أولاً : دور الأحداث : يتطلب إحداث حالة التنويم في الفرد قدراً كافياً من الاستعداد الذاتي لتقبل الإيحاء من مصدر ما والذي يأتي عادة من فرد يقوم بعملية التنويم غير أن هذا المصدر قد يكون الفرد نفسه أو تسجيلاً صوتياً أو حتى التواجد في مكان إيحائي . وتتم عملية وضع الفرد في حالة تنويم بضعة دقائق في المعدل غير أن لها أن تطول أكثر أو أقل من ذلك . وهو زمن يتقرر بدرجة الإيحاء التي يتمتع بها الفرد وبمقدرة المقوم على الإيحاء كما يتقرر بفعل عوامل أخرى وعلى العموم فأن الفرد الذي يقبل عملية التنويم يصبح أسرع استجابة لعملية إحداث التنويم بتزايد عدد التجارب السابقة التي استجاب فيها للتنويم .

والتقنية المفضلة عادة هي عن طريق زوجية تركيز انتباه الفرد إلى مجال أو شيء صغير محدد وبعزل هذا الانتباه عن كل مؤثر خارجي ويتم ذلك عادة بالتزامن مع الإيحاء بأن الفرد أخذ يميل إلى النعاس أو التناوم وهناك تقنيات أخرى عديدة يستعملها المنومون طبقاً لخبرة كل واحد منهم وكلها لاتخرج عادة عن نطاق السعي إلى إحداث حالة التركيز وحصر مجال الانتباه الواعي في نطاق ضيق .

التنويم :
حالة التنويم حالة غريبة من بين حالات الوعي فلا هي يقظة ولا هي نوم ولا هي بينهما كما هو النعاس حالة تتوسط بين اليقظة والنوم ، كما أنها ليست بمثل حالات الأحلام أو الغشيان أو سرحان الفكر ، وسر هذه الحالة هو الذي أثار اهتمام الناس وعجبهم من هذه الظاهرة منذ أقدم العصور وحتى الآن . ذلك أننا مازلنا لا نعلم علم اليقين ما الذي يحدث في الدماغ أو العقل في هذه الحالة كما أننا مازلنا جاهلين للكيفية التي تحدث فيها عملية التنويم فعلها المؤثر في الوعي والعقل . أما لإغراض علاجية أ و لإغراض أخرى .

مصطلح التنويم :
أصل كلمة التنويم مستمدة من مشتقات كملة نوم وخاصة لفظة نوم تنويماً بمعنى أرقده ، غير أننا لا نستطيع أن نثبت بأن أياً من مشتقات لفظة نوم قد تضمنت مفهوم التنويم كما نعرفه الآن .

أن كلمة تنويم العربية ترادفها كلمة هبنوس ( Hypnosis ) وهذه الكلمة مشتقة من اسم هبنوس Hypnos وهو اسم اله النوم في الأساطير الