قال الفيلسوف الألماني كارل ماركس: أنا آكل.. إذن أنا موجود.

وقال الفيلسوف الفرنسي ديكارت: أنا أفكر.. إذن أنا موجود.

وقال الشاعر بايرون: أنا أحب.. إذن أنا موجود.

وقال الأديب كافكا: أنا خائف.. إذن أنا موجود.

وقال تولستوي: لن أكون حرا حتى تموت زوجتي!

وكل واحد من هؤلاء يريدك أن تعرفه على هذه القاعدة.. فهذا هو مفتاح الدهليز إلى أفكاره وأعماقه النفسية!

وفي حياة الواحد منا ألوف الناس.. قريبون وبعيدون كثيرون عاشوا دون أن يتركوا أثرا.. كما تمر الرياح على أوراق الشجر.. أو على رمال الصحراء.. أو يتركوا أثرا كما تمر السيارات في الوحل.. أو كما تنفذ أشعة الشمس إلى الغرفة المظلمة.. أو كأعواد الحديد الساخن على بشرتك.

وقد يكون أقرب الناس إليك أبعدهم عنك.. ويكون أبعدهم عنك أقربهم إليك.

وقد يكون الشخص متواضعا، لكنه عميق الأثر: أمي وأمك مثلا.

وقد يكون أكثر ثقافة وأوسع إدراكا: المدرسون مثلا.. ولكن لا أثر لهم!

وقد تقرأ كتابا قديما فيهزك.. وتقرأ كتابا حديثا كما تقرأ صحيفة يومية لا تهزك.

وقد يكون الكاتب الذي تقرأ له جميل العبارة عميق النظرة مسايرا للعصر يلقي الضوء في كل مكان.. لكنه لا يثيرك.. فقد يكون جاء في الزحام.. أو يكون قد جاء في الوقت غير المناسب.

فعندما كنت مشغولا بالأستاذ العقاد.. لم أكن أقرأ لسواه.. لدرجة أنني لم أعرف أن هناك أدباء آخرين غيره في مصر.. ولما قرأت مقالا لطه حسين بعد سنوات من متابعتي للعقاد أدهشني أن هناك أدباء آخرين!

لكن طه حسين جاء في غير أوانه.. جاء بعد أن امتلأ عقلي بالعقاد.. فلم أجد له مكانا.. ولم أقفل عقلي دونه.. وإنما أجلسته علي بابي سنة.. وعشر سنوات!

وأحزنني أنني لم أعرف طه حسين والحكيم والمازني والرافعي وشوقي وابن المقفع والجاحظ وابن خلدون والحريري وزكي مبارك إلا بعد ذلك بوقت طويل!

تماما كما تتوافر كل الظروف المناسبة لنمو بذرة من البذور: الأرض والماء والهواء والشمس.. وسلامة البذرة.. لكنك ألقيتها في غير أوانها!

ويوم قرأت رواية «الحب والدسيسة» للشاعر الألماني شيلر لم أكن أعرف أن هناك قصصا وروايات مصرية أو عربية!

ويوم عرفت الأديب الإيطالي ألبرتو مورافيا وقابلته وصادقته وقدمته إلى اللغة العربية لم أكن أعرف نجيب محفوظ ولا قرأت له!