يقول الرسول صلى الله عليه وسلم مبينًا عظيم أهمية الوقت، وعظم مسؤولية كل إنسان عن وقته، وخطورة إضاعة العمر لما لا ينفع: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه وعن علمه فيم فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه» رواه الترمذي والدارمي.


إن الوقت من أعظم الثروات التي يملكها الإنسان، وللأسف فإنه أكثر شيء يبذله ويهدره ولا يبالي، وإن الوقت ليس أغلى من الذهب كما يقال فحسب، بل إن الوقت لا يقدر بثمن، لأن كل شيء يمكن استعاضته واستدراكه إلا الوقت فإنه إذا مضى لا يعود. إن الدقائق ثمينة ومجموعها هو عمر الإنسان وحياته، وأي شيء أغلى من الحياة؟ وإن كل دقيقة تمضي من عمره إنما تنقص الوقت المتاح أمامه وتضيّقه، وإن عدم استغلال الوقت واستثماره بالشكل الصحيح قد يفوت على الإنسان فرصًا عظيمة، وإنه في دقائق معدودة قد يفعل الإنسان الشيء بل الأشياء الكثيرة المفيدة النافعة التي تعود عليه بالمنافع المادية والمعنوية الكثيرة في عاجل أمره وآجله. كما أن تأخير ما يجب البت به أو إنهاؤه عن الوقت المناسب وربما العاجل قد يسبب فقدًا لأمور مهمة، أو تأخيرًا وتعطيلًا لعجلة النجاح وأعمال الآخرين، أو خسائر كبيرة في بعض الأحيان، وكل ذلك كان بلإمكان تداركه وتلافيه لو كان هناك استغلال حقيقي للوقت وأنجزت الأعمال في وقتها دون تأخير، واتخذ القرار المناسب في وقته.


القياديون والوقت

القياديون (والأشخاص الفاعلون الناجحون) مثابرون وأصحاب همم عالية وطموحات نبيلة مستمرة، وقد أخذوا على أنفسهم عهدًا دائمًا بتحقيق النجاح والظفر والنمو لكل منظمة يتولونها ويؤتمنون عليها وفي كل مسؤولية يباشرونها. ولذلك فإنهم يقيسون نجاحاتهم وتطويرهم وعلاجهم للمنظمات وللأعمال والعاملين ويلمسونها بالأيام والأسابيع وليس بالشهور والسنين، إنهم يرون في كل يوم أثر جهودهم وأعمالهم ويلمسون في كل أسبوع جديد نجاحًا وتطورًا جديدًا؛ لأنهم يستغلون أوقاتهم فيها أحسن استغلال. إنهم يحسنون التوجيه وصنع القرارات تلو القرارات لا يترددون بها، للقادة والمنفذين الأكفاء الأمناء أولًا، ثم بالاستغلال السليم لوقتهم، والتوزيع الصحيح للمهام والمسؤوليات والصلاحيات، مع إشراكهم في النجاح باستمرار، ليساهم الجميع في تسريع عمليتي النجاح والتقدم الشامل للمنظمة، وفي تذليل جميع العقبات التي تعترض ذلك، كما أنهم يحسنون الاستفادة من كافة الإمكانات والموارد المادية والمعنوية المتوفرة ويستخدمونها أحسن استخدام، ليعظموا المنافع ويقللوا الخسائر والفاقد من الوقت والجهد والمال والموارد المختلفة، وهم كذلك مبادرون في العلاج الجذري للمشاكل والعقبات وفي التطوير المستمر، إنهم يمارسون الإدارة القيادية الشاملة ليحققوا النجاح والاستقرار والنمو الشامل. إنهم أصحاب أمل وسعي مستمر ومثابرة مستمرة نحو إمكانية تحقيق الأفضل، والحصول على نتائج أكبر، وإمكانية تحقيق المزيد من النجاحات، وإن القادة العظماء لا يصيرون كذلك حتى يقضوا وقتهم بمعالي الأمور ويبذلوا نفيس الوقت من حياتهم فيها.


