فشل في عمله عام 1831م.


ثم فشل في عمله مرة أخرى عام 1834م.


أصيب بصدمة عصبية نتيجة موت زوجته عام 1835م، تطورت بعد ذلك إلى انهيار عصبي عام 1836م.


فشل في الانتخابات في سنة 1838م.


ثم مرة ثانية في عام 1846م.


ثم ثالثة في عام 1847م.


وفشل في انتخابات مجلسل النواب عام 1855م.


فشل في أن يصبح نائب الرئيس عام 1856م.


فشل مرة أخرى في انتخابات النواب عام 1858م.


وبعد كل هذا السجل العامر بالفشل، يصاحبه سجل آخر عامر بالعناء والجهد المتواصل والإصرار على بلوغه هدفه، فقد انتُخِبَ إبراهام لنكولن رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، عندما بلغ الستين من عمره، وهو الذي لخَّص تجربته في النجاح والفشل بقوله: (إنك لن تفشل إلا إذا انسحبت).


أيها القارئ الكريم، إن طريق النجاح لا يكون عادة سهلًا ميسورًا، مفروشًا بالورود والرياحين، فلا يكفي أن تدرك قدراتك وإمكاناتك وتقود حياتك وتكون مسئولًا عنها، فإن الذين حققوا إنجازات باهرة في حياتهم، وخلَّد التاريخ أسماءهم قد تجرعوا مرارة الفشل طويلًا قبل أن يحققوا هذه النجاحات، فالنجاح الحقيقي الدائم لا يأتي عادة إلا بعد صراع مرير مع الفشل، وفي ظل ظروف صعبة قد تبعث في قلب الإنسان اليأس والقنوط.


وما قصة إبراهام لينكولن إلا حلقة ملقاة في فلاة التاريخ، الذي يثبت لنا بما لا يدع مجالًا للشك أن ظروف الفشل هي التي تصنع النجاح، وأن النجاح الحقيقي الدائم لا يولد إلا من رحم الفشل، كما يقول كريسي ويتينج مقدم برنامج "سجل النجاح" البرنامج الأشهر بين برامج الإذاعات الأمريكية:


(إن الفشل هو السبيل الوحيد للنجاح، والمثل المعروف ـ وراء كل عظيم امرأة ـ ينبغي تعديله بحيث يصبح وراء كل عظيم سجل طويل من التجارب الفاشلة صنع له النجاح في النهاية).


الزيت والماء:


الفشل طريق النجاح ... قد يتعجب البعض من هذا الكلام، إذ كيف يكون الفشل طريقًا إلى النجاح؟! كيف يلتقي هذان الضدان بحيث يكون أحدهما طريقًا للآخر، بل وضرورة لازمة له؟!


والجواب سهل ميسور بحمد الله، ذلك أن النجاح الباهر الدائم يتطلب من الشخص أن تتوافر فيه سمات خاصة، وخبرات متنوعة، لا يمكن أن تتكون في الشخص إلا عبر معاناة الواقع، والاحتكاك الطويل به، وخوض الصراع مع المشكلات والعقبات، ومن ثَم يكتسب الإنسان الصفات النفسية اللازمة للنجاح الدائم، والتي من أهمها الصبر والإرادة والعزم والتصميم.


وأما أصحاب النجاح السهل الذي لم يأتِ عبر التعب والمعاناة، فإنهم سرعان ما يصابون بالإخفاق والإحباط عند أول عقبة تهدد ما حققوه من نجاح، ومن ثَم يتحول نجاحهم إلى فشل أو إخفاق ذريع، وقديمًا قال العرب: (الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك).


ويشرح لنا الإمام ابن الجوزي رحمه الله تلك الحقيقة الثابتة في حوار طريف مُتَخيَّل بين الماء والزيت، ذلك أنهما كلما اختلطا في إناء ارتفع الزيت على سطح الماء، فقال الماء للزيت منكرًا: (أنا ربيت شجرتك فأين الأدب؟! لمَ ترتفع عليَّ؟ فيقول الزيت: أنت في رضراض الأنهار تجري على طريق السلامة، وأنا صبرت على العصر وطحن الرحا؛ وبالصبر يرتفع القدر).


