عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 33
ليس الخجل كالحياء
كثيراً ما يستخدم الناس لفظي «الحياء» و»الخجل» على إنهما لفظان مترادفان ، يشيران إلى مدلول واحد ، مع أن الأصول اللغوية للفظين ، وكذلك ملاحظة وتفسير سلوك الأفراد في واقع الحياة ، تشير إ
لى أن ثمة اختلافاً كبيراً بين المفهومين ، فالحياء سلوك سويٌ مستحبٌ محمودٌ ، له بعد أخلاقي إيجابي . أما الخجل فهو سلوك سلبي يخرج عن حدود السواء ، وينبغي التخلص منه .
الخجلُ والحياءُ ...
في معاجم اللغة ...
ولـو أننا إستشرنا معاجم اللغة ، وبخاصة قديمها ، لوجدناها تقول في «الحياء» إنه يعني «الاحتشام» ، علماً بأن لفظ «احتشم» يفسر لغة على أنه « (استحيا ، وسلك في حياته مسلكاً محموداً وسطاً) ، أما تفسير تلك المعاجم لمعنى «الخجل» ففيه ربط لمفهومه بمدلول التّلبك والتّردد والتّعثر، فهي تذكر أن معنى خجل البعير : (سيره في الطين وبقاؤه كالمتحيّر) وتذكر أن مُحرِّكَ الخجل هو (أن يلتبس الأمر على الرَّجل فلا يدري كيف المخرج منه) .
كما أن المتتبع لما قيل حول موضوع الحياء في التراث القديم ، يلمس أنه قد تم ذكره كخُلق رفيع ، وفضيلة كبيرة ، وأن الألفاظ التي وردت كنقيضٍ وضـدٍ لمعناه هي «الفُحش» و»البذاءة» ، بينما لو تفكرنا بمعنى الخجل كما أشارت إليه المعاجم ، وكما سيرد مفهومه تالياً في تفسير علماء النفس ، لوجدنا أن ضده ونقيضه هو «الجرأة» .
الخجلُ في مراجع علم النفس ...
تُعرّف مراجع علم النفس الخجل على أنه « حالة عاطفية أو انفعالية معقّدة ، تنطوي على شعور سلبي بالذات ، أو على شعور بالنقص والعيب ، لا يبعث على الارتياح والاطمئنان في النفس « ، ويعبّر الأستاذ الدكتور فاخر عاقل عن مفهوم الخجل بعبارات مختصرة دقيقة تصيب المعنى ، فيقول عنه إنه : « مرض الحائر بين حب الظهور ، والرغبة في الانزواء ، أنه مرض الذي يشعر بقصوره ويرغب في مزيد من البروز « .
ولئن كان الخجل يُعبِّر عن نفسه بعدة مظاهر إنفعالية ، كالتّلبك والتّلعثم والعجز عـن التّصرف وتسارع دقات القلب والتعّرق وتلّون الوجه .. كما يعبر عن نفسه إجتماعياً بمظاهر أخرى ، كالهروب والسلبية والعزلة ، والعجز عن التكيف مع المحيط ، فإنه يرتبط من حيث العمق بجوانب نفسية متعددة مثل : الثقة المتزعزعة بالنفس ، والشعور بالنقص ، والحساسية المفرطة ، والإحساس بمراقبة الناس ، والاستغراق بالذات وكثرة التفكير فيها ، والخوف من الخطأ ، وتعليق الأهمية الكبيرة على آراء الآخرين ، وتوقّع الكثير من النفس ، والطمع في الكمال ، وحب التفوق والرغبة في الظهور مع عدم القناعة بالذات .
ذاك هو الخجل ... فما هو الحياء ؟
يرتبط الحياء ، أكثر ما يرتبط ، بشعور راسخ في النفس يمنع المرء من تصرفات وأحاديث ومواقف تنافي الاحتشام والأدب والتهذيب ، ومن ذلك التّرفع عن القول البذيء ، وتحري الصوت المنخفض عند الحديث ، إضافة إلى الخوف مما يمسُّ السمعة ، أو يُوقع في الحرج ، وتحري الإبتعاد عن ثقل الظلِّ وإزعاج الآخرين ..
ولغايات توضيح هذا الفرق بين الخجل والحياء من خلال المثال ، فإن إحجام التلميذ مثلاً عن إلقاء سؤال يجول في باله على أستاذه في الفصل الدراسي أمام أقرانه وتردده في ذلك ، هو من قبيل الخجل ، أما تحري هذا التلميذ للوقت الأنسب لطرح السؤال ، والاستئذان ، وطرحه بصوت مهذب وألفاظ مؤدبة ، فهو من قبيل الحياء .
خجول بلا حياء ... وحييٌّ بلا خجل .. !
لأنَّ الخجل يرتبط غالباً بالغرباء وليس بالأقربيين ممن أَلِفَهُم الفرد واعتاد عليهم ، فكثيراً ما تجد شخصاً يعاني الخجل ، لكنه لا يملك الحياء ، فهو بين الأقربين من الأهل والأصدقاء والمعارف بذيء فاحش أرعن لا يتحرى التأدّب ، ولا يأبه بمشاعر الآخرين ، بينما تجده بين الغربــاء مُحْجِماً متهيّباً ، ساكناً أو منزوياً ، والعكس صحيح أيضاً ، فثمة من يملك الحياء ، فهو حريص على صورته وسمعته ولباقته ، غير أنه جريء غير متهيّب ، ولا يجحم عن التفاعل مع بيئته الاجتماعية ، والتعبير عن رأيه بلباقة وأدب .
وبعد ...
بقيت نقطة أخيرة ، وهي أننا لو حاولنا أن نتفكر بالأشخاص الذين تمكنّوا من إستمالة مشاعرنا ، وجذبنا إليهم ، والحصول على محبتنا ، لوجدنا أنهم في كثير من الأحيان من أصحاب الحياء ، فالحياء صفة من شأنها جذب الآخرين واستمالة مشاعرهم والتأثير فيهم ، بينما يؤدي الفحش والابتذال والبذاءة والوقاحة و(قلة الحياء) بوجه عام إلى النفور وعدم التقبّل.
المفضلات