كيف تحسب رأس مالك ؟!

من الخطأ أن تحسب أن رأس مالك هو ما اجتمع لديك من ذهب وفضة !! .
أن رأس المالك الأصيل هو جملة المواهب التي سلحك القدر بها، من ذكاء وقدرة وحرية ، وفي طليعة المواهب التي تحصي عليك وتعتبر من العناصر الأصيلة في ثروتك ما أنعم عليك من صحة سابغة ، وعافية تتألق بين رأسك وقدمك ، وتتأنق بها في الحياة كيف تشاء.

والغريب أن أكثر الناس يزدرون هذه الثروة التي يمتلكونها ، لا يشركهم أحد فيها ، أو يزاحمهم عليها !!


وهذا الازدراء جحود يستحق التنديد و المؤاخذة ، قال " ديل كارنيجي " :
( أتراك تبيع عينيك في مقابل مليون دولار؟ . كم من الثمن تظنه يكفيك في مقابل ساقيك أو سمعك أو عقلك أو قلبك ، أو أولادك ؟ أو أسرتك ؟

احسب ثروتك من هذه المواهب الغالية ، ثم اجمع أجزاءها وسوف ترى أنها لا تقدر بالذهب الذي جمعه آل " روكفلر" و آل "فورد" . بيد أن البشر لا يقدرون هذا كله ؟ أننا كما قال فينا "شوبنهور" :
(ما أقل تفكيرنا فيما لدينا و ما أكثر تفكيرنا فيما ينقصنا ).


ويروى أن " الرشيد " قال بان السماك : عظني - وقد أتى بماء ليشربه – فقال :
يا أمير المؤمنين ، لو حبست عنك هذه الشربة أكنت تفديها بملكك؟ قال : نعم؟ قال: فلو حبس عنك خروجها . أكنت تفديها بملكك؟. قال " نعم.
قال : فما خير في ملك لا يساوي شربة ولا بولة ؟!

و اذا كان هذا الواعظ يريد أن يهون ملك الخليفة فيجسم أمام عينية نعمة مبذولة ، ويريه أنها أرجح مما يعتز به من دولة و صولة ، فنحن ننظر الى هذه العظة من وجهها الآخر ، لنرى جميعا أنا وأنت أن ما يفتديه الملوك بتيجانهم نحصل عليه دون انتباه ، ونناله من غير جهد !!.
حقا ما أكثر النعم التي بين أيدينا و إن غفلنا عنها !!
أقليل أن يخرج الإنسان من بيته يهز يديه كلتهيما ، ويمشي على الأرض بخطوات ثابتة ، ويملأ صدره بهواء في أنفاس رتيبة عميقة ، ويمد بصره إلى آفاق الكون ، فتنفتح عيناه على الأشعة المنسابة ، وتلتقط أذناه ما يموج به العالم من حراك الحياة والأحياء !
إن هذه العافية التي تمرح في سعتها وتستمتع بحريتها ليست شيئا قليلا .
و اذا كنت في ذهول عما أوتيت من صحة في بدنك ، وسلامة في أعضاءك ، واكتمال في حواسك ، فاصح على عجل .. وذق طعم الحياة الموفورة التي أتيحت لك ، واحمد الله – ولي أمرك وولي نعمتك – على هذا الخير الكثير الذي حباك إياه..
ألا تعلم أن هناك خلقا ابتلوا بفقد هذه النعم ، وليس يعلم إلا الله مدى ما يحسونه من ألم ؟
منهم من حبس في جلده ، فما يستطيع حركة بعد أن قيده المرض. ومنهم من يستجدي الهواء الواسع نفسا يحيى به صدره العليل ، فما يستطيع !

أغلبنا يألف ما يجده من صحة ، فلا يعرف روعته و جلاله إلا إذا تعكر عليه أو فقده .. وطول الإلف قد يؤدي بنا إلى الاستهانة ، ولكن الله لا يلغي حقيقة ما لأن عباده يغضون منها ، إنه يحاسبهم بها على مقدارها كله.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده ، إن الرجل ليجئ يوم القيامة بعمل صالح لو وضع في جبل لأثقلة، فتقوم النعمة من نعم الله ، فتكاد تستنفد ذلك كله ، لولا ما يتفضل الله من رحمته"

ومعنى ذلك أن اصحاب النعم مطالبون بمزيد من الجهد و النشاط كفاء ما أوتوا من خير و منحوا من بر.
حقا اننا جميعا نملك رأس مال ضخم و لكن كيف يمكننا استثماره .. هذا هو السؤال