فليس هناك نجاح يرتفع به الإنسان في الدنيا والآخرة، إلا إذا سبقه صبر على أَلَمِ عصر المحن وطحن الشدائد والإخفاقات، وأما من يريدون السلامة، فإنهم أبدًا يعيشون بالأسفل مع ذاك الماء:


لا تحسبن المجد تمرًا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا


القرآن يخبرنا:


وكم هي تلك الآيات القرآنية التي يشير الله تبارك وتعالى فيها إلى تلك السنة ومثيلاتها، ومن أهم تلك الإشارات ما يلي:


v يسرين وعسر واحد:


كما يقول الله تعالى: {فإن مع العسر يسرًا * إن مع العسر يسرًا} [الشرح: 5 – 6]، فكلمة العسر جاءت معرفة في الآيتين بالألف واللام، بمعنى أنه عسر واحد في كلتا الآيتين، أما كلمة اليسر فجاءت نكرة في نفس الآيتين، فاليسر في الآية الأولى غيره في الآية الثانية، ومن ثَم علَّق الصحابي الجليل ابن مسعود على هاتين الآيتين بقوله: (لن يغلب عسر يسرين).


فلن يغلب عسر الفشل يُسرَي النجاح أبدًا، ولكن ذلك لابد وأن يكون مقرونًا بالعمل والصبر والدأب، كما يشير تعالى في الآية التي تليها إلى ذلك بقوله: {فإذا فرغت فانصب* وإلى ربك فارغب} [الشرح: 7 - 8].


v من رحم الموت تولد الحياة:


يقول تعالى: {اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها} [الحديد: 17]، فتأمل في مخلوقات الله من حولك، تجد أن الحياة تخرج دائمًا من قلب الموت، فهذه الأرض الجامدة، تراها ميتة، لا حياة فيها، فإذا أنزل الله تعالى عليها الماء اهتزت وربت، وأنبتت من صنوف الحياة والجمال كل زوج بهيج.


وانظر إلى تلك البيضة التي تبدو للعيان جمادًا لا حراك فيه، ما إن تدخل في فترة الحضانة، إلا وتدب بداخلها الحياة، فيخرج منها مخلوق جميل، يشع بالحيوية والنشاط، وهذا الليل البهيم، بكل ما فيه من ظلام حالك، ما إن ينبلج الصباح حتى تخرج الشمس بكل ضوئها وحيويتها، لتحيل موات ذلك الليل إلى نهار حي مشرق.


وهكذا ظلمات الفشل ما إن يثابر الإنسان على عبورها، ويصبر على معاناتها، حتى تنقلب بإذن الله إلى أنوار للنجاح مشرقة، تملأ حياة صاحبها حيوية وسعادة وبهجة.


والتاريخ ينبئونا:


بنظرة بسيطة إلى جميع حلقات التاريخ وحتى في عصرنا الحاضر، نجد تصديق هذه السنة الكونية، سواء في حياة الأفراد أو في حياة الأمم.


ودعنا الآن نأخذك في لمحات خاطفة عبر حقب مختلفة من التاريخ في حياة الأمم والأفراد، لتعلم جليًّا أن أعظم نجاحات الدنيا لم تولد إلا من رحم أقسى وأصعب ظروف الفشل.


أولًا ـ شخصيات قهرت الفشل:


ونبدأ أولًا بتقليب صفحات مشرقة من تاريخ العظماء، الذين قهروا العجز، وتغلبوا على ظروف الفشل؛ حتى أنقلبت في حقهم المحنة منحة، والبلية عطيَّة، وتحوَّلت عوامل الفشل والإخفاق إلى أعظم دافع لهم نحو تحقيق أكبر إنجازاتهم.


نماذج مضيئة من أمتنا:


إن الذي يُقلِّب صفحات تاريخ أمتنا العظيمة، ليصيبه العجب والذهول والانبهار، من هذا الكم الهائل من العظماء الذين تصدق عليهم هذه السنة، والذين انتزعوا أعظم النجاحات من بين أنياب أعتى ظروف الفشل والإخفاق، من هؤلاء:


v صاحب البصيرة الثاقبة:


إنه الإمام العَلَم، العالم العامل، بقية السلف الصالح في القرن العشرين، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، عليه شآبيب رحمة الله تعالى، هذا الإمام الذي ملأ الدنيا بعلمه وعمله، وأصبح قبلة المسلمين العلمية في هذا الزمان.


