الغضب واحد من المشاعر السلبية، إلا أنه يمكن توظيفه بطريقة تعود علينا بمنافع تفوق الوصف، وكما قال الفيلسوف اليوناني أرسطو “يمكن أن يغضب أي منا، لكن الغضب للدرجة المناسبة، وبالطريقة الصحيحة ليس في إمكان الجميع، لأنها مقدرة فائقة لا تتوافر لدى أغلب الناس” .


قال أرسطو ذلك منذ أكثر من ألفي عام، وبالطبع لا تتفق كلماته مع مفهومنا الحديث للغضب، الذي نراه شعوراً مدمراً يمكن أن ينسف العلاقات بين الناس، ويحرم الكثيرين من وظائفهم .


بحسب مجلة “نيوساينتست”، فالغضب من وجهة نظر بريت فورد، عالم النفس في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، ليس سيئاً في مجمله، إذ يمكننا أن نجني من ورائه فوائد جمة في بعض المواقف، فيمكن أن يساعدنا في تحقيق أهدافنا والشعور بالسعادة، والتمتع بحياة صحية على المدى البعيد .


ولكي نحقق المنفعة من وراء الغضب، علينا أن نعي متى، وأين، ولماذا نغضب . فنحن في حاجة لأن نتعلم استراتيجيات مناسبة لاستغلال غضبنا بدلاً من أن ننساق وراءه .


وفكر الفلاسفة كثيراً في أسباب الغضب، وخلصوا في النهاية إلى أنه استجابة شعورية لاستفزاز أو غيظ، يصحبه تغيرات جسدية مثل تسارع ضربات القلب، وزيادة إفراز هرمون الأدرينالين .


ويختلف كم المشاعر الغاضبة، والقدرة على كبحها من شخص لآخر، ولا ينكر أحد أنها لو تمكنت منا لدمرتنا، ولكن يمكن أن يعود علينا الغضب بالفائدة أحياناً .


في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، جمعت جينيفر ليرنر من جامعة هارفارد معلومات حول مشاعر وتوجهات ألف أمريكي من البالغين والمراهقين بعد الهجمات بتسعة أيام، وتوصلت إلى أن الغاضبين مما حدث تولدت لديهم درجة عالية من التفاؤل حول المستقبل، فاقت ما كانت لدى الخائفين . وأكدت الدراسة أن الرجال كانوا أكثر غضباً من النساء، فكانوا بالتالي أشد تفاؤلا، وكذلك خلصت إلى أن الإعلام الذي ركز على إثارة الغضب لدى الناس قلل من خوفهم من التعرض لأحداث مماثلة بل وزادهم رغبة في دعم رد فعل عنيف تجاه الفاعلين .


وأثبتت دراسة معملية أجرتها ليرنر أن الغاضبين تتولد لديهم استجابات بيولوجية أقل من تلك التي تتولد لدى الخائفين، فيما يتعلق بتغير معدلات ضغط الدم، ومستويات هرمون الضغط العصبي، ويبين ذلك أنه إذا شعرت بالغضب المبرر، فليس بالضرورة أن تكون هذه المشاعر سيئة .


وقالت ليرنر: إن الذين يواجهون الآخرين ولديهم شعور بالغضب وليس السعادة، يتمتعون بصحة أفضل، بل إن سريعي الغضب يتمتعون بدرجات أعلى من الذكاء العاطفي الذي يؤهلهم للاستفادة من مشاعرهم أياً كانت .


وسلط بحث ليرنر الضوء على أهمية الغضب في تحفيز القيام بعمل جماعي في مواجهة التهديدات، وهي فكرة تناولها آندرو ليفينجستون، من جامعة ستيرلينغ بالمملكة المتحدة، إذ درس وفريقه مجموعات من الأشخاص الذين يتشاركون في شئ ما ( مثل بلدهم الأصلي)، ومجموعات أخرى عشوائية، وقاسوا لديهم ردود الأفعال الشعورية، فوجدوا أن الغضب، من دون غيره من المشاعر الأخرى، ساعد على جمع الناس على قناعة مشتركة، ودفعهم إلى اتخاذ إجراء مناسب .


والغضب بطبيعته، بحسب بريت فورد، ينشط العواطف، فالشعور بالغضب يحث الغاضب على السعي وراء كسب الجوائز والمكافآت، كما أن له دوراً مؤثراً في تحقيق الأهداف، فالمهاتما غاندي ومقاومته السلبية للاحتلال البريطاني للهند التي أوصلته إلى تحقيق أهدافه خير مثال على فوائد الغضب لكن مع السيطرة عليه .


ويمثل الزعيم الجنوبي إفريقي نيلسون مانديلا مثالاً آخر، إذ استثمر غضبه من التفرقة العنصرية في بلده وسجنه لربع قرن في المداواة وليس في الإيذاء .


وللغضب دور بارز في تعبئة العامة لدعم حركات اجتماعية، بحسب نيكول تاوسش من جامعة آندروز بالمملكة المتحدة، فاحتجاجات الطلبة ضد رسوم التعليم في ألمانيا، كان الغضب الذي أطلق شرارتها الأولى، فهو يشجع الغاضبين على التظاهر السلمي الذي يتميز بالقدرة على إقناع المسؤولين بتلبية رغباتهم .


ويجب أن يسخر الغضب لمصالحنا الشخصية، ودللت دراسات عدة على أن له فوائده في المجال العملي شريطة توخي الحذر عند التعبير عنه وفي انتقاء من تغضب في وجهه .


والاحتجاجات الغاضبة تعود على المحتجين بمنافع كثيرة في مجال العمل، إذ تدفع بالمديرين إلى معالجة مشاكلهم، وهي أسهل من إنزال العقاب بهم، بل وهناك مديرون يتبنون ويرعون نوبات الغضب، ولكن في أوقات معينة .


ولم يتوصل العلماء حتى الآن إلى السبب في اختلاف ردود الأفعال تجاه المواقف المثيرة من شخص لآخر، فهناك من يغضب، ومن يخاف، بيد أن المؤكد في الأمر أن درجات الغضب تختلف من شخص لآخر، فغضب الرجال يفوق غضب النساء، بل وغضب الرجل قوي البنية أشد وطأة من غضب الضعيف بدنياً، والمرأة الجميلة يحتد غضبها أكثر من الأقل جمالاً .


آرون سيل، من جامعة جريفيث في كوينزلاند باستراليا، يشير إلى أن القوة البدنية مسؤولة عن اختلاف حدة الغضب لدى الرجال بنسبة 20 في المئة، فالقوة لدى الرجل والجمال لدى المرأة يعطيهما الحق في إظهار مزيد من الغضب .


ويعتقد عدد من الباحثين أن مشاعر الغضب لدى من يحترمون ذاتهم بشكل كبير تكون غاية في الحدة، ويختلف معهم مايك فيشر، مدير الجمعية البريطانية للسيطرة على الغضب، إذ يقول إن من يقل احترام الذات لديهم يعانون ضغوطاً نفسية أشد تغذي فيهم مشاعر غضب محتدة .


والحساسية تجاه الضغوط النفسية يمكن أن تفسر تفوق مشاعر الغضب لدى الأقوياء، ما يلقي باللوم على الجسم في بعض الأحيان، فهناك صلة بين الفشل في السيطرة على سكر الدم وسوء الحالة المزاجية، الذي سينتهي إلى غضب . كما ربط العلماء الغضب بجين يسمى المحارب “ mao-a”، ومن لديهم هذا الجين يتسمون بالعدوانية، وليس بالضرورة أن يكون مرجعها إلى شدة الغضب .