي يمكن أن تروي عطش العقل بالسعادة الدائمة ، وهكذا يبدو بأن العقل لا يبقى مركّزاً بأية نقطة، إنه يريد دائما شيئاً ما - بعض التنوع، وشيء من السعادة الأكبر. عندما تكون الحالة على هذا المنوال وبعدم وجود أي شيء قادراً على أن يروي عطش العقل بالسعادة، هل من الممكن للعقل أن يبقى في نقطة واحدة ومركّزاً بها؟ إنّ الجواب، نعم. إنه من الممكن ذلك فقط عندما يمكن للعقل أن يكون مستنداً على الشّيء الذي يرضي عطشه بالسعادة. إذا تمكن العقل أن يجد السعادة الأعظم بطبيعة دائمة يمكنه أن يبقى مركّز.

منذ وقت الولادة، والعقل يتأرجح في البهجة العابرة؛ لهذا السبب يبدو وكأنّ العقل يتجوّل بشكل طبيعي. كان يعتقد البعض يشكل عام، بأنّ العقل مثل القرد يقفز من غصن إلى آخر. وبما أنه كان مقبولاً بأن تجوال العقل هو من طبيعته، لذلك، ومن أجل إحداث تغيّراً في طبيعة العقل من حالة التجوّل إلى الثبات، يعتقد البعض بأنّ الأمر يتطلّب أنّ تتم السيطرة على رغبات العقل. ولكن التجوّل ليس من طبيعة العقل، وإنه ليس ضرورياً السيطرة على العقل لجعله ثابتاً. وهنا يصح القول بأن طبيعة العقل في أن يبقى ثابتاً.

إذا كانت النحلة تطير من هنا إلى هناك في البحث عن رحيق الزهرة، فلا يجب أن نعتقد بأنّ الطيران هو من طبيعتها. إنها تطير لغرض أن تبقى ثابتة في الزهرة؛ فهي ستتجوّل طالما لم تجد الزهرة التي تحتوي عسلاً. لكنها وحالما تجد الزهرة، ستنزل النحلة عليها فوراً.

هناك غرض من الطيران. إنه ليس من طبيعة النحلة أن تطير؛ لا بل إن طبيعتها بأن تكون على الزهرة كي تمتص العسل.

هكذا، وبنفس الطريقة، يتجوّل العقل ، لكنّ ليس طبيعته التجوّل. يتجوّل لأنه لم يجد المكان للراحة أو والوسيلة للسعادة. إن العقل ليس مثل قرد؛ لا بل إنه مثل الملك. إن عقل كلّ شخص هو مثل ملك الملوك. سوف يذهب إلى المكان الذي يرغب في الذهاب إليه، هو يقوم بما يحبّ، وسيبقى حيثما يحبّ البقاء. إذا وجد الملك يتجوّل في بلاده، من الخطأ الاستنتاج بأن التجوّل هو من طبيعته. هو يتجوّل فقط في غياب العرش للجلوس عليه. في غياب المقعد الصحيح - العرش - يستمرّ الملك بالتجوال.

لن يجلس رجلاً محترماً في مكان غير مرتّب لا يستحقّه. لذلك، وبالرغم من أنّه ليس من طبيعة الملك البقاء تائهاً، فهو يفعل ذلك بالرغم من أنّ الأمر يبدو متعباً. وهو لن يجلس إلا إذا أمكنه أن يجلس على المقعد الذي يستحقّه.

بنفس الطريقة، ومثل الملك التائه، لن يرتاح العقل في أي مكان لا يستحقّه، ولن يقبل التنازل عن المكان الذي يستحقّه والذي يزوّده بالجاذبية العظيمة والبهجة والسعادة. في مثل هذا المكان حيث يرتاح العقل، سوف يجلس، ويتمتّع به، ويبقى متمتّعاً به. هكذا، من الخطأ الاستنتاج بأن التجوّل من طبيعة العقل.

إن أيّ عمل ينجز بالتوافق مع طبيعتنا سيسرّنا. وأيّ شيء ينجز ضدّ طبيعتنا يغضبنا. إذا كانت طبيعتنا في الركض، سنشعر بالتحسّن عندما يسمح لنا بالركض، أما إذا كانت طبيعتنا في الجلوس، سنشعر بالسعادة عندما يسمح لنا بالجلوس. إذا كانت طبيعتنا في الجلوس ويطلب منا الركض، من الطبيعي أن نصبح بؤساء ومتوترين.

نجد في حالة العقل، الذي لا يجد مكاناً للراحة والذي لا يجد وسيلة التمتع، ما يجعله يتجول هنا وهناك، ويبدأ بالشعور بالبؤس والتوتر. أما إذا كان التجوّل من طبيعة العقل فيجب أن يبدو العقل أسعد نتيجة للسماح له بالتجوّل أكثر فأكثر. وعلى نقيض ذلك، وفي أي حال، عندما لا يجد عقل الفرد مكاناً للراحة وعندما لا يحقق رغباته، يبدأ بالشعور بعدم الارتياح. وبما أننا رأينا بأنّ التجوّل ضدّ طبيعة العقل، فالطبيعة الحقيقية للعقل هي في أن يبقى ثابتاً. لكي نُبقي العقل مركّزاً في مكان واحد من الضروري فقط تزويده بالشيء الذي يحبّ. عندما نعطي العقل شيئاً فاتناً، يبقى ثابتاً؛ إنّ حالة ثبات العقل هي الحالة المركّزة للعقل.

هكذا، نجد أنّه لا يتوجب على العقل أن يكتسب قدرة التركيز، بل يجب أن نقتاد العقل إلى مكان من البهجة والسعادة العظيمة حيث سيبقى هناك بشكل طبيعي. يبدو أن العقل عموماً قد فقد قدرة التركيز لأنه كان يبحث عن شيء ما لوقت طويل. لكنّ وفي الحقيقة إن المسألة ليست في فقدان القدرة على تركيز، لأنه، وحتى في العالم الخارجي، نجد أن العقل قادراً على التركيز على شّيء يكون ساراً ومفرحاً بينما لا يكون قادراً على التركيز في شّيء قبيح. وذلك لأنه القبح هو ضدّ طبيعة العقل.