حفظ الوقت من خلال التفويض والتخطيط السليم


لقد تم الحديث عن فوائد التفويض وأولويات المدير القيادي بشكل مفصل في فصل «منح الثقة وتفويض الصلاحية»، وتلك الأولويات هي التي تأخذ جل اهتمام المدير القيادي، أما الأمور الاعتيادية المتكررة فإنه يكتفي بوضع الضوابط والسياسات والإجراءات العامة لها ثم يفوضها لمرؤوسيه. إن التفويض المنظم والمنضبط إحدى الوسائل المفيدة والمهمة التي تحفظ وقت المدير القيادي وتخفف من أعباء العمل وضغوطه عليه، وتركز جهوده للعمل الاستراتيجي والكبير والأهم في تطوير المنظمة وتنميتها ماليًا ومعنويًا وبشريًا وإنشائيًا، وفي تنمية أصولها الثابتة، وفي علاج وتذليل الصعوبات التي تعترض تحقيق ذلك.
أما التخطيط فيعتبر أساسيًا وغاية في الأهمية في الاستفادة القصوى من الأوقات الحاضرة والمستقبلية، وفي تحديد الوجهة وعدم إضاعة الوقت في بنيات الطريق وفي الارتجال والعشوائية، التي تستنزف الأوقات والجهود، وقد تؤدي إلى نتائج كثيرًا ما تكون باهظة التكاليف على المنظور الاستراتيجي، وسبق التفصيل في ذلك في فصل «التخطيط السليم». إن التخطيط السليم ليس للأشهر والسنوات القادمة فحسب، بل هو لكل أسبوع وربما لكل يوم في بعض الأعمال حيث يتم قضاء جزء من الوقت في الصباح الباكر في جدولة أو مراجعة الزيارات والأعمال المراد إنجازها والقيام بها. إنه وسيلة أكيدة المفعول في حفظ الوقت على المستوى الاستراتيجي والسنوي والشهري والأسبوعي واليومي، وأساسي في تركيز وتنظيم الجهود والأعمال وتوجيهها نحو تحقيق النجاح والنمو للمنظمة وللمديرين وللأفراد.


أهمية الرؤيا والأهداف الواضحة في حفظ الوقت


يقول سامي سلمان: إن من معوقات الاستفادة من الوقت الضائع هو عدم وجود أهداف. وإن الهدف لكي يكون ممكن التحقيق، ينبغي أن يكون محددًا من حيث الحجم والوقت، وأن يكون ذا نتيجة محسوبة قابلة للتحقيق بشكل معقول. إن عدم وجود الأهداف يجعلك ترتبط بمختلف أشكال النشاطات التي لا تساعدك فعلًا في تحقيق أهدافك الحقيقية، ولذلك فهي تسهم في تبديد وقتك وإضاعته.


إن وجود رؤيا وأهداف واضحة ودقيقة وأنشطة محددة مسألة أساسية وجوهرية في حفظ الأوقات واستغلالها في الأشياء الصحيحة والاتجاهات الصحيحة، وفي تعظيم الاستفادة القصوى من الوقت وحسن استغلاله، وفي تركيز جهود المنظمة وأعمالها وجهود العاملين فيها وأعمالهم وأوقاتهم باتجاه تحقيق تلك الرؤيا والأهداف والتميز في تلك الأنشطة والأعمال، وفي تجنب إضاعة الوقت في أي قرارات وأعمال وأنشطة تنحرف عن هذه الرؤيا والأهداف والأنشطة وتؤدي إلى استنزاف الأوقات والأعمار والجهود، وقد تؤدي إلى التيه والضياع وإلى التخبط والنهايات غير الجيدة، وهذا ليس في حق المنظمات والمديرين فحسب، بل إنه ينطبق تمامًا على حياة كل شخص.