كان مبصرًا في بداية حياته يرى النور بعينيه ويبصر الحياة بمقلتيه، ويحس بالضياء يملأ ناظريه، فلم يكن يدور بخلده يومًا أن يفقد بصره، وأن يُحرم النور والرؤية في مستقبل أيامه، وأنه يومًا ما سيصبح ضريرًا ضُرِبَ على عينيه ذلك الحجاب الكثيف وتلك الستارة السوداء الدائمة، ولكن قدر الله وما شاء فعل.


أصيب بمرض في عينيه جعل نورهما يتلاشى رويدًا رويدًا خلال أربع سنوات حتى تلاشى تمامًا، فأصبح ضريرًا في ريعان شبابه ونضارة إهابه، فلم يلحقه اليأس، ولم يهدمه القنوط، ولم يذهب به عدم الرضا إلى غياهب التبرم والسخط، ولسان حاله يقول كما قال ابن عباس رضي الله عنهما:


إن يأخذ الله من عينـي نــورهما ففي لســاني وقـلبي منهـما نــور


قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل وفي فمي صارم كالسيف مشهور


ذهب بصـره ففاضت نفسه بالهدوء والرضا والسكينة والاطمئنان إلى قدر الله وحكمته، فلا رادَّ لقضائه، ولا معقب لحكمه، بيده الأمر وإليه المرجع والمآب؛ فقد حفظ القرآن منذ طفولته الباكرة مما نشر على نفسه الطمأنينة والهدوء، ثم بدأ رحلته في طلب العلم بجد واجتهاد وحرص وسعي متنقلًا بين مكة والرياض وغيرها من ربوع المملكة، يلجأ إلى حلقات الدرس والتعلم على أيدي العلماء المشهورين، المشهود لهم بالعلم والمعرفة والصلاح والورع والتقوى.


واستطاع العملاق البازي أن يُظْهرَ من علمه ومعرفته ونبوغه وبراعته، ما جعل أول أشياخه ومعلميه يجيزه للقضاء في الخرج ثم في الدلم، وهي إحدى مدن المملكة العربية السعودية؛ حيث يجلس قاضيًا يفصل بين الخصوم المتنازعين ببراعة ودقة، وأن يعطي الحقوق لأصحابها بنزاهة وطهارة يد، وأن يجعل من نفسه نموذجًا فريدًا للكفاح والنجاح، وأن يواصل طريقه إلى بلوغ القمة في جدٍّ واجتهاد، متقلدًا المناصب في القضاء ثم في التعليم حتى يتربع على رئاسة هيئة كبار العلماء وإدارات البحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية.


ثم انطلق ليجعل من حياته وساعات يومه زادًا لا ينضب في البحث والدراسة والدعوة والتزود بالعلم والمعرفة، ضاربًا بقوله وفعله القدوة والمثل، وكأنه يقول: (ويل لطالب العلم إن رضِيَ عن نفسه)، مما جعله يحظى بالحب والاحترام والتقدير على جميع المستويات والمحافل والجماعات والهيئات والحكومات داخل المملكة وخارجها.


فعليك من الله الرحمة والرضوان أيها العملاق البازي، يا من علمتنا كيف أن ظروف اليأس والفشل هي التي تصنع أعلى درجات النجاح.


وللآخرين نصيب:


ولأن ميلاد النجاح من رحم الفشل هو سنة كونية حقًّا، فلذلك لم تكن حكرًا على تاريخ أمة الإسلام، وإنما كل من صبر وجاهد، وتجرع مرارة الفشل، ماضيًا نحو هدفه، بلا كلل أو تعب، فلابد أن يصيب النجاح في النهاية، وأن يتذوق حلاوة النجاح، ولذلك نجد نفس هذه السُنة الماضية ينطق بها التاريخ الغربي أيضًا، في صورة نماذج براقة، وأدلة دامغة على صدق هذه الحقيقة الثابتة، فمن تلك الصور:


v خطيب لا يجيد النطق:


هل سمعت يومًا عن ديموستينس؟ (إنه عظيم خطباء اليونان في زمانه، عاش هذا الرجل إبان مقاومة أثينا لفيلبيوس المقدوني، وهي فترة دفعت بفن الخطابة إلى ذروة عالية عند اليونان، وذات يوم استمع ديموستينس إلى أحد الخطباء، فهزته قوة تأثير كلماته من الأعماق، وأعجب به إعجابًا شديدًا؛ حتى أنه صَمَّم أن يصير خطيبًا.


