كيف تصبح أكثر إبداعا
ما المراد بالإبداع؟

إن الناس يخلطون عادة بين الإبداع و التفرد، ثم يشعرون بعدها بالجزع لان تحقيق التفرد الحقيقي يبدو صعبا، و ربما مستحيلا. و لكن كلنا يملك القدرة على الإبداع؛ لأن الإبداع يعتمد على إقامة روابط جديدة بين الأفكار أو حتى بالمعنى الحرفي،بين الخلايا العصبية.
إن الإبداع هو أداة العقل في النمو، و قد ينطوي على قدر من المخاطرة ، و لكنه ينطوي دائما على الاكتشاف، فمن خلال خلق روابط جديدة، تبني قدرتك العقلية، وتنمي مرونتك الذهنية و مرونتك في التعامل مع الآخرين. ففي كل مرة تربط فيها بين شيئين، تخلق كيانا ثالثا. كما أن الرابطة الجديدة ذاتها يمكن أن ترتبط بأفكار و احتمالات جديدة أخرى، تصور كيف يمكن أن يؤثر ذلك على نظام مثل نظام عقلك ككل!
ان النتائج يمكن أن تكون مذهلة. لقد خطا "نيل أرمسترونج" خطواته الشهيرة الأولى على سطح القمر عام 1965 وقد غير هذا الحدث علاقتنا بالكون، و أثبت مهارة و إمكانية الابتكار البشري. لقد أرشدنا ذلك إلى أننا إذا أردنا شيئا بحق، و توصلنا إلى طرق لانجاز هذا الشيء، فسوف يكون بوسعنا أن نحل مشكلات كان يستحيل علينا حلها من قبل.
إننا نعتقد أن هذا الحدث قد منح الكثير من الناس شعورا بالتحرر و إيمانا راسخا بالقدرة البشرية, أما اليوم فهناك خطط بعيدة المدى لزيارة كوكب المريخ. إن تحليك بروح الإبداع على المستوى الشخصي يمكن أن يمنحك نفس الدفعة النفسية عندما تربط عقليا بين شيئين، حيث تتخطى بذلك الدود الخاصة بكليهما، وبذلك تكون لديك فرصة لخلق معتقدات جديدة عن نفسك و إمكاناتك. نذكر أننا في إحدى المرات تحدثنا مع مراهقة تهوى التعلم، و كانت تنظر إلى التعليم بوصفه شيء مشوق، إذ تقول:" أحيانا أشعر أن عقلي ينمو بالمعنى الحرفي".
إن الطفل يتمتع بقدرة طبيعية على الإبداع، و كل منا كان طفلا في يوم من الأيام، أي أننا كنا جميعا مبدعين، حتى إن لم نكن ندرك ذلك الآن بعقلنا الواعي. إن الطفل يظهر إبداعه من خلال الطريقة التي يكتشف بها البيئة التي تحيط به و هو يستخلص منها المعنى.فمثلا، عندما كانت "شارلوت" ابنة "ويندي" مازالت طفلة صغيرة، كانت تحب اللعب بالأواني المصنوعة من البلاستيك، و التي كانت "ويندي" تحتفظ بها في خزانة تحت حوض المطبخ، و كان كل ما على "ويندي" عمله هو أن تفتح لها هذه الخزانة لكي تبقى "شارلوت" سعيدة و منهمكة على مدى ساعات. هناك الكثير من الأطفال الذين يملكون أصحابا من وحي خيالهم،كما أنهم يخلقون عوالم بواسطة ألعابهم . إنهم ليسوا بحاجة الى دوافع أو معدات منمقة لفعل ذلك، و إنما يخرج المعنى من داخلهم من تلقاء نفسه.
إن الإبداع يعني إقامة روابط وصلات بين الأفكار؛ ولكي تصبح مبدعا يجب أن تعطي نفسك الإذن و الوقت لكي تقيم صلات بين أفكارك, إن الأمر يتعلق بتفاصيل العملية نفسها و ليس بنواتجها. يمكنك أن تكون مبدعا في العمل أو المنزل، أو في حل المشاكل، أو في أعمال الحديقة، أو في حسم الجدل. يمكنك أن تكون مبدعا في التعامل مع الكلمات، أو المواد، أو الأفكار، أو الطعام. كما يمكنك أن تكون مبدعا في التعامل مع البيئة المحيطة بك أو مع أفكارك.
هناك جانب هام أيضا في الإبداع، وهو أنه بثمر شيئا جديدا حتى إن كان كل مكون من مكونات الإبداع معروفا بالفعل و مألوفا. فما الأفكار الملهمة إلا شكلا من أشكال الإبداع؛ لأنها نتيجة جديدة توصلت إليها من خلال معلومة كنت تملكها بالفعل. إن الرؤية الجديدة هي التي تصنع الفارق.
أما الأهم من كل هذا فهو أن الإبداع يعود بنا إلى حالة لا تختلف عن تلك الحالة التي تشعر بها ابنة "ويندي" و هي أمام خزانة المطبخ، حيث تكون في حالة اندماج، و استمتاع بكل ما تفعل، و تتمتع بحالة تركيز كامل على كل التفاصيل، و لها رؤية واسعة و تسعد بحالة تشويق مرح. إنها تكون في حالة حب استطلاع و تساؤل عما قد يحدث إن جربت الأشياء المختلفة.

