- الثروة والسعادة(Wealth & Well being) :





ما زلنا في بحثنا عن السعادة نعجب:
"هل الثروة تجلب السعادة..؟؟".
فإذا كانت القلة تعتقد بقدرة المال على شراء السعادة، فإنّ الكثيرين يعتقدون أن مالاً أكثر قليلاً سيجعلهم أسعد قليلاً مما هم عليه. إضافة إلى ذلك فإنّ الحلم الأمريكي منذ 1970 أصبح حياة وحرية وسعياً وراء المال. ففي عام 1995 أعلن 74% من المهاجرين الجدد إلى الولايات المتحدة أنّ الهدف الأساسي أو الأكثر أهمية في الحياة هو أن تكون غنياً، وهذا يعادل ضعف الـ39% الذين أعلنوا نفس الشيء عام 1970 وهذا الهدف يعلو قائمة التسعة عشر هدفاً الحياتية، متقدماً بذلك على إقامة عائلة – ومساعدة الآخرين وقت الشدة.


هل الثروة والسعادة – حقا – متلازمتان ..؟؟


فلنحذر ثلاثة أسئلة مختلفة ومحددة حول السعادة والثروة: بين البلدان المختلفة، داخل نفس البلد، وعلى اختلاف الوقت.
أوّلاً: هل الناس في الدول الغنية أكثر سعادة من غيرهم في الدول الأقل غنى..؟؟
هناك اختلاف واضح بين الدول في ذلك: ففي البرتغال أعلن شخص واحد فقط من كل عشرة أشخاص أنّه سعيد جدّاً، بينما في هولندا صرّح أربعة من كل عشرة أشخاص بأنهم سعداء جدّاً.
قد تكون الثروة القومية مسؤولة عن هذا الاختلاف بمعنى أنّ الارتباط بين الثروة والسعادة – بالفعل – ارتباط إيجابي (رغم بعض التقارير المعاكسة التي أفادت بأنّ الأيرلنديين في الثمانينيات من هذا القرن كانوا أكثر سعادة من الألمان الغربيين!).
لكن هذه الثروة القومية ذاتها ترتبط بعوامل أخرى مثل منظومة الحقوق المدنية، الحرية، كم السنوات المتوالية من الديمقراطية والتي ترتبط جميعها بالشعور العام بالرضا.
ثانياً: داخل نفس البلد: هل الأغنياء أسعد ..؟؟
في البلدان الفقيرة كالهند وبنجلاديش، وجد أنّ الثراء المادي ليس ذا مدلول كبير في ميزان السعادة. إذ إنّه بمجرد أن يكون الشخص قادراً على الوفاء بالتزاماته الحياتية اليومية فإنّه لا يحفل كثيراً بزيادة ثروته، بينما في أوروبا والولايات المتحدة لاحظ العالم السياسي رونالد انجلهارت Ronald Anglehart أنّ الارتباط بين الثروة والسعادة ضعيف، بل يمكن تجاهله. حتى الأغنياء جدّاً، الذين تم استطلاع آرائهم بواسطة فوربس FORBES، فإن مائة من هؤلاء الأكثر ثروة كانوا فقط أسعد قليلا من المواطن الأمريكي العادي، ولوحظ أيضاً أنّ هؤلاء الذين زادت مدخولاتهم خلال السنوات العشر الأخيرة لم يبدوا أكثر سعادة ممن لم تزد دخولهم في نفس الفترة. كما ترجح الدراسات أن هؤلاء الذين يفوزون بورقة يانصيب رابحة، يربحون – فقط – دفعة من الفرح "المؤقت". ويبدو أنّ الثروة مثل الصحة: غيابها التام يجلب المأساة، والولع بها لا يضمن السعادة. ويبدو أيضاً أنّ السعادة ليست في أن نملك ما نريد بقدر ما هي أن نريد ما نملك.
