موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
الاكتئاب ؛ امراض نفسيه مزمنه ؛ انواع الاكتئاب
يُعَدّ الاكتئاب من أقدم الأمراض النفسية المعروفة؛ إذ وصف في كتابات قدماء المصريين، بحزن القلب، والرغبة في الموت، مع النوم والكسل، وكان ذلك قبل الميلاد بما يزيد على ألف عام. كما وصفت أعراض الاكتئاب في قصة انتحار أجاكس، في إلياذة هوميروس، في القرن الثامن قبل الميلاد. وفي عام 450 قبل الميلاد، أسماه هيبوقراط السواد الارتدادي (الميلانخوليا).
وفي العصور الوسطى، قسم ابن سينا الميلانخوليا إلى أربعة أنواع، طبقاً لمزاج الشخص المضطرب.
ثم أسماه أطباء النفس الفرنسيون، بالاكتئاب، عام 1854، ووصفوا تناوبه مع الهوس. ويتفاوت الاكتئاب بتفاوت أسبابه أو طبيعة الاضطراب المرَضية، وقُسم، تبعاً لذلك، إلى عدة اضطرابات اكتئابية، هي:
1. الاكتئاب الجسيم
وأهم ملامحه، هو الاكتئاب الوجداني، أو سرعة الاستثارة، في حالة الأطفال والمراهقين، أو فقْد الاهتمام، أو فقْد الاستمتاع في كل الأنشطة، أو أغلبها، إضافة إلى أعراض مصاحبة لمدة أسبوعَين على الأقل. تمثل تغير الأداء الوظيفي السابق. وهي ثابتة أغلب ساعات اليوم، طوال الأسبوعَين.
وهناك أعراض تكمل صورة الاضطراب، وهي اضطراب الشهية، وتغيّر الوزن، واضطراب النوم، وزيادة النشاط الحركي أو نقصه، ونقص الطاقة، والشعور بفقد القيمة، أو الإحساس بالذنب الشديد غير المناسب، وصعوبة التفكير، أو صعوبة التركيز، وتكرار فكرة الموت، أو أفكار أو محاولات انتحارية.
والاضطراب ليس تفاعلاً طبيعياً لفقد شخص عزيز، كما أنه ليس طارئاً على اضطراب ذهاني (مثل الفصام والاضطراب فصامي الشكل، والاضطراب الضلالي).
ويصف الشخص شعوره بالاكتئاب أو الحزن أو اليأس وفقْد الحماسة. وفي بعض الحالات، قد ينكر الشخص شعوره بالاكتئاب. ولكن المحيطين به، يلاحظون حزنه واكتئابه.
كما يصف فقْد الاهتمام، بأن أنشطته السارة، فقدت مسرتها، وأنه فقد الاستمتاع بالأشياء. ويلاحظ انسحابه من أصدقائه، وإهمال أنشطته الترفيهية المعتادة، التي كانت مصدر سروره قبل ذلك.
ويكون اضطراب الشهية، غالباً، بفقْدها. ولكنه يكون، أحياناً، بازديادها إلى درجة واضحة. ويصاحب فقْدها الشديد نقص الوزن. وفي حالة الأطفال، يفشل في الوصول إلى الوزن المتوقع له. وعادة، يصاحب زيادة الشهية زيادة الوزن.
كذلك، يضطرب نوم المكتئب، وغالباً ما يأرق. وأحياناً، يزداد نومه. والأرق يشمل صعوبة الدخول في النوم. وقد يتخلل النوم. وربما ألمّ في الصباح الباكر. أما كثرة النوم، فتشمل النوم أكثر من المعتاد، أو النوم المتقطع، وأحياناً يكون سبب حضور المريض للعلاج، هو اضطراب النوم.
أما الفوران الداخلي، فيأخذ شكل عدم القدرة على الاستقرار في مكان، أو هو رغبة في التجوال، أو الطرق باليد، أو شد الشعر، أو حك الجلد. والتبلد الحركي يأخذ بطء حركة الجسم، وبطء الكلام، مع فترات صمت، قبل الإجابة عن الأسئلة، ويكون الكلام بصوت خافت، وعلى نغمة واحدة، إضافة إلى نقص كمية الكلام، أو البكم. ويصاحب ذلك نقص الطاقة، والشعور بالإجهاد، دون مجهود جسماني، وتبدو المهام للمريض في صعوبة المستحيل.