■ معوقات الابداع

إليك أكثر معوقات الإبداع شيوعا. انظر أي منهم ينطبق عليك:

◄الافتقار إلى الوقت – انه أمر في الواقع لا يتسم بالأهمية التي يبدو عليها.
إن عملية خلق الروابط بين الأفكار – التي نتحدث عنها – لا تستغرق أكثر من بضع ثوان، و يمكن أن تحدث في أي وقت و في أي مكان شريطة أن تكون في الحالة الصحيحة و أن تلتفت إلى تجربتك الخاصة، وهذا يعني أن الإبداع يركز بدرجة أكبر على نوعية الوقت الذي تقضيه، و حرية العقل في التجاوب مع النفس.

◄الخوف من أحكام الآخرين – و هذا الخوف هو قبلة الموت التي تفتك بأي جلسة لاستثارة الأفكار المبدعة. إن الإبداع يولد أفكارا غير تقليدية و ربما مختلفة تماما في بعض الجوانب. يمكن النظر إلى هذه الاختلافات بوصفها غريبة أو شاذة أو مثيرة للتحدي، و الخوف من أن ينعتك الآخرون بالغرابة أو الحماقة أو حتى مجرد الاختلاف من شأنه أن يقتل الإبداع.

◄الافتقار إلى تقدير الذات – إن قمت بشيء إبداعي، فأنت بذلك تتخطى حدود المألوف بالنسبة لك و ربما بالنسبة للآخرين,. أحيانا عندما يحدث ذلك، قد يخشى الشخص أن يبدو غريبا أو مخطئا لمجرد ن فكرته أو تصرفه أو ابتكاره يبدو غريبا أو مختلفا. عندما تكون غير واثق من نفسك، فان الاختلاف بأي شكل – حتى في الأفكار –يمكن أن يشعرك بأنك تخوض مجازفة كبرى. أما وجه الخطورة فهو أنك قد تتنازل عن أي فكرة ملهمة جديدة حتى تتآلف مع الجميع.

