العزوف عن القراءة الجادة
بين الحقيقة والخيال...



الحمد لله القائل :



( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2}



اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5})



( سورة العلق : ١ - ٥ ) .



والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله الذي بعثه الله تعالى نبياً أُمياً فعلَّم به العُلماء



وفقَّه الفُقهاء ، ودرّس العُظماء



وخرَّج الفُضلاء الذين طافوا الأرض موحدين ومُجاهدين ومُعلمين للناس ، وبعد ؛

فعلى الرغم من سعة انتشار المقولة التي تزعُم أن شبابنا عازفٌ عن القراءة في الغالب



إلاّ أنني لا أتفق مع ذلك الزعم الذي أرى أنه مُخالفٌ للواقع



الذي يُنبئ بأن هناك الكثير ممن يقرأ ، بدليل ذلك الكم الهائل



الذي تقذف به المطابع في كلٍ يومٍ تطلع شمسه من المطبوعات المُختلفة



التي أجزم أنها في ازدياد؛ الأمر الذي يدُل على أن هناك قُراءً يقرؤون .



ولكن السؤال الذي يُفترض أن يُسأل هو :



ماذا يقرأ الشباب في مجتمعنا ؟

وهنا أقول إن معظم الشباب - وللأسف الشديد -



لا يقرؤون إلا بعضاً من الصفحات الرياضية أو الفنية



أو صفحات الأدب الشعبي في الصحف اليومية



أو المجلات الملونة الزاخرة بكل سخيفٍ من الأخبار والأشعار



والأطروحات والأفكار والروايات والألغاز ونحو ذلك من المواد الصحفية



التي يمكن القول : إنها في مجموعها لا تُضيف شيئاً من النفع أو الفائدة للقارئ



ولا تمنحه شيئاً من الثقافةً والوعي المطلوب تحقيقهما من عملية القراءة



التي تُعد ثقافةً في حد ذاتها ؛ فالقراءة المطلوبة من الجميع هي تلك القراءة المفيدة



التي تُضيف إلى رصيد القارئ شيئاً من الثقافة والوعي والعلم والأدب والمعرفة



وما لم يتحقق ذلك أو بعضه فالقراءة غير مُجدية



ولا فائدة منها ، بل إنها تكاد تكون نوعاً من العبث .




وهنا أُشير إلى بعض الجوانب التي يمكن أن تكون



من أسباب عدم إقبال الشباب على القراءة المطلوبة



التي يُرجى منها النفع والفائدة ، ومنها ما يلي :

كثرة المُلهيات التي لا تسمح بالوقت الكافي للقراءة ، ولاسيما في هذا العصر الذي تعددت وتنوعت فيه الوسائل التقنية بشكلٍ مُذهل في شتى المجالات الأمر الذي أوجد بديلاً لعملية القراءة عند الكثيرين وبخاصة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ، والألعاب الإلكترونية ، والكومبيوتر ، والإنترنت ، ونحوها .




ضعف الهمة عند كثيرٍ من الشباب ، ولعل ذلك راجعٌ لعدم التدرب منذ الصغر على عادة القراءة التي يُفترض أن تبدأ مع الإنسان منذ الصغر لتُصبح جزءاً من حياته .




ارتفاع أسعار الكتب والمطبوعات التي يُرجى منها النفع والفائدة ، وهذا من أهم الأسباب التي يُفترض أن تخضع لعملية الحل العاجل ؛ فنسبة الأمية في المجتمع العربي بعامة ، تفرض وتوجب على المجتمع والمعنيين فيه أن تكون أسعار الكتب النافعة والمفيدة منخفضةً وميسورة وممكنة لجميع الفئات ، أما أن تكون الصحف والمجلات بأسعارٍ زهيدة مقابل ارتفاع أسعار الكتب ونحوها ، فإن الإقبال على الأولى سيكون أكثر بلا شك .




انخفاض نسبة الوعي الاجتماعي بعامة ولاسيما عند فئة الشباب بأهمية القراءة وضرورتها للإنسان في الحياة العامة ، ولذلك أقترح أن تكون هناك حملة وطنية توعوية تتبناها جهة حكومية رسمية ( فاعلة ) مثل وزارة الثقافة والإعلام للتشجيع على القراءة بين جميع الفئات المجتمعية ، والحث عليها على غرار ما يحدث الآن في بعض الدول التي نظمت حملاتٍ ومهرجاناتٍ تحت اسم ( القراءة للجميع ) ، وحددت له مدةً زمنيةً كافية في محاولةٍ منها للقضاء على هذه المشكلة والإسهام في حلها بأن تكون هناك حوافز وهدايا ومكافآت تشجيعية للقراء المتميزين من أبناء المجتمع على مستوى الأُسرة والمدرسة والجامع والجامعة والنادي ومكان العمل وغير ذلك من المؤسسات والمرافق في المجتمع .




أن قطاعاً كبيراً من القراء ولاسيما من فئة الشباب يعد مسألة القراءة من المسائل الثانوية ، فهي تتم إذا حصلت من أجل التسلية وشغل وقت الفراغ ونحو ذلك ، وهذا من الخطأ الذي يحتاج منا إلى أن نصححه جذرياً بالقول والعمل ؛ إذ إن عملية القراءة في حقيقتها تُعد من الضروريات المُلحة التي لا غنى للإنسان الواعي عنها فهي السبيل لأن يُضيف إلى رصيده المعرفي بعامة كل جديدٍ ومُفيدٍ ، ولأنها بمنزلة النافذة التي يطل منه القارئ على العالم من حوله .




فيا من يهمكم الأمر ويعنيكم الشأن ، البِدار البدار إلى تدارك الأمر ، ومحاولة البحث عن حلولٍ مُناسبةٍ ومُلائمةٍ لهذه المُشكلات المتداخلة التي أجزم أن حلّها وإمكانية علاجها ليس أمراً مُستحيلاً ، وأن مجرد تفادي بعض الأسباب السابق ذكرها كفيلٌ - إن شاء الله تعالى - بالقضاء على جزءٍ كبيرٍ منها . والله تعالى نسأل أن يأخذ بأيدينا إلى ما فيه الصلاح والفلاح والنجاح



بقلم الدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية المساعد
ومدير مركز البحوث التربوية بكلية المعلمين في أبها