عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
الإخفاق والنجاح
الإخفاق كلمة موجعة مؤلمة، ومخيفة، الكل يتحاشاها.. كما أن النجاح "كلمة" محببة، ومريحة وكل الناس تطلبها.. ولكن ما هو النجاح، وما هو الإخفاق، ما هو المعيار الحقيقي لهذه الكلمة أو هذه المسألة؟!.. ومن الذي يحددها؟!
الحقيقة أن الأمر في ظاهره سهل التحديد، واضح المعالم. فللنجاح صورته، وللإخفاق صورته الواضحة أيضاً. وقد يكون البرهان، أو الدليل، أو المقارنة أمراً غير مطلوب أو غير وارد لوضوح المسألة.
هذا هو ظاهر الأمر - عند تبسيطه - لكن باطنه غير ذلك!! فمعايير النجاح أو الإخفاق قد تكون أشياء أخرى، وهي التي تحدد بالضبط معنى النجاح.. أو موقع الإنسان الناجح من الإنسان المخفق.. الكثيرون مثلاً يرون أن المنصب، أو المال، أو السلطة والجاه، دلائل النجاح.. وفي المقابل فإن الفقر، وضعف النفوذ، ودنو المكانة، إخفاق أو من دلائل الإخفاق.
@ وفي تصوري أن المسألة ليست كذلك، ويجب ألا تكون كذلك وإلا لتغير الكثير من القيم، والأخلاق.. ولوجد أصحاب النفوس السامية، والأخلاق الراقية وذوو الفكر النير أنهم في عداد المخفقين.
إن النجاح والإخفاق أمران نسبيان، لا تحددهما الظواهر المادية، ولا تحددهما رؤية المجتمع فحسب بل تحددهما أيضاً شخصية المرء، ومفهومه للحياة.. فالذين يرون أن في علو المكانة والمنصب دليلٌ على التفوق والنجاح فإن على نظرتهم هذه كثير من التحفظ والملاحظة إذا لم نقل أن فيها كثيراً من القصور وقلة الفطنة..!
كثير من أولئك الذين يظن أنهم ناجحون - وفقاً لتلك المعايير - هم في حقيقة الأمر مهزومون في دواخلهم مخفقون أمام أنفسهم.. إذا لم يكن لديهم من الحصانة، وصلابة الموقف مع الذات، وتغليب نوازع الخير ما يجعلهم قادرين على الإفادة من مواقعهم لخدمة الغير، لا لخدمة الذات.. ومهما تعاظم أمر المسؤولية، واشتد خطرها فإذا لم يكن صاحبها راقياً بذلك المفهوم فإن المسؤولية تنجح والمسؤول يخفق!!.. لأنه يعرف في قرارة نفسه مدى تيهه، وتخبطه، وعدم صدقه مع قوانينه الذاتية والتي لا يطلع عليها سواه، ولا ينبئه بها غير ضميره.
والغني الذي لا يستطيع كبح النهم، والجشع، والخوف من المستقبل، والطمع في الحاضر، هو في حقيقة أمره إنسان مخفق لأنه نجح في توفير المال، ولم ينجح في تسخيره لطمأنة نفسه، وإسعاد غيره معه، وظل معتقلاً ومرتهناً لهواجس تفزعه فتنغص عليه حياته، وتحرمه لذة المتعة ونعمة الهدوء فإذا هو يعيش الفقر، بل أسوأ حالات الفقر:
ومن ينفق الساعات في جمع ماله
مخافة فقر فالذي فعل الفقر
فهو بهذا المفهوم إنسان مخفق لأنه لم يتخلص من عبودية وسيطرة المال.
وصاحب النفوذ وهي قد تكون سلطة مال، أو مركز، أو فكر أو هي كل هذه الأمور مجتمعة فإنها قد تحقق في ظاهرها نجاحاً في السيطرة على كثير من الأشياء والقدرة على توفير الكثير من المكاسب.. لكنها لن تستطيع أن تردم ذلك الفراغ في ذات صاحبها إذا كانت فارغة من الخير.. ولن تستطيع أن تسد تلك الهوة الواسعة ما بين نوازع الضمير، ومطامع النفس، كما أنها لن تفلح في إصلاح ذلك العطب، ولا تلك الخلخلة والتي كانت نتيجة طبيعية، لذلك الارتباك والقلق الداخلي والذي لم تتمكن المغريات ولا المكاسب في أن تنجح في تثبيته واستقراره والسيطرة عليه.. وهو بهذا يعاني من إخفاق عنيف وضمير غير آمن.
والمفكر إذا تحول إلى بهلوان يمارس حركاته الفجة في سرك النفاق والدجل وراح يثرثر بلسان وفي داخله لسان آخر، وصار يجرجر كرامته ومبادئه على مزابل المنفعة وأصبحت شهوة "الأنا" فوق كل شهوات الخير، والنبل، والشرف، فهو إنسان في نظر "التاريخ" مخفق بكل المقاييس.
إذاً فالنجاح شيء لا يكتسب بالمركز، أو المال، أو اللسان كما أن الإخفاق شيء لا تدفعه أو تمنعه تلك الأشياء.. وإنما هي النفوس الفاضلة، أو الشريرة، والضمائر الحية المستيقظة، أو الخاملة العفنة.
الإخفاق هو ذلك المظهر الزائف البراق المخادع والذي تختفي وراءه نفس مفككة، خائرة، مريضة بالريبة والنفاق.. والنجاح هو أن تعيش في علنك وسرك، نظيف القلب، نظيف الكلمة، نظيف اليد، عف الضمير، رضي النفس بالخير مغتبطاً بفعله.
سمعت عن الكثير من الناجحين فلما تعرفت عليهم وتعاملت معهم عن قرب أدركت أن سر نجاحهم ليس في المركز أو المال ولكن في النقاء وفي الصدق مع النفس ومع الغير وفي بساطتهم وإنسانيتهم الآسرة.
المفضلات