◄الخوف من الفشل- تكون بمثابة آلية معوقة بالغة السطوة. ولكن من خلال التعريف نستطيع القول انك تكون بصدد خلق روابط و موصلات عقلية جديدة، فلا يمكن أن يكون هناك ما يطلق عليه"خطأ" و "صواب". وهذا يعني أن الفشل يمكن أن يكون له معنيان:
_ أن الأمور لم تمض وفق رغبتك أو آمالك.
_ أن أفكارك الجديدة لم ترق لشخص آخر. و لكن ماذا في ذلك؟ فعلى مدى سنوات، ظل الناس يعربون عن إعجابهم بكم المشروعات الناجحة التي يملك"ايان" القدرة على ابتكارها،و كانوا يسألونه عن سر تلك القدرة ، وظل دائما يجيبهم قائلا بأن المشروعات التي يشير الها لا تمثل سوى عشرة بالمائة فقط مما يجوب في خياله. أي أن التسعين بالمائة المتبقية لم تجد، أو أنها لم تتخط حيز أوراق التصميم الى أرض الواقع.

إن الإبداع ليس حكرا على العباقرة من الناس. لقد كان "انشتاين" ذا ذكاء لامع، و لكنه ربما لا يمثل أفضل نموذج للابداع بالنسبة للكثير من الناس. انك لست بحاجة لأن تملك حتى خبرة متخصصة لكي تكون مبدعا، كما أن ثمار الإبداع يمكن أن تتجلى في المواقف اليومية التي تتكرر بشكل دائم.

و لعل مصمم الأزياء العالمي "كافي فاسيت" هو أصدق دليل على ذلك. فعندما كان في الثامنة و العشرين من عمره، لم يكن يملك أي سابق معرفة بالحياكة و مشغولات الصوف بالمرة، ولكنه بدأ يشغف بالألوان و أنواع أقمشة الصوف المختلفة. وبعد شراء ما يقرب من عشرين لونا من خيوط الصوف، كانت فكرته الأولى هي أن يجد خبيرا بأشغال الصوف لكي ينفذ له الأشكال و النماذج التي تصورها في خياله. ولكنه يقول : "مع الوقت طرأ لي أنني يجب أن أتعلم أشغال الصوف والتصميم بنفسي... وعلى مدى السنوات القليلة التي تلت ذلك، تجاهلت كل القواعد التي كانت تبدو و كأنها تشل معظم القائمين بأشغال الصوف مما كان يدفعهم إلى الالتزام بالملابس أحادية اللون. بدأت أعبث و أمزج الألوان و الأنسجة و أصنع عقدا في منتصف صفوف الخيوط، كما استخدمت ما يقرب من عشرين لونا في الصف الواحد في بعض أعمالي الجريئة"

لقد أحدث هذا المصمم ثورة في عالم النسيج. فقد كان يستخدم أبسط الغرز(حيث لم يكن "خبيرا") مما كان يسمح للألوان والنسيج و النموذج بإبراز و رسم التصميمات التي كان يتصورها في عقله. و صار يلقي محاضرات ويقيم ورش عمل، وكان أحد أهم أهدافه هو أن يقنع الآخرين بأنه " يمكنهم أن يخلقوا شيئا بارع الجمال و مثريا للحياة". ولكن الناس كانوا يرجعون سر نجاحه لكونه بدأ حياته كرسام، وبالتالي اعتبروا أنه كان يملك بعض الخبرة الأساسية التي تنقصهم، وفي ذلك يقول "كافي فاسيت":" أريد أن أقول إن الإحساس بالألوان ليس شيئا تلقائيا نولد به، و إنما هو حس مكتسب تكتشفه و تعيد اكتشاف أسراره بالخلط و اللعب بالألوان، ولكن ما هو أهم من ذلك هو أن تحرص دائما على المراقبة والنظر".

إن تشككت في أي وقت من الأوقات في قدرتك على الإبداع، ذكر نفسك أنك تنسج أثناء نومك حلما جديدا خمس أو ست مرات في الليلة الواحدة؛ و هو حلم تكتب أنت قصته و تخرجه و تمثله و تشاهده،و يمكن أن يشمل حواسك كلها مع تغيير الأوقات و الأماكن، كما يمكن أن يكون له أثر يدوم لفترة طويلة حتى بعد انتهائه. وحيث إن الحلم يعد إبداعا بلا أدنى جهد، فان معظم الناس لا ينظرون إليه بوصفه كذلك!.