ويتفاوت الإحساس بفقد القِيمة، من مشاعر العجز، إلى التقييم السالب للنفس، مع انتقاد النفس لكل فشل بسيط وتضخيمه، فضلاً عن الشعور بالذنب، الذي قد يصل إلى درجة الضلال، إضافة إلى كثرة الأفكار عن الموت، وتفضيله على الحياة. وقد يوجد لدى المكتئب أفكار انتحارية، أو خطة لذلك، يمكن أن ينفذها، محاولاً الانتحار.
والأعراض المصاحبة للاكتئاب، تشمل: البكاء، والقلق، وسرعة الاستثارة، واجترارات وسواسية، وانشغال بصحته الجسمانية، ونوبات هلع ورهابات. وعندما توجد أعراض ذهانية (ضلالات أو هوس)، فإن محتواها، عادة، يكون واضحاً متماشياً مع حالة الوجدان. والضلالات الشائعة في الاكتئاب، أن الشخص مضطهد، بسبب سوء أخلاقه، أو عجزه الشخصي.
وقد توجد ضلالات العدمية للعالم أو الشخص، وربما تكون ضلالات جسمانية (توهم أنه مصاب بالسرطان، أو مرض آخر خطير)، وقد تكون ضلالات الفقر. وعندما يوجد الهوس، يكون عابراً، وقد يحوي أصواتاً تلومه. ونادراً ما يكون محتوى الضلالات والهوس، غير متسق مع حالة الوجدان.
وهناك أعراض خاصة، تظهر في أعمار معينة، في حالات الاكتئاب، وهي:
أ. الأطفال في مرحلة ما قبل البلوغ: تكثر الشكوى الجسمانية، والفوران الداخلي، والهوس، المتفقة مع حالة الوجدان (عادة، صوت واحد، يتحدث إلى الطفل). كما يكثر في اكتئاب الأطفال، أن يصاحبه القلق (القلق العام، وقلق الانفصال واضطراب التجنب).
ب. المراهقون: توجد السلبية، أو السلوك المضاد للمجتمع، وتعاطي العقاقير وإدمانها، مع العناد، واضطراب السلوك. وتكثر الرغبة في ترك البيت. ويشكو المريض أن الآخرين لا يفهمونه. وتشكو الأسرة عدم استقراره، وعدوانه، ومعارضته لكل شيء، وعدم تعاونه، في شؤون البيت، إضافة إلى انسحابه من الأنشطة الاجتماعية، والانعزال في حجرته، وتأخره الدراسي، وعدم الاهتمام بمظهره، مع حساسية خاصة للرفض في العلاقات العاطفية.
ج. كبار السن: أحياناً تكون أعراض الاكتئاب في كبار السن، اضطراب الاهتداء، وفقْد الذاكرة، والتشتت، الأمر الذي يوحي بوجود خرف. كما أن فقْد الاهتمام، وفقْد الاستمتاع بأنشطه معتادة، قد يبدو كتبلّد، أو صعوبة في التركيز، يعطي صورة الخرف الكاذب، الذي يرجع إلى الاكتئاب، ويلزم تمييزه عن الخرف، الذي هو اضطراب عقلي عضوي. ونوبة الاكتئاب الجسيم إما أن تكون واحدة أو مترددة.
البداية والمسار والمآل لاضطراب الاكتئاب الجسيم
يكثر بدء الاكتئاب في أواخر العشرينيات. ولكن قد يبدأ في أي سن، بما في ذلك الطفولة المبكرة والرضاعة. وتتفاوت البداية من فجائية إلى تدريجية ( إذ تكتمل الأعراض على مدى أيام أو أسابيع ). وتتفاوت مدة الاكتئاب العظمى، فالنوبة التي لا تعالج، تظل مدة ستة أشهر أو أكثر، ومآل نوبات الاكتئاب هو التحسن الكامل، ويعود الشخص إلى سابق أدائه الوظيفي والاجتماعي. ولكن، في عدد غير قليل من الحالات، يظل بعض أعراض النوبة لمدة عامَين، من دون تحسّن لفترة شهرين أو أكثر.
وهذه النوبات تسمى النوع المزمن. وبعض الناس، يصابون بنوبة واحدة، ولكن 50% ممن يصابون بنوبة اكتئاب جسيم، تعاودهم الإصابة بنوبات أخرى، وهم أكثر عرضة لحدوث الاضطراب ثنائي القطبية. وأهم مضاعفات الاكتئاب، هو الانتحار.
2. الدسـثيميا (الاكتئاب العصابي المزمن)
وهو اضطراب الوجدان المزمن، الذي يتضمن اكتئاب الوجدان أو استثارته، في الأطفال والمراهقين، معظم فترات اليوم، وفي أغلب الأيام؛ ولمدة سنتَين، على الأقل، عند الراشدين، وسنة واحدة، على الأقل، عند الأطفال والمراهقين. إضافة إلى بعض الأعراض المصاحبة الآتية: نقص الشهية أو زيادتها، أرق النوم أو زيادته، نقص الطاقة والشعور بالإجهاد، نقص اعتبار الذات، صعوبة التركيز، صعوبة اتخاذ القرارات، والشعور بالعجز.
ولتشخيص هذا الاضطراب، يجب أن تظل الأعراض مدة سنتَين، لا تختفي خلالها مدة تزيد على شهرَين، وألاّ تتفق مواصفاته مع نوبة الاكتئاب الجسيم، خلال مدة السنتَين، وألاّ يكون طارئاً على اضطراب ذهاني مزمن، مثل الفصام، وألاّ يكون راجعاً إلى سبب جسماني، أو تعاطي مادة ذات مفعول نفسي.
كثيراً ما يكون السبب الظاهري للاكتئاب العصابي، اضطراباً نفسياً غير وجداني، مثل القهم العصابي، أو اضطراب التبدين، أو القلق، أو إدمان مادة ما؛ أو يكون اضطراباً جسمانياً، مثل التهاب المفاصل الروماتيزمي. هذه الحالات من الاكتئاب العصابي، تسمى النوع الثانوي، بينما تلك التي لا تعود إلى اضطراب آخر، تسمى النوع الأولي.
يبدأ الاكتئاب العصابي بداية غير واضحة. وقد تكون قبل سن الحادية والعشرين، وتسمى البداية المبكرة. وقد تكون عند هذه السن أو بعدها، وتسمى البداية المتأخرة، والمسار مزمن.
وغالباً ما يطرأ على المصابين بهذا الاضطراب، نوبات الاكتئاب الجسيم، وحينئذٍ، يطلق عليه الاكتئاب المتضاعف، وهذا ما يجعل هؤلاء المرضى، يبحثون عن العلاج. وفي هذه الحالة، غالباً ما يظل الاكتئاب العصابي، بعد تحسّن نوبة الاكتئاب الجسيم.
والإعاقة التي يسببها هذا الاضطراب، طفيفة، لأنه مزمن. ونادراً ما يحتاج المريض إلى دخول مستشفى. ونظراً إلى أن هذا الاضطراب مزمن، فإن أخطر مضاعفاته هو الإدمان، كمحاولة من المريض لعلاج نفسه بتعاطي المنشطات. وفي حالة الأطفال والمراهقين، يتأثر التفاعل الاجتماعي، ويصبحون أكثر خجلاً وسلبية، أو عناداً وغضباً. وقد يتأثر إنجازهم الدراسي.
ويصعب تمييز الاكتئاب المزمن، بصفة خاصة، من نوبات الاكتئاب الجسيم؛ لأن أعراضهما واحدة، فنوبة الاكتئاب الجسيم، يقلّ فيها أداء الشخص المعتاد بصورة ملحوظة، بينما الاكتئاب العصابي خفيف الشدة، وربما لا يؤثر في أداء الشخص، ويظل لعدة سنوات. وعندما تطرأ نوبة اكتئاب عظمى، يسمى بالاكتئاب المتضاعف. كما يجب تمييزه من تغيرات الوجدان الطبيعية، والتي لا تؤثر، بأي درجة، في أداء الشخص، وليست شديدة، ولا متكررة.
3. الاضطراب ثنائي القـطب، أحدث نوبة اكتئاب
ويتميز بحدوث نوبة اكتئاب جسيم، حالية أو حديثة، مع حدوث نوبة سابقة من الهوس.
4. النوبة المختلطة
وتتميز باتفاق مواصفاتها مع كل من نوبة الهوس ونوبة الاكتئاب، (عدا المدة)، وتقريباً كل يوم، خلال أسبوع على الأقل. والاضطراب يسبب خللاً اجتماعياً ووظيفياً، أو يستدعي وضع المريض في مستشفى، لمنع إيذاء نفسه والآخرين، أو لوجود أعراض ذهانية. والأعراض لا ترجع إلى تأثيرات فسيولوجية مباشرة لمادة ما، مثل الإسراف في تعاطي مادة ذات مفعول نفسي، أو عقار طبي كعلاج، أو حالة طبية مرَضية (مثل زيادة نشاط الدرقية).
5. الاضطراب الدوري (سيكلوثيميا)
ويتسم هذا الاضطراب بالوجدان المضطرب المزمن، الذي استمر، على الأقل، مدة سنتَين (أو سنة واحدة عند الأطفال والمراهقين)، شاملاً عديداً من نوبات الهوس الخفيف، وفترات عديدة من الاكتئاب الوجداني، أو فقْد الاهتمام والاستمتاع فقْداً شديداً، أو مدة لا تكفي لتشخيص نوبة الاكتئاب الجسيم أو نوبة الهوس. ولا يخلو فيها من الأعراض الهوسية الخفيفة، أو الاكتئابية، مدة تزيد على شهرَين. ومن الجدير بالذكر، أن الحدود بين الاضطراب ثنائي القطب والسيكلوثيميا غير واضحة. ويعتقد بعض الباحثين، أن السيكلوثيميا شكل خفيف من الاضطراب ثنائي القطب.
وتشبه الأعراض المصاحبة، تلك المصاحبة لنوبة الهوس والاكتئاب الجسيم، عدا أنه لا يوجد خلل واضح في الوظيفة، المهنية والاجتماعية، بل في بعض الحالات، يكون الشخص أكثر إنتاجاً وظيفياً، واندماجاً اجتماعياً، خلال نوبة الهوس الخفيف. ويشيع الإدمان، كعرض مصاحب لمحاولة علاج النفس بالمهدئات والكحوليات والمنشطات.
عادة يبدأ اضطراب السيكلوثيميا في المراهقة، أو بداية الرشد. وتكون البداية غير واضحة، والمسار مزمن. ويضطرب أداء الشخص، الوظيفي والاجتماعي، خلال فترات الاكتئاب، ولكن إلى درجة تقلّ كثيراً عما يحدث في نوبات الاكتئاب الجسيم. وقد يتحول هذا الاضطراب إلى اضطراب ثنائي القطبية، أو نوبات هوس أو اكتئاب.
6. اكتئاب ما بعد الذهان
وهو يشبه الأعراض المتبقية للاضطرابات الذهانية. أو هو تأثيرات جانبية، تنشأ عن مضادات الذهان، المستخدمة في علاج الفصام؛ إذ إنها قد تقلل من الأمينات الأحادية، وتحدث الاكتئاب، الذي يصعب تمييزه من اضطراب الفصام الوجداني النوع الاكتئابي. ومواصفاته هي مواصفات نوبة الاكتئاب الجسيم، التي تحدث خلال المرحلة المتبقية من الفصام. والأعراض ليست بسبب تأثير مادة ما، أو جزءاً من اضطراب الوجدان، أو بسبب حالة مرَضية جسمانية.
7. الاكتئاب الموسمي
ثمة علاقة مبدئية، بين بدء النوبة من الاضطراب ثنائي القطب (الاكتئاب والهوس) أو نوبة الاكتئاب الجسيم المترددة، وبين فترة ستين يوماً معينة من السنة، مثل الظهور المنتظم للاكتئاب، في الفترة من بداية شهر أكتوبر إلى نهاية شهر نوفمبر، وتحسّن الاكتئاب، أو تحوُّله إلى هوس أو هوس خفيف، الذي يحدث خلال فترة فبراير إلى منتصف أبريل. وهذه الملاحظة أدت إلى الأخذ في الحسبان النمط الفصلي (الموسمي)، لاستكمال التوصيف الإكلينيكي لاضطرابات الوجدان (الاكتئاب والهوس)، على أن يتكرر ذلك في ثلاث نوبات، في ثلاث سنوات منفصلة، أو على الأقل في سنتَين متتاليتَين.
المفضلات