اكسر قيودك وتحرر وإنطلق
فلنفكر معا .. ما هو القيد؟
القيود أنواع منها في رأيي ما هو نسبي ومنها ما هو صريح ومنها ما هو في إطار الضوابط. النسبي هو ما تراه قيدا ويراه آخر غير ذلك، والصريح هو ما يبدو للجميع بشكل منطقي أنه قيد، وما يقع تحت الضوابط هو الدين وأحكام الشريعة وسأتحدث عن كل نوع على حدة.
ما جعلني أفكر في ذلك امرأة قابلتها تعيش في مستوى راقي جدا قضت سنوات طويلة مع زوجها في دولة أوروبية لها ولدين وبنت، وأثناء حديثي معها إكتشفت أنها عاشت عمرها في تعاسة شديدة لأن زوجها منعها من العمل فأصبحت تحدثني وكأنها عاشت في سجن وكأن نوافذ المنزل كانت بالنسبة لها نوافذ على الحياة التي حرمت منها.
حين ننظر للأمر من بعيد نجد أن هذه المرأة أوجد الله لها نعما يتقاتل عليها الناس ومع ذلك تركتها كلها وركزت على مشكلة واحدة فقط، ولم يكن التركيز على الحل بل كان التركيز على الشكوى.
هذا أول أسباب القيد النسبي
أن تسجن نفسك أمام بابا مغلقا متناسيا أن بالمكان أبوابا أخرى يمكن أن تطرقها لو توقفت عن حزنك على نفسك وعن رؤيتك المحدودة لموقف محدود وإنحصار تفكيرك في عدم وصولك لما تريد والتفكير إما في حل جاد للمشكلة التي تعيقك أو التطرق إلى أبواب أخرى قد تجد لنفسك فيها خيارات أفضل.
وإذا كان القيد نسبي معنى ذلك أن هناك آخرون لا يرونه قيدا وإنما قد يكون منتهى مرادهم مما يدل على أن الشخص قد يرى جانبا واحدا من هذا الموقف وهو الجانب الذي يعتبره قيدا أما الجوانب الأخرى التي تعتبر مطمع للآخرين فقد طمستها سيطرة الفكرة الأولى وعدم القدرة على التحرر منها بسهولة وإطلاق العقل ليُحلِل الجوانب الأخرى، وفي مثالنا نجد أن ما رأته هذه المرأة من قيد في عدم قبول الزوج لعملها تراه أخريات حرية لأنهن يعتبرن خروجهن للعمل إهدارا لكرامتهن بسبب عدم وجود سيارة على سبيل المثال وصعوبة الإنتقال والإختلاط في وسائل النقل أو لسوء الإختلاط في مجال العمل نفسه أو لأن العمل يأخذ وقت وجهد زوجة تريد التفرغ لبيتها وزوجها أو أنها فرصة للتفرغ لتحصيل علم وإفادة المجتمع وهي معززة مكرمة في بيتها.
السبب الثاني: الخوف من شئ ما
والخوف قد يكون من حدوث تبعيات للقرار تؤثر سلبيا على الحياة، أو الخوف من تأثير القرار على الآخرين والخوف من ردود أفعالهم، أو الخوف من شئ إفتراضي لا يوجد له أي أساس أو علامات منطقية ولكن مجرد هواجس وتشاؤم في غير محله.
إذا كان الخوف من التأثير السلبي للقرار هو أمر واقع ومنطقي لا محال له فالحل عدم الشروع في هذا القرار ومحاولة التأقلم على شكل الحياة بدونه أو إيجاد بدائل أقل تأثيرا.
وإذا كان الخوف من التأثير السلبي هو أحد الإحتمالات فإن الدراسة الجيدة للقرار وكيفية تطبيقه والتعامل مع سلبياته تغني عن هذا الخوف خاصة إذا تحرى المرء حدود الله في ما له وما عليه لتطبيق هذا القرار، وعليه المبادرة وعلى الله تدبير الأمر، والله على كل شئ قدير وهو سبحانه القادر على أن يرزقك من حيث لا تحتسب بما يتنافى تماما مع مخاوفك بل ما لا يزيدك إلا خيرا، وما كان الله ليضيع عبدا لجأ له مخلصا طالبا رضاه، وطالبا شئ من الدنيا يعينه على التقوى وحفظ حدوده سبحانه.
وفي أي الحالات فإن التوكل على الله وإختيار نية صحيحة ترضيه سبحانه واليقين في أن الله ييسر للذين آمنوا واتقوا أمورهم ويحفظهم، مسألة تُذِهب بالخوف عن قلب أي إنسان لأنه نقل المسئولية من ذاته العاجزة إلى قدرة الله التي ليس لها حدود.
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) – سورة الطلاق
وهذا التأثير لن يحدث إلا مع التسليم الكامل لله ولأوامره واليقين الشديد في قدرته، ولن يصل أحد إلى ذلك إلا إذا كان حاله مع الله هو حال التقوى، التي يخشى العبد فيها غضبه سبحانه ويحاول إرضاءه بكل ما يملك ويبحث في قوله وعمله عن أفضل ما يحبه عز وجل ويفعله ولو أنه يخطأ أحيانا وتزل قدمه أحيانا وينسى أحيانا إلا أنه يسترجع ويتوب ويعود إلى خالقه منيبا إليه.
الإطمئنان بالله أفضل وسيلة لقهر الخوف المبرر وغير المبرر.
القيد الصريح هو ما لا يختلف عليه أحد أنه قيد، الفقر ليس قيدا بدليل أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا عند الهجرة أفقر من أفقر العرب الآن، الظروف الأسرية ليست قيدا لأن الله وضع لنا ضوابط مرنة تكفل لكلا من الزوجين حرية الزواج والطلاق والزواج الثاني والخلع وكل له حقوقه وفي حالة الإلتزام بالحقوق كل شئ يسير بما يرضي الله، الظروف القاسية لغير المتزوجين ليست قيدا لأن حسن إدارة الموقف الأسري والوعي بإحتياجات كل فرد فيها من الممكن أن يحد من المشاكل وصنع مناخا سلميا في أحلك الظروف ومن المحن يأتي الفرج وكم من المواهب تتفجر في الأزمات، إذن هل نستطيع أن نقول أن الإعاقة البدنية مثلا قيد، ولكننا نرى معاقين يحققون طموحات لا يستطيع أن يقوم بها إنسان سليم بدنيا، هل السجن قيد، وكم من مسجونين ما كانوا ليعرفوا للناس لولا سجنهم بعد أن أبدعوا أثناء فترة عقوبتهم في الكتابة أو الدراسة، هل العقبات التي تقابلك أثناء تحقيق هدفك قيودا، ربما ولكن العقبات لها فوائد كبيرة إن تعاملت معها كما يجب دون إحباط ودون كلل وملل، فهي تثقلك وتعلمك وتجعل فكرك أكثر عمقا وتجعلك أكثر نضجا لاستقبال وصولك لهدفك وإدارته، هل تسلط ظالم قيد، ولكن الله أقسم بنصرة المظلوم ومع الصبر والاحتساب يحدث شيئين 1. يرد الله ظلم الظالم عليه و2. يعطيك ما يعوضك به ويبدلك خيرا مما أُخِذ منك، وحتى لو لم تشعر بأن الله ينتقم من ظالمك في الدنيا، ليس معناه أن ظالمك أفلت من العقاب، لأنك أولا لست مطلعا على تفاصيل حياته وثانيا لأن من يغضب الله عليه يمده عز وجل في طغيانه ليأخذه أخذ عزيز مقتدر، وأن تشغل بالك بمسألة الإنتقام شئ ليس صحيا لنفسيتك وحياتك فكأنما أضاع هذا الظالم حقق في شئ ثم أعنته أنت أن يضيع بقية حياتك بعد أن ذهب عنك بظلمه بأن سمحت لمشاعر حب الإنتقام أن تسلبك حقك في الحياة الهانئة، لا أقول أن تنسى ولكن قل حسبي الله ونعم الوكيل واطمئن بربك، ذلك لأن عقاب الظالم واقع لا محال ولكن اشغل نفسك بما أعطاك الله عوضا عن ذلك واحمده سبحانه عليه ولا تعتبر هذا الظالم قيدا لأنه ما كان ليفعل ما فعله لولا أن أراد الله، فالله هو الذي غير مسارك لحكمة لا يُسأل عنها فإن بيده الخير،
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (216) – البقرة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) - النساء
وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا (45) – النساء
القيد الوحيد الذي يصنع من الأحداث قيودا يكمن داخل عقلك: تكاسلك قيد، عدم مرونتك وإصرارك على فكرة واحدة لا تقبل تغييرها قيد، إرتباطك بالدنيا أكبر قيد لأنها تحث داخلك خوف ذهاب شئ من الدنيا، وهو الخوف الذي يكبل يديك عن إتخاذ قرارات هامة قد تنقلك إلى ما تحبه ببعض التوكل واليقين، تصورك أنك تستطيع أن تتحكم في الأحداث بالشكل الذي تريده قيد، لأنك وإن كنت تأخذ بالأسباب ولكن كيف تسير الأحداث مسألة ليست من شأنك تماما ويسيِّرها خالقها الذي بيده الخير سبحانه.
هنا أحب أو أورد ما قاله الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله في مسألة الضوابط الشريعة (أقوله بأسلوبي مما سمعته منه)، قال، إن كان الله قد قيد حركتك ببعض الضوابط فقد قيد من أجلك ملايين، لذا فإن المصلحة النهائية في صالحك. كما أن الضوابط هي نعمة من نعم الله فبدلا من أن يتركك سبحانه في الدنيا تبحث عن ما يضرك وينفعك وتجرب هذا وذاك وقد لا تصل إلى شئ، وقد تتعب في الوصول إليه أعطاك التعليمات تفصيليا في كتابه العزيز تسهيلا عليك لتصل إلى ما ينفعك بأقصر الطرق.
تغلب على الخوف .. واجه العقبات وحلها بما يتفق مع شرع الله في حقوق الآخرين والواجبات التي لك وعليك تجاههم .. ادرس قرارك بهدوء وحكمة .. لا تخشى فوات دنيا فهي لن تغني عنك من الله شيئا
أرجو تدبر هذه الآيات وحفظها في القلب
إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ (20) أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) – الجاثية
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) – آل عمران
المفضلات