( يا رب استرها معاي )
جملة جميلة كان يدعو بها ذلك الكهل المصري في سجوده في صلاة القيام
بصوت منخفض ونفس متقطع وعبرات مسموعة,
وقد جاذبته أطراف الحديث بعد الصلاة وأفضى إلي بسرِّه،
وكونه مديوناً بمبلغ كبير وأنه واثق بالله أنّ دينه سيقضى،
وكان يتحدث بلغة المتفائل الجازم,
وكم هو رائع حديث البطل مهند أبو دية المخترع العظيم الذي
قال في أحد اللقاءات بعدما أصيب بالعمى وبُترت أحد أطرافه:
إنني أعمل الآن بالمستوى الصعب وأن الثقة بالله والتفاؤل قد غمراه
بأنّ مستقبلا أجمل ينتظره!
وعندما شاهد أديسون معمله الذي يحوي مئات من الأبحاث
والاختراعات والأفكار المكتوبة قد التهمته ألسنة اللهب
وذهب جهد السنين في لحظة!
لم يزد على أن قال: ما أجمل أن نبدأ من جديد!
وعلى الوجه الثاني من العملة لن أنسى ذلك الشخص الذي
أصيب بأنفلونزا فكان ينوح ويبكي كأنما أصابته إحدى دواهي الزمان!
وتذكّرت مهند وقبله الصابر أيوب عليه السلام عندما ابتلي بالأوجاع
فلم يزد عن قول {... أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ }!
فما أروع المتفائل وما أطيب مجلسه وما أروع حديثه,
مطلبه هيّن ومرامه قريب ومراده سهل.



أتعس البشر :
التعساء في الدنيا كثيرون والأشقياء لا حصر لهم،
ولكنني أزعم أن أشقاهم وأكثرهم تعاسة هو المتشائم!
وهو شخص ثقيل الطلعة بارد الحركة كأن وجهه أيام
المصائب وليالي المحن!
قد سلب نفسه القدرة وهبط بنفسه إلى أسفل سافلين!
ولست أشك في أن ما رُزأ به الكثير من الناس في حظهم من الشقاء
وفي عيشهم من البؤس وفي إنتاجيتهم من الضعف،
وفي يومهم من الهم وفي حياتهم من الكدر،
إنما جره عليهم شؤم التشاؤم!
فقد خيّل لهم اليأس أنّ الحياة مقبرة موحشة ساكنة
لا يهتف فيها صوت ولا يلمع في جوانبها ضوء!!!
لذا لا غرابة إن وجدت المتشائم قد ظللت جبينه الوضاح
سحابة سوداء من الغم، وانحنى على نفسه واستسلم لليأس.


ماذا يفعل التشاؤم ؟!
يؤدي التشاؤم إلى سيطرة اليأس على النفوس
ونتيجة هذا مجتمع كسيح وأفراد مسلوبو الإرادة،
ولم أر شاهدا على سوء فعل التشاؤم وسيطرة اليأس كما حدث
مع المسلمين عند غزو (التتار)،
فقد بلغ التشاؤم واليأس بهم مبلغاً عظيماً حتى أن المرأة التتارية
كانت تأمر مجموعة من الرجال الأشداء بأن لا يغادروا
لمكان حتى تحضر سلاحاً لتقتلهم به وكان يفعلون!


الأمر بيديك :
- هل تريد أن تحيا أجمل حياة؟


- هل تريد أن تكون شخصاً منجزاً وعنصراً فاعلاً ؟


- هل تريد أن يأنس الناس بقربك وتحظى بمنزلة رفيعة عندهم؟


- هل ترغب بوجه جميل وثغر باسم وشباب دائم؟


- هل تريد مناعة أقوى وصحة أفضل؟


نعم سبيلك إلى كل هذا هو التفاؤل وحسن الظن بالله،
وهو ما سيحيل الصحراء القاحلة إلى واحات وبساتين والجداول الجافة
إلى أنهار جارية، وسيظهر في سماء آمالك نجوماً
لامعة تنير ظلمة حياتك وستملك القوة المعينة على النهوض بإذن الله!


ممّ تخاف ؟!
هل تخاف ذهاب المال؟ وهل يقلقك تردي صحتك وأصابتك بالمرض؟
هل تخشى على مستقبل أولادك؟ هل تفكر بالكوارث البيئية واحتمالية وقوعها؟
هل تخاف الاستغناء عنك في العمل؟


أرح نفسك وتذكَّر أنّ الأرزاق مقسومة والآجال محسومة
في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى!


نفسي التي تملك الأشياء ذاهبة
فكيف أبكي على شيء إذا ذهبا؟!


همسة
تعجبني كثيراً الحكمة التي تقول:
ربما أخفق المتفائل والمتشائم في حسابات المستقبل,
ولكن المتفائل سينعم براحة البال لحين وقوع الحدث!
وقديماً قال مارثا واشنطن

(

إنّ الجزء الأعظم من سعادتك أو نجاحك أو شقائك
أو فشلك مردّه لتوجهك الذهني )
وسيحرم الإنسان نفسه الكثير من الأشياء الجميلة في الحياة
والاستمتاع بمباهجها عن طريق اعتناق قناعات سلبية
أو تبنّي توجُّه ذهني فاسد!


والناس في قضية التفاؤل بين طرفي نقيض،
فهناك من يفرط في التفاؤل وهو مطلوب، ولكنه لابد أن يتبعه عمل واجتهاد
وتحسُّب لأيّ ظرف، وهناك من امتهن التشاؤم وقد وصل به الأمر
أن أوداجه تنتفخ ويحمر أنفه إذا قلت له: تفاءل!
وكأنما قد أوصيته بما يستحيل عليه فعله!
ولسان حاله لو أنني تاجرت بالقبعات لخلق الناس بلا رؤوس!
والسماء لا تضن بمائها والأرض لا تشح بنباتها، ولكنه عقل المتشائم!
وليس التفاؤل حالة نفسية نخدّر بها النفس ونتحايل بها على الواقع،
وإنما هي حالة من حسن الظن بالله وسمو النفس،
محرضاً على الجد محسناً من الواقع


ومضة قلم
لن تستطيع أن تمنع طيور الهمّ أن تحلّق فوق رأسك،
ولكنك تستطيع أن تمنعها من أن تعشش في رأسك!