أولاً عن الإيجو
يمكن تمثيل “وعيك” أو إدراكك بمساحة دائرية نقية لا تشوبها شائبة. فهو جميل، وكامل، وينعم بالسلام. إنه “الأنا” التي في داخلك، تلك “الأنا” التي تتحكم بجسمك، وعقلك، وعواطفك. وهو حقيقة ما يمثله قولك “إنه أنا”. إنه حقيقة ما كنت عليه عند بداية حياتك. لهذا يمكن تمثيله رسماً بدائرة نقية متجانسة اللون.
وعيك الداخلي
لكنك إذا نظرت إلى دائرتك ستجد الكثير مما يشبه البقع الملونة التي تلطخ صفاءها. وذلك ما يغطي سلامك الداخلي. لقد دخل الإيجو الذي لديك على الخط، وبدأت الحياة تترك ندوبها، والسلام والجمال الداخلي لديك قد حجبته ندوب وجراح لا تحصى، وهي علامات قبيحة تغطي وعيك الحقيقي.
الإيجو يغطي وعيك ويحجبه
فما هي تلك البقع الملطخة التي تفسد كمالك؟
.
إنها تمثل تلك الأشياء الصغيرة التي تكتسبها من كونك أنت بما أنت عليه: الأشياء التي تعجبك، والتي لا تعجبك، تلك التي تحبها، وتلك التي تكرهها. إنها تاريخك الذي لا تستطيع التخلص منه. إنها ذكرياتك، آمالك، وأحلامك. إنها هواياتك الصغيرة،وتلك الأشياء التي تتصنعها. كل واحد من تلك الاشياء يمثل أثراً أو ندباً، و تجتمع تلك الندوب جميعها لتكون شخصيتك، الإيجو لديك، أو هويتك.
.
ولكن ما هي شخصيتك؟ أهو شيء أنت مخطئ بشأنه. إن الجميع تقريباً يخطئون بشأنه، فهم ليسوا أفضل حالاً. اسأل أي أحد عمن يكون، وسيخبرك على الأغلب باسمه، وعمره، وعمله، وعرقه، وجنسه، وتاريخ حياته، وأحلامه، وما يحبه وما لا يحبه. فالناس تعرف بنفسها من خلال تلك الأشياء.
.
وتلك كلها أجزاء من شخصيتك. وهي بالكاد “تتعلق بك”، لكنها ليست أنت. إنها تصفك فقط، لكننا بطريقة ما قد اختزلنا أنفسنا بهذه الصفات، بهذه التفاصيل الصغيرة.
.
لقد نسينا من نكون؛ لقد نسينا اللب والوعي الحقيقي الذي غطته كل تلك التفاصيل. وذلك أمر محزن، لأن هذا اللب يحتوي على كل ما نريد، وكل ما نبحث عنه في أهدافنا التي نسعى إليها- وهي السلام الذي لا يتزعزع والبهجة والفرح.
.
.
إن عليك أن توقف الأفكار قبل أن تسبقك، و أن توقف المشاعر قبل أن تسيطر عليك، عليك أن توقف الإيجو عن أن يخبرك باستمرار بأن الأمور لا يجب أن تكون على ما هي عليه.
.
وذلك كله يقود إلى الفكرة نفسها: لا تسمح للإيجو أن ينغص على سلامك الداخلي.
.
وكل طرق التعامل مع النفس من الأديان القديمة إلى علم النفس الحديث تقوم على ذلك المبدأ، لكن كلاً منها يصفه فقط بأسلوب مختلف. وإما أن ينطبق عليها ذلك أو أنها ستكون جاهلة بالوعي الداخلي فلا تأتي على ذكره.
.
مصدر الإيجو
.
من أين أتى “إيجوك”(الإيجو خاصتك) ؟
.