كما أن حسن استغلال الوقت واختصار الضائع أو المفقود منه أو الذي لا ضرورة له، يجب أن يكون مغروسًا ومضمنًا في السياسات والإجراءات والنماذج والأنظمة الآلية، وفي توزيع المهام والصلاحيات وفي تصميم الهيكل التنظيمي والأوصاف الوظيفية وغيرها، بحيث يكون هاجس الزمن واحترام الوقت والحرص على اختصاره واستغلاله حاضرًا دائمًا عند إعدادها وتصميمها وعند مراجعتها وتحديثها، ناهيك عما ينتج عن ذلك من زيادة فاعلية وكفاءة الأداء، وتعظيم الإنجاز، وتقليل التكاليف، والمساهمة في الزيادة الكلية للإنتاج، وحفظ الموارد المختلفة بما فيها الأوراق والمراسلات.


المدير القيادي نشيط ولا يؤخر عمل اليوم إلى الغد


من العادات والصفات المهمة للمدير القيادي أنه لا يؤخر النظر أو البت في الأمور والمواضيع والمعاملات والمشاكل إلى وقت آخر، سواء الاعتيادية المتكررة أو الاستراتيجية وسواءً منها المالية أو الإدارية أو الفنية أو البشرية أو غيرها، مادام أنه يراجع أعماله بشكل يومي، وينظر فيما أنجز وما لم ينجز مما هو قائم به بنفسه، أو مما هو موكله لأحد المسؤولين أو الموظفين في المنظمة، وأنه يحاول النظر في جميع الرسائل الواردة له في هذا اليوم إلى الغد، ولا يؤجل القرارات والأعمال والعلاجات الممكن اتخاذها وإنجازها اليوم إلى غد؛ لأنه نشيط وأمين، وهو يزرع هذا النهج ويغرسه في مرؤوسيه ومن يعملون معه وفي سكرتاريته ومساعديه ويربيهم عليه.


(يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه آمرًا جميع المسؤولين في الحكومة الإسلامية: «إن القوة على العمل ألا تؤخروا عمل اليوم إلى الغد، فإنكم إن فعلتم ذلك تداكت عليكم الأعمال، فلا تدرون بأيها تبدؤون، وأيها تأخذون) د. أحمد المزجاجي(2).
والمدير القيادي لا يسوف النظر في الوارد إليه من المراسلات والمعاملات والأعمال والمشاكل، ولا يستعمل التأخير والتأجيل إلى غد؛ لئلا يتراكم عليه الوارد إليه فيكون أكثر من الصادر عنه والمنتهي من عنده، فيقع في مأزق ويجد نفسه مع الوقت وقد ارتبكت أموره وتبعثرت أفكاره وكثرت أوراقه وتعطل عمل الآخرين المرتبط بنظره في تلك المراسلات والمعاملات والأعمال والمشاكل وتوجيهه أو تقريره عليها، ولذلك فهو ينجز وينهي كل ماورد إليه اليوم - ويبت فيه - في هذا اليوم قدر المستطاع، ويجعل لكل يوم إنجازه، وما يحتاج إلى مزيد نظر وتفكير فيضعه في جدول أو ملف المعلقات (PendingIssues) أو ملف الدراسة، أويعيده - إن كان مكتوبًا - إلى صندوق الوارد لينظر فيه غدًا.

تعلم سرعة القراءة بالممارسة


ومما قد يساعد المدير في إنجاز المعاملات والتقارير والشرح عليها بسرعة، هو سرعة القراءة، التي يتعلمها بالممارسة أو بحضور دورات مناسبة فيها، وبخاصة قراءة التقارير الطويلة والخطابات المفصلة والشكاوي المعقدة، بحيث يتجه عند قراءتها تجاه المحتوى والخلاصة والمقصود من ذلك التقرير أو ذلك الخطاب، مثلًا بقراءة أوله وأوسطه وآخره بسرعة مركزة تمكنه من استيعاب الموضوع والمحتوى، مما يسهل عليه بعد ذلك توجيهه للجهة المناسة أو الشرح والتوجيه عليه بما يناسبه.