للاستكشاف الإنساني دلالتهُ على قصور العقل البشري ودلالته على كماله أيضاً، هو قاصرٌ لأنه مازال يستكشف ما يرفع جهله. وهو يرتقي في مراتب كماله بعد كل استكشاف حيث عرف ما لم يكن يعرف، وبعد أن حقق بمعرفته تقدماً باتجاه استكشاف آخر.تعالى الله (سبحانه) على الاستكشاف لأنه لا يحتاجه، الإله لا يحتاج، هو يعرف كل شيء بالمطلق، اللامحدود، بلا بداية تستلزم قبلا، أو نهاية تستلزم بعداً، وتلك بعض سمات إله. وهناك من لا يحتاج لأنه لا يعرف وأيضاً بالمطلق لأنه جماد، ولأنه لا يملك أداة تمكنه من أن يعرف، هو لا يملك عقلا. وبين الله وهو الأعلى في كل شيء، والجماد وهو الأدنى من كل شيء، تقبع مراتب الحيوان متفاوتة من الخلية الحية إلى الإنسان المنتصب، وبين هذه المراتب يرتقى كائن جميل نسميه (العقل).يحاول الإنسان الاكتشاف ليكون سعيداً، لكنه في أحيان كثيرة لا يكون، قد يكتشف ما يضره، أو ما يحزنه، أو ما يسيئه، أو ما يتمنى أن لو لم يعرفه، وتلك بعض نواقض السعادة. اكتشف النار والبارود والمحراث والزراعة والحاسب الآلي والانترنت والفضائيات ووسائل الاتصال فأدى به اكتشافه إلى الذهب وإلى الحرب وإلى السعادة على نسب متفاوتة، وكان موت في طريق الذهب والحرب معاً. وطلبَ الإنسانُ السعادة عبر الحب، لكن الحب لا يأتي دائماً بالسعادة كما نتخيل، قد يطلبُ الحب بعض التضحية، والتضحياتُ لا تُسعدُ المضحين في كثيرٍ من الأحيان، لكن المحب يتسامى ويخدع نفسه على رأي أبي الطيب:"تصفو الحياة لجاهل أو غافلعما مضى منها وما يتوقعومن يغالط في الحقائق نفسهفيسومها طلب المحال فتطمع"وصفاءُ الحياة لا يخلق السعادة، ولا القناعة بها يخلقُ السعادة، لأن الإنسان قد يقنعُ مضطراً وهو يُوهم نفسه أنه يقنع راضياً. والسعادة غير الراحة، الراحة في القلب السليم، وقد يسعد الإنسان وهو يُصارع الحياة بلا راحة ولا رغبة في الراحة لأنه يؤمل بالراحة بعد التعب، وفي أملهُ سعادتهُ، السعادة حلم نسبي. الخير وفعله لا يؤديان إلى السعادة دائماً، بعضنا يفعل الخير ليرى السعادة في وجوه الآخرين، وتقديرهم له هو فرحه لأنه أسعدهم، الفرح بهذه الطريقة سعادة مستأجرة، كالنائحة المستأجرة وليس النائحةِ الثكلى كما عبرت العرب. هل السعادة في فعل الخير لأنه خير، ولأنه جدير بالإنسان أن يكون خيّراً؟ هل تكون السعادة حينها أكمل وأجمل؟كل من تُحِب بصحة طيبة، قرينك بخير (زوجك، زوجتك)، الأبناءُ بخير، السكن متوفر، العلاج متوفر، المسجد والمدرسة متوفران، فلم لا يكون الإنسان سعيداً بعد ذلك؟ سيكون سعيداً إن رضي بهذا القدر، وهو قدر قد ترضى به الهرة في البيت، والأسد في الغابة، والقرد في غاية السعادة متعلقاً بين أغصانه في غابته، وقد توفر له ما يكفيه من موز وجنس ومرح وسكن ومجتمع قرودي متكامل. لكنها سعادة لا تليق بإنسان.تطور الكائنُ البشري حين انتصب على قدميه، ذاك أتاح له استخداماً أفضل ليديه، حين حرر يديه تفنن في صناعة ما يحتاجه ليصطاد ويقتل، وأيضاً ليحب أكثر، ليضع كفيه على من يُحب، وليشعل النار، ويخترع المحراث ويزرع، ويمرر بين يديه دقائق الجمادات فيصنع ويرتقي ويصبح الإنسان كما نعرفه اليوم. وليسعد، لكن ليس بالحب وحده، ولا بالخير وحده، ولا بتأمل الجمال وحده، ولا بأشياء كثيرة تخيل أنها ستجلب له السعادة، لكن بذلك كله أو بعضه إن فاته الكل، وهو فائته لا محالة.وبشيء آخر كمن فيه، هو في رغبته وإرادته في أن يكون كائناً مختلفاً عبر الاستكشاف والاكتشاف والرقي محملا بحس الاعتراض والنقد والمغامرة والتساؤل، أو لنقل قوة الإرادة في كل شيء.