للصوم العديد من الفوائد للصحة النفسية واستعادة التوازن النفسي, فهو فرصة أن يزيد الصائم من الشعور بقوة الإرادة والعزيمة من خلال الصبر على الرغبات والامتناع إراديا عنها

وتنمية للقدرة على تأجيل الإشباع للحاجات الشخصية، والشعور بالرضا من خلال نجاح الإنسان بضبط نفسه والتحكم في إرادته مما يزيد من الثقة بالنفس. كم أن الصوم ينمى الشعور بالانتماء لأمة المسلمين التي تؤدى الشعيرة ذاتها في وقت واحد يتوقفون عن الطعام والشراب معا ويفطرون معا. كما أن الصيام يساعد على تنمية القدرة على الضبط وقوة التحمل إذا صام المسلم، كما يأمر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بالامتناع عن الغضب وعن ردود الفعل.

الصيام يعطى للإنسان إحساسا بالطمأنينة، لأن به يقترب من ربه ‏‏مما يحقق له الإحساس بالعدالة، ويقوى من تحمل الظروف الصعبة التي تواجهه في الدنيا، وما قد يتعرض له من ضغوط وأحيانا إحساسه بالظلم؛ لاقتناعه بأن الله سوف يعوضه، مما يعطيه الراحة النفسية والهدوء والصبر على الابتلاء طمعا في الأجر عند الله،‏‏ لأن الإنسان يحتاج إلى الحماية من قوة كبيرة تدفع عنه الشر والضرر وتحميه من مستقبل غامض لا يعرف عنه شيئا،‏ ولاشك أن المجهول هو أكثر ما يخيف الإنسان ويربكه ويسبب له التوتر والقلق.

والصوم بما يمنحه للصائم من أمل في ثواب الله يجدد الرجاء لديه في الخروج من دائرة اليأس والاكتئاب، كما أن المشاركة مع الآخرين في الصيام والعبادات والأعمال الصالحة خلال رمضان يتضمن نهاية العزلة التي يفرضها الاكتئاب على المريض، ولقد وجد أن من أكثر العوامل التي تقي الإنسان وتحميه هو وجود شبكة اجتماعية من الأصدقاء والأقارب تدعمه وتساعده، وهو ما يتوافر في هذا الشهر الكريم باجتماع الأسرة على الطعام في وقت واحد والصلاة في جماعة وبالزيارات الأسرية، وممارسة العبادات مثل الانتظام في ذكر الله وانتظار الصلاة بعد الصلاة في هذا الشهر تتضمن التوبة، وتقاوم مشاعر الإثم وتأنيب الضمير، وتبعد الأذهان عن التفكير في إيذاء النفس بعد أن يشعر الشخص بقبول النفس والتفاؤل والأمل في مواجهة أعراض الاكتئاب. كما أن شعور الاطمئنان المصاحب لصيام رمضان، وذكر الله بصورة متزايدة خلال رمضان فيه راحة نفسية وطمأنينة تسهم في التخلص من مشاعر القلق والتوتر.

لكننا نجد بعض الناس خلال صيامهم في رمضان، ينفعلون ويغضبون لأقل حدث أو حتى بدون سبب؟ و يرجع ذلك إلى عدم الالتزام بالقواعد الصحية والآداب الشرعية في الصوم. فيجب أن يحرص الصائم على أن تبقى حياته طبيعية، وأن يتجنب كثرة السهر وعدم الإكثار من الأكل الدسم في الليل، لأن الدراسات أثبتت أن في أغلب الحالات النوم متأخراً أو متقطعاً أو قليلاً يؤثر على وضع هؤلاء الأشخاص النفسية في نهار رمضان.

كما أن إدمان القهوة والشاي والنيكوتين في الأيام العادية يؤدى لظهور الأعراض الانسحابية خلال نهار شهر رمضان، ومنها القلق والتوتر والانفعال.

كما أن قدوم شهر الصيام والاضطرار إلى الامتناع عن التدخين على مدى ساعات النهار هي فرصة للمدخنين الراغبين في الإقلاع لاتخاذ قرار التوقف نهائياً عن التدخين والإدمان. وهما من أصعب المشكلات التي تواجه الأطباء النفسيين، لأن تحقيق نتيجة إيجابية في علاج هذه الحالات يحتاج إلى إرادة قوية، والتي تزيد فرصته مع صيام رمضان، فالصيام تقوية للإرادة المتدنية لدى المدمنين، وقبولهم تحدى الامتناع عن الطعام والشراب خلال نهار رمضان يسهم في تقوية إرادتهم ومقاومتهم لإلحاح تعاطي مواد الإدمان المختلفة.

والبحث في مجال الطب النفسي أوضح أن الأشخاص الذين يتمتعون بشخصية متزنة ولديهم وازع ديني قوى، ويلتزمون بأداء العبادات وروح الدين في تعاملهم هم غالباً أقل إصابة بالاضطرابات النفسية، وهم أكثر تحسناً واستجابة للعلاج عند الإصابة بأي مرض نفسي، والأغرب أن الدراسات أثبتت أن التحسن في المرضى الملتزمين بتعاليم الدين الذين يتمتعون بإيمان قوى بالله كان ملحوظاً بنسبة تفوق غيرهم، وذلك لأن الشعور بالطمأنينة النفسية المصاحب للإيمان بالله له علاقة بقوة جهاز المناعة الداخلي الذي يقوم بدور حاسم في مقاومة الأمراض العضوية مثل أمراض القلب والسرطان.

كلمة أخيرة.. الحمد لله الذي وهبنا هذه الفرصة الذهبية للعلاج النفسي، واستعادة التحكم بالنفس، والتخلص من العادات السيئة والإدمان في شهر رمضان.