هل تعرف أحدا لا يعاني المشكلات في حياته؟ لو أجبتني بنعم فليتك تعرفني بذلك الشخص فهو ولاشك ظاهرة تستحق الدراسة.
ولكن أغلب ظني أنك أجبت بالنفي...

فما سر أحاسيس السخط التي تصيب الكثيرين حال مواجهتهم لمشكلة ما في العمل أو في الأسرة أو غير ذلك؟
فلو لاحظنا أنفسنا – ومن حولنا أيضا – وجدنا أن ردود أفعالنا لا تكاد تخرج عن شريط الأفكار التالية: لماذا يحدث هذا لي بالذات؟ لقد فعلت كذا وكذا فكيف لا أجني الثمرات؟ ماذا فعلت لأستحق هذا؟ يالسوء حظي, أنا دائما مظلوم...تبدو هذه التعليقات مألوفة أليس كذلك؟
ولكن هذه النظرة للمشكلات تقليدية – بل مملة أيضا – فلنحاول مقاربة الموضوع بطريقة مبتكرة كنوع من التجديد الذي تكثر المطالبة به أخيرا في مختلف المجالات.فماذا لو كانت المشكلة الحقيقية ليست فيما يواجهك من صعاب أو عقبات أو إحباطات بل في طريقة تفكيرك بها و تقييمك لها... قد يبدو هذا كلاما نظريا وغير واقعي خصوصا لمن كان في خضم مشكلة ما

ولكن القصة التالية للاعب شهير في كرة البيسبول الأمريكية توحي بعكس ذلك..... فقد تعرض صاحبنا في بداياته لإصابة دائمة في ذراعه التي هي رأسماله, وطبعا دار في رأسه شريط الأفكار – الذي ذكرته في مطلع المقال – وظن نفسه مودعا مستقبله الرياضي...ولكن يبدو أن أباه كان رجلا فطنا فلم يسمح له بالاستسلام بل أجبره على الاستمرار في التدرب وكأن شيئا لم يكن. ورضخ الفتى لوالده وقلبه خال من الأمل بل مليء بالسخط والغضب. وجاء اليوم الذي لمحه فيه مدرب في أحد النوادي الكبيرة والذي لاحظ بعينه الخبيرة أن ضربة الشاب للكرة مميزة جدا وغريبة, وبعد أن تحدث مع الفتى وأبيه أصر على تبني موهبة اللاعب الواعد و تدريبه.. وأين أصبح الشاب؟ إنه الآن من أكبر وأشهر لاعبي البيسبول والسبب: إصابة ذراعه جعلت ضربته للكرة مميزة فعالة لا تتكرر من صاحب ذراع سليمة, ولو لم يفطن المدرب لذلك لأمضى الشاب حياته في يأس وسخط.
نعم.. قد تكون المشكلة مؤلمة ولكن التوقف طويلا عند الشعور بالألم يحجب عنا الخير الذي تحدث عنه نبينا عليه الصلاة والسلام حين قال: "عجبا لأمر المؤمن, إن أمره كله له خير, إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له, ولا يكون ذلك إلا لمؤمن". ففي باطن كل مشكلة أو حتى مصيبة خير كثير لمن يعقل.وهكذا نرى كل يوم أمثلة شتى لأناس تواجههم المشكلات بأنواعها, ففريق ييأس ويسخط وقد يشعر بالعجز والأسى على نفسه, وفريق يتوهج ذهنه ويبدع فكره في إيجاد الحلول جزئية كانت أم شاملة. وفي حين أن إبداعات الفنانين والشعراء و الكتاب تستحق الإكبار و الإعجاب
إلا أن الإبداع الأكثر فائدة بل الأجدر بالإعجاب هو الإبداع في التعامل مع الحياة والواقع في كل يوم و كل ساعة.