ولكن الخطوات الأولى سرعان ما كشفت عن هزال قامة ديموستينس في هذا الصدد، وعما فسـره الناس على أنه قصور في استعداداته الطبيعية، فلقد كانت مقاييس ذلك الزمان تفرض أن يكون الخطيب مهيبًا، حسن المظهر، ذا صوت جهير، يجيد اللفتة واللمحة والإشارة، يحسن الوقف والإظهار والدغم والترقيق والتفخيم، ويخرج الكلمات مستوفاة لا عوج فيها ولا نقص.


ولكن ذلك الشاب كان ألثغ، ضعيف الصوت، سريع التنفس، مختلط مخارج الألفاظ، مما كان يفرض عليه تقطيع حديثه حتى يفقد الكلام تأثيره بل ومعناه.


تمنى ديموستينس، لكن هيهات أن ينال ما تمناه، فمن أين له بقوة التنفس وسعة الصدر، والقدرة على الحديث الطويل في الهواء الطلق.


فاليونان كانت تضج بفيض من الخطباء البارعين، حتى أنها لم تكن في حاجة إلى مزيد، لكن ديموستينس أدرك الموقف ـ مدفوعًا بصدق انبهاره ـ على نحو مخالف للناس تمامًا، فرأى أن الأمر في حاجة إلى جهد واعٍ منظم، فراح يطلب فن الخطابة على يد أبلغ خطباء زمانه، متبعًا البرامج المعتادة للخطباء في ذلك الزمان.


ولكن بعد انتهاء فترة التدريب، لم يثر حديثه في الناس ـ حتى بعد هذا البرنامج ـ سوى الضحك والرثاء، وبدلًا من أن يدير ديموستينس ظهره للأمر كله، على اعتبار أنه نزوة قصـرت قامته عن متطلباتها، جاء استنتاجه مخالفًا تمامًا.


إذًا فالبرنامج العادي لإعداد الخطباء لا يناسبني؛ لأنه لم يفصل على مقاسي، ومضى الرجل للتوِّ في وضع برنامج خاص به، استأجر غرفة بأحد البدرومات، اعتزل فيها الناس لمواصلة التدريبات الشاقة، وأمام المرآة جهد في تعلم التمثيل، وفي الهواء الطلق جد في تدريب أوتار صوته، وكثيرًا ما بقي وحيدًا يمارس التدريب لشهرين أو ثلاثة شهور، مغالبًا إغراء الاجتماع والاختلاط ببعض الحيل الساذجة المضحكة، كأن يحلق نصف رأسه، ويترك النصف الآخر، حتى يخجل من الظهور أمام الناس مهما استحكمت رغبته.


ولم يكتفِ الرجل بالوحدة والمثابرة، بل عمد إلى تحويل كل لقاء وكل حديث يعرض له مع الآخرين إلى مادة للتدريب الشاق الدئوب، فكان يهرع فور أن ينفرد بنفسه إلى مرآته، ويحاول أن يستعيد ما قاله الآخرون، وما قاله لهم، مجربًا كل ما يطرأ على باله من طرق التعبير، ودون إهمال لأية هفوة أو جزئية صغيرة.


هذا كما لم يتورع الرجل في سبيل الخطابة عن فعل كل ما بدا غريبًا شاذًّا ساعتها، فللتغلب على همس النطق وضعفه، كثيرًا ما كان يستعيد مقاطع طويلة من الشعر بصوت عالٍ، وهو يضع حصاة في فمه، ولتحسين قدرته على التنفس كان يواصل الصياح وهو يجري على المنحدرات حابسًا تنفسه؛ حتى يتم كمًّا محددًا من الكلمات.


وهكذا انتصر الرجل خطوة خطوة، على ما كان يتسم به من نواقص، ودعم بمثابرته الاستعدادات التي لم تبرز أو لم يهتم بتنميتها منذ مولده، وهكذا أمَّ في هذا الباب كل من كانوا يبدءون، وكأن الله حباهم بما لم يهبه إياه).


v إرادة أضاءت العالم:


اسمه بالكامل توماس ألفا أديسون، ذهب إلى المدرسة ذات الفصل الواحد وهو في الحادية عشرة من عمره مع 39 طفلًا، ولكنه ليس ككل الأطفال، إنه لا يكف عن الملاحظة والسؤال، ويلفت انتباهه أشياء غريبة جدًّا، وبعد أربعة أشهر لم تكتمل أعلن مدرسه أنه طفل غير طبيعي، متأخر ومتبلد الذهن لا يصلح للدراسة.


ولم تغب عن الأم المشكلة، فقامت بإخراجه من المدرسة، وبدأت تعلمه بنفسها في البيت، وتنمي بداخله حب الدراسة، واقتصر دور أبيه على منحه عشرة سنتات عن كل إنجاز، لقد بدأ الصغير مشروعه الأول: قراءة جميع الكتب في تلك المكتبة الكبيرة، وقامت الأم المراقبة بتوجيهه في القراءة إلى التاريخ والعلوم الإنسانية.


وكانت هذه بداية الطريق إلى التعليم الذاتي، عند بلوغه الثانية عشرة كان أديسون قد انتهى من مجموعة قيمة جدًّا من أمهات الكتب، من بينها قاموس العالم للعلوم والكيمياء التطبيقية!


أقنع توماس والديه أن يسمحوا له بالعمل، فكان يبيع الجرائد والحلوى في محطات القطار، ولم يكتفِ بذلك، بل بدأ مشروعه الخاص ببيع الخضر والفاكهة للناس، كان يحتاج دائمًا للمال ليجرب ما يفكر فيه، ولم يكن يستطيع رغم دخل أبيه المعقول أن يطلب منه دائمًا.


ونتيجة لخطأ غير مقصود تسبب توم في حدوث شرارة نار أحرقت إحدى عربات القطار؛ فكان جزاء ذلك صفعة قوية على الرأس أدت إلى صمم كامل في أذن وضعف في الأخرى بنسبة 80%، وهكذا أصيب بفقد للسمع مع حرمان من صعود القطارات، ليقتصر بيعه على أرض محطة القطار فقط.


وفي يوم من الأيام اشتد الألم على أمه في إحدى الليالي، وقرر الطبيب أنها تحتاج لجراحة، ولكن عليها الانتظار للصباح.


فقال للطبيب: ولكن يا سيدي إنها لا تحتمل الألم، إنه قد يقتلها من شدته قبل الصباح.


فرد عليه الطبيب: وماذا أستطيع أن أفعل يا بني، أحتاج إلى إضاءة؟!


وسطر توماس في مفكرته أنه لابد من إيجاد وسيلة للحصول على ضوء ليلًا أقوى من ضوء الشموع، هل ترون كم هي بسيطة مشاريع النجاح؟! إن توماس أديسون كان له في كل لحظة مشروع، ذلك أنه كان دائم النظر حوله والاستفادة من كل الناس، كان مراقبًا جيدًا، يتابع ويراقب ويجرب.


أجرى أديسون 99 تجربة فاشلة قبل الحصول على مصباح حقيقي، وفي المحاولة رقم 100، لما سُئِل: ألا يكفي هذا العدد من تجارب الفشل؟ فقال لهم: لقد تعلمت من هذه التجارب أن هناك 99 طريقة لا يمكن لأي منها أن يصنع المصباح الكهربائي، وبالفعل كانت المحاولة رقم 100 هي الناجحة.


وهذا هو السر في أن ذلك الفتى الفقير الأصم قد أصبح أديسون صاحب الـ(1093) اختراعًا المنفذة، وآلاف أخرى احتوت عليها مفكرته لم يمهله العمر لتنفيذها.


وهذا التعامل مع الفشل بتلك الصورة الإيجابية سنة كونية وفطرة بشرية تجري على الأمم كما تجري على الأفراد