أضئ شمعةً في داخلك تر النور حيثما نظرت

الدكتور إبراهيم الفقي
عزيزي القارئ بدأنا في العدد الماضي مسيرتنا مع الدكتور إبراهيم الفقي في استكشاف أهمية تفهّم المرء لمصادر أحاسيسه وإدراكه تأثيراتها البليغة على تصوّره للوجود وتفاعله معه وعلى رؤيته لنفسه ولقدراته ولمستقبله. ونتابع في هذه المقالة مع: دماغك فنّان وليس آلة تصوير.. ما المشاهد التي توجّهه لرسمها في داخلك؟

عليك أن تتحكم بأحاسيسك وعليك ان تتحكم بسلوكياتك، وما لم تقم بذلك فإنّ إيّ إنسانٍ يمكنه ببساطة أن يسبّب لك اضطراباً في أحاسيسك. يمكن أن تكون دكتوراً رائعاً ولكنّ أحاسيسك تضطرب بسبب مكالمة. ومن الممكن ان تكون إنساناً رائعاً في الزواج، وتختلف أحاسيسك بسبب موقف معيّن فتركّز على الطرف الآخر بأحاسيس سلبيّة.

والعقل البشريّ يبني موقفه على آخر تجربةٍ له فكلّما فكّرت فيها تذكّرت آخر إحساس. ومن الممكن أن يكون هناك أصدقاء جمعت بينهم الصداقة منذ فترة طويلة فيختلفون على شيء وعندما يفترقون يلغي المخ كلّ شيء ويفكّر في شيء واحدٍ فقط لأن المخ البشري لا يستطيع ان يفكّر إلاّ في شيءٍ واحد فقط، فيفكّر في آخر إحساس فتحدث القطيعة. وبإدراك ذلك تبدأ أولى خطواتك في القيادة الذكية.

اخرج إلى الشارع وقل لأحد الناس في وجهه:يا متخلّف! وانظر ماذا سيفعل مهما كان. انظر في عينيه وقل له: متخلف، متخلّفٌ حقاً!. وإن كان هناك متخلّف موجود بالقرب منكما فانظر إليه وإلى من تحدّثه وقل: سبحان الله! نسخةٌ طبق الأصلّ!.. انظر ماذا سيفعل معك. لا بدّ أنّه سيجري خلفك، وعندها قل له: هل أنت متخلّفٌ حقاً؟ إذاً فماذا يغضبك؟! إلاّ إذا كان بداخلك متخلّف من صغرك ولم تتعالج منه!!

من فينا يستيقفظ من النوم فيجد نفسه سعيداً مسروراً، يحس أحاسيس إيجابية لأنه ما يزال حيّاً فيقول: الحمد لله أنّني ما زلت حياً. كم واحداً؟ هل من الممكن أن ينظر إليك أحد نظرةً ما فيضايقك فتجد أن أحاسيسك الإيجابية أصبحت سلبية ويتغيّر مزاجك السعيد؟ فانت تستيقظ من النوم فتحسّ إحساساً مختلفاً؟

بعض الناس يقولون: لقد نمنا اليوم على الجنب الحسن، فلم لا تلاحظه؟ وتجده بعد ذلك يستيقظ مثل العفريت، فماذا حدث؟ يقول نمت على الجنب السيّء؟ فلم لا تقطع هذا الجنب السيّء وتترك جنباً واحداً في السرير لكي تستيقظ بأحاسيس إيجابية؟

إن ما تستيقظ عليه ينطبع في المخ وسيكرّره، وستجد كل مصائب الدنيا تظهر أمامك لان الإنسان عندما يفكّر تفكيراً سلبيّاً يجد كل ما يجري أمامه يُحدِث له المصائب.

عندما تستيقظ متضايقاً، هل تكون راغباً في الخروج أم إنك ترغب في البقاء في السرير؟ بالطبع ترغب في البقاء في السرير. ولنفترض أنّك متضايق ودخلت الحمّام وأنت على هذه الحال وفجاة إذا بالمياه المتدفّقة فوق رأسك تصبح حارةً جدّاً لأنّ شخصاً آخر يشدّ السيفون ويستهلك المياه الباردة، وعندئذٍ سترى أنّه بسبب تفكيرك السلبيّ وتركيزك السلبيّ يجعلك المخ تلاحظ كلّ شيء سلبيّاً، أحاسيسك مشتعلة والأحاسيس تتراكم وتنتقل.

تفكّر وتدبّر، وعلى ضوء ما سمعته للتوّ عزيزي القارئ فكّر وأجب بنفسك من أجل نفسك
- ما أكثر الأشياء إصابةً لي باليأس والإحباط؟
- ماذا أفعل للتغلب على هذه الأشياء المحبطة لي؟

لا تحاول إخماد الجمر بالنفخ عليه..
إن أيّ شيء تحاول أن تتفاداه تظلّ الفكرة الخاصة به موجودة فإذا أردت أن تتفاداه فأنت في هذه الحالة تزيد من قوّته.

سنتناول الإجابة عن أمور في غاية الأهمية وهي: كيف تنشأ الأحاسيس وما مصادرها؟ وسأذكر بعض الأساليب التي تمكّن الإنسان من التحكّم فيها في ثانية واحدة وتحويلها إلى مهارة.

أنا لا أحب أن أقول للناس:تعالوا نتخلّص من شيٍ ما، لأنّك لو حاولت التخلّص من شيء فإنّ طاقته تبقى في ذهنك ومن الممكن أن ترجع إليك مرةً اخرى، ولكنني أريدك ان تتخلّص منها ثمّ ترجعها هي هي ولكنها إيجابية.

لا أحد يمكنه التخلص من الخوف ولكن من الممكن أن تجعل الخوف قوةً او صديقاً. و هكذا لا تقل أريد أن أتخلّص من شيء ما. هذا الشيء يمكنك أن تحوّله إلى قوّة وفي هذه الحالة يمكن أن يخدمك.

من الممكن أن يكون أحدنا لا يستطيع النوم ليلاً بسبب الأرق، فهل ياترى يمكنه أن ينام يمجرّد أن يردّد :سوف أنام الآن؟

لا! لا أحد ينام بهذه الطريقة، ولكن لا بدّ من ان يصبح الزفير اطول من الشهيق ولا بدذ من أن تغلق العينان وتفتحا ببطء ثم لا يستطيع المرء فتحهما.

وإذا اعتاد الإنسان النوم في وقت معيّن والاستيقاظ في وقت معيّن فسوف يوقظه المخ كلّ يوم في الموعد ذاته مثل الطفل الذي يستيقظ ليلاً ليشرب اللبن. وبعد ذلك تخرج معافى من مرض عدم النوم، وما السبب؟ إنّها الفكرة.

تفكّر وتدبّر، وعلى ضوء ما سمعته للتوّ عزيزي القارئ أتمم المطالب التالية:
- أشد العادات السيّئة في حياتي هي: ...
- وسأغيّرها بالخطوات التالية: ...

الكون كلّه كتاب مفتوح والناس كلّهم معلّمون في خدمة من يفتح عقله:
ذات مرّة كنت خارجاً من أحد البلدان العربية وحقائبي لم تأتِ وفيها ملابسي وكنت مرتدياً بنطالاً جينزاً، وفي اليوم التالي سوف القي محاضرة في الجامعة..
كنتُ خارجاً من المطار ويظهر عليّ الضيق عندما استوقفتني سيدة عجوز وقالت: ألست الدكتور إبراهيم الفقي؟
كدتُ ان أقول لها لا، ولكنّني رددتُ بالقول: أجل، أهلاً وسهلاً!
قالت لي: هل تأخّرت حقائبك؟ قلت: نعم!، فقالت: إذن فلتتقبل هديّة؟
أجل، إنّها تقول لي ما اقوله للناس وكانّها وفق المثل المصري "تبيع الماء في حارة السقايين"
قالت لي: سأسألك سؤالاً: هل كنت تفضّل أن تأتي الحقائب وانت لا تأتي؟
فقلت لها: لا طبعاً
فقالت لي إذن عليك أن تحمد الله وترسم ابتسامةً على وجهك، وإن شاء الله لا يكون إلاّ خيراً.
لقد ذكّرتني تلك السيدة بما كنتُ اقوله انا للناس، وذكّرتني بالجوانب الإيجابية في أوقات السفر والانتظار حيث يخلو الإنسان من كل انواع المقاطعات ويتفرّغ لإنجاز الكثير ممّا بين يديه من كتابة او قراءة.

تفكّر وتدبّر، وعلى ضوء ما سمعته للتوّ عزيزي القارئ أتمم المطالب التالية:
هناك فئات من الناس لا أهتمّ بهم أو بالتعلّم من خبرتهم بالحياة مثل:..
وبالرغم من ذلك يمكنني في الواقع أن أتعلّم منهم:..



المصدر : مجلة عالم الابداع