لقد نشأ إيجوك وتطور ليكون دوره هو التفاعل مع العالم الخارجي، أو يمكنك أن تقول أن العالم هو الذي ترك لك هذا الإيجو. وذلك العدد الذي لا يحصى من البقع والندوب التي تكوّن مجتمعة إيجوك قد تركته لك الحياة التي عشتها.
.
إن هناك ندوباً كثيرةً تشكل الإيجو. دعونا ننظر كيف يمكن لأحدها مثلاً أن يتشكل. لنقل أنك في طفولتك كنت تتعرض للاعتداء بالضرب من قبل مربيتك. فلا بد أن ذلك قد ترك أثراً أو ندباً يشكل واحداً من الندوب الكثيرة التي تشكل في النهاية إيجوك الحالي. فماذا ستكون النتيجة؟
.
ربما تكون نتيجة لذلك تكره تلقائياً كل امرأة تذكرك بها، أو ربما أصبحت تتبنى الضرب كممارسة معيارية مع كل طفل “مشاكس”.
.
قد يكون ذلك جزءاً كبيراً نسبياً من إيجوك، ولكن حتى الأولويات الصغيرة (مثلاً : لا أحب الجو البارد) وحتى الأشياء الجيدة قد تنشأ من إيجوك.
.
ما الذي أعنيه بذلك؟ لنقل أنك قمت مثلاً بالتبرع لأحد المحتاجين بدافع الطيبة والتعاطف، فذلك ليس سلوكاً إيجوياً، ولكن إذا قمت بالتبرع على أمل أن يعتبرك أحدهم إنساناً عظيماً، طيب النفس، فذلك مثلاً ينشأ من إيجوك.
.
.
* الإيجو يؤثر على إدراكك للأمور، وعلى ردات أفعالك
.
.
الإيجو الآن يغطي وعيك، ويقوم بتصفية (أو فلترة) كل ما تشعر به وتفعله. إن ذلك يشبه محاولة النظر من خلال نظارات تعرضت للرش بألوان مختلفة من الطلاء، لذلك لا يمكنك أن ترى أي شيء على حقيقته.
.
.
ولأن كل إيجو قد تشكل بطرق وأحداث مختلفة، فهذا يعني أنك لن ترى أي شيء بنفس الطريقة التي يراه بها شخص آخر. لهذا السبب يمكن لشخصين مختلفين أن ينظرا إلى الحدث نفسه ويخرجا بتفسيرين مختلفين تماماً؛ وهو السبب الذي يجعل شخصاً معيناً لا يتأثر نهائياً بحدث ما، بينما يقع الآخر في الكآبة بسبب الحدث نفسه.
.
دعونا نختلق مثالاً عن زوجين ولنسميهما “جون” و”فيفان” على سبيل المثال. ولنقل أنهما يعملان معاً في مشروع مشترك. ماذا لو انهار العمل في أحد الأيام وخسرا كل مدخراتهما. قد يكون جون منحدراً من عائلة ميسورة، حيث نشأ مؤمناً أن النقود تأتي بسهولة وبشكل طبيعي، ولذلك سيتعامل مع المصيبة بشكل جيد. فإيجو جون “يفلتر” الحدث ويخبره أن النقود ستعود قريباً. لكن فيفان قد تكون نشأت على أن الحصول على النقود صعب، ولذلك فستيأس وتنهار. لاحظ: الحدث نفسه.. وردات فعل مختلفة.
.
هذه المصافي (أو الفلاتر) تؤثر على الأمور الصغيرة أيضاً. فإذا شاهد جون وفيفان رجلاً وامرأة غريبين يتشاجران، فافتراضاتهم التلقائية ستقفز على الفور. فقد يفترض جون أن المرأة قد خانت الرجل. بينما قد تفترض فيفان أن الرجل يضرب المرأة في البيت. قد تكون الحقيقة شيئاً مختلفاً كلياً عن كل تلك الافتراضات، لكن ذلك لا يهم، فتاريخهما وإيجو كل منهما يقفز تلقائياً ليخبر كلاً منهما قصة ما.
المفضلات