على الجانب من مصادفات الحياة يقف ضحايا المآسي. ولقد اندهشنا بالفعل حين وجدنا أنّ الأثر البعيد المدى لأحداث الحياة الجيدة والسيئة على السواء – يمكن اهماله – فالمعاقون يعايشون نفس القدر – القريب من الطبيعي – من السعادة، بما في ذلك المشلولون من ضحايا حوادث السيارات والذين يعودون إلى نفس قياس السعادة السابق للحادث. فعلى سبيل المثال أعلن الممثل السينمائي كريستوفر ريف Christopher Reeve– صاحب أدوار السوبرمان بعد أربعة أشهر من حادثه المأساوي والذي انتهى به إلى حالة الشلل الرباعي: "أنها متعة عظيمة أن تكون حيا".
فإذا كانت قدرتنا على التكيف عالية، فإنّه خلال ثلاثة أشهر يختفي الأثر العاطفي للأحداث الجيِّدة والسيئة على السواء وتعود العاطفة إلى سيرتها الأولى في التفاعل مع الأحداث الجديدة.
ويظن العالم والسياسي الأمريكي بنجامين فرانكلين Benjamin Franklin أنّ السعادة لا تهبها قطعة كبيرة من الثروة بقدر ما تهبها المزايا الصغيرة التي نحصل عليها كل يوم. وهكذا يقع البشر تحت التأثير القصير المدى للأحداث متناسين التأثير الدقيق الممتد للمزايا التي يحصلون عليها يومياً.
وبملاحظة أنّ الحصول على مبلغ ما من النقود يعطي شعوراً منعشاً فإنّ الناس – وبشكل خاطىء – يصدقون الصورة الهوليودية لمن هو سعيد – الغنى، والمشهور، والجميل – بغض النظر عن تلك البلايين التي تنفق على مستحضرات التجميل والثياب وأدوية التخسيس.
ثالثاً: هل أصبح الناس أكثر سعادة – بمرور الوقت – حين أصبحت مجتمعاتهم أكثر وفرة..؟؟
في عام 1957 حين كان الاقتصادي جون جالبرايت John Galbraith على وشك وصف الولايات المتحدة بأنّها "مجتمع الوفرة"، كان متوسط دخل المواطن الأمريكي – بحسب الدولار ذلك الوقت – 9000$ سنوياً. ثم أصبح متوسط دخل الفرد السنوي 18 ألف $ بمعنى تضاعف الوفرة، بما في ذلك تضاعف القدرة الشرائية للنقود – إضافة إلى أننا نأكل ضعف حاجتنا، وأننا نملك أعداداً مهولة من أجهزة التكييف، وغسالات الصحون، واسطوانات الليزر وأجهزة التليفزيون الملون.
فهل المواطن الأمريكي أكثر سعادة مما كان عليه قبل 38 عاماً ..؟؟
منذ عام 1955 فإن نسبة الذين أخبروا المركز القومي لأبحاث الرأي بجامعة شيكاغو أنهم سعداء جدّاً قد هبطت قليلا من 35% إلى 30%. بالمقابل تضاعفت معدلات الطلاق، زادت حالات الانتحار بين المراهقين إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، ووصلت معدلات الجريمة العنيفة إلى ستة أضعاف، وانفلتت معدلات الإصابة بالاكتئاب. وهو الحال ذاته في أوروبا واليابان. حقيقة أنّ الناس في هذه المجتمعات الغنية يتمتعون بغذاء أفضل، ومستوى أعلى من الرعاية الصحية والتعليم، وبقدر ما هم أكثر سعادة من غيرهم في المجتمعات الفقيرة. إلا أنّ الزيادة الحقيقية في الدخل المادي لم تكن مصحوبة بزيادة في مقدار السعادة – هذه النتائج تلقي قنبلة في وجه المجتمعات المادية الحديثة:
إنّ النمو الاقتصادي في مجتمعات الوفرة لم يحقق تقدماً ملموساً على المستوى الروحي للإنسانية.