عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 33
الضبط والتحكُّم
إن مقدار ما نملِكه من ضبط وتوجيه لحياتنا
يحدِّدُ مقدار صحتِنا النفسية، وعدم شعورنا بالاضطراب.
المطلوب منا أن نشعُرَ أن المِقود بيدنا لا بيد غيرنا، لكنَّ أكثر الناس لا يأخُذون بالأسباب، وينتظرون أن يحدُثَ لهم ما يشتهون"، والمراد: أن تشعُرَ أنك مسؤولٌ عن تصرفاتِك، وتملِك حرية الاختيار في القضايا التي تخضَعُ عادة لسيطرة الإنسان، لا في الأمور التي هي خارجةٌ عن طاقته، وفي الحديثِ الشَّريف الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه مثالٌ على المراد من هذه النقطة؛ فهو صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس الشديدُ بالصُّرَعةِ، إنما الشديد الذي يملِكُ نفسَه عند الغضب))؛ أي: ليس القوي حقًّا هو الذي يصارعُ الرجالَ ويغلِبهم، إنما هو الذي يضبِط نفسَه، ويسيطر على أعصابه، ويتحكَّم فيها، وهذا مثالٌ واحد على قانون الضبط والتحكُّم.
إن مِن أهم الأسباب المؤدِّية إلى تخلُّف المسلمين - في نظري - منطقَ الجبرِ الذي يحاكِمون به الأشياء؛ فهم يترُكون العملَ اعتمادًا على فهمٍ خاطئٍ للقضاء والقدَر، والصواب أن يُعمِلوا جهدَهم، ويبذُلوا ما في وُسعِهم، ثم يتركوا الأمرَ لله سبحانه.
والقرآنُ الكريم حافلٌ بما يدلُّ على هذا المعنى، من مِثل قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 10]؛ فالتيسيرُ لليُسرى نتيجةٌ، سببُها: العطاءُ، والتقوى، والتصديق، والتيسير للعسرى نتيجةٌ، سببُها: البخلُ، والاستغناء، والتكذيب.
كذلك السنَّة حافلة بما يؤكِّد هذا المعنى؛ فقد ورَد أن رجلاً سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم: هل يعقِلُ ناقته (أي: يربطها) ويتوكَّل، أم يطلقها ويتوكل؟ فأجابه: ((اعقِلْها وتوكَّل))؛ (رواه الترمذي)؛ لأن عَقْلَها لا ينفي التوكلَ.
إن الذين يريدون النجاحَ عليهم أن يفهموا قانون السببية فهمًا عميقًا، ويطبِّقوه في حياتهم اليومية.
كل ما يحدُثُ في الكون له سببٌ يؤدِّي إلى حدوثِه، بعضُ هذه الأسباب في مقدورِ الإنسان أن يتدخَّلَ فيها أو يؤثِّرَ، وهي محل بحثِنا، وبعضها خارج عن دائرةِ قدرته، وإن كان من اهتمامه، وهذه لا شأنَ لنا فيها.
وهذا ما قصَّه علينا القرآنُ الكريم في حديثه عن ذي القرنينِ؛ إذ قال: ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾ [الكهف: 84، 85]، وفي قراءة: ﴿ فَاتَّبَعَ سَبَبًا ﴾؛ أي: إن اللهَ تعالى هيَّأ له الأسبابَ التي توصله إلى مقاصدِه، من العِلم والقدرة، والأدوات، فلم يقعُدْ عن الأخذِ بها، بل اتَّبَعها وحقَّق بفضل الله ما حقَّق.
إن الناس جميعًا متَّفِقون على أن: مَن جدَّ وجَد، ومن زرع حصد، قد يدرُسُ الطالب ويذاكر ثم يرسب، وقد يزرع الفلاحُ ثم يهلِكُ زَرعه، نعم، في هذه الحالة لا يُلام أحدٌ منهما؛ لأنهما لم يقصِّروا، بل أخَذَا بالأسباب فلم تؤدِّ إلى نتائجِها، لأمرٍ يريده الله، وهنا يأتي مقام الرضا بالقضاء والقدر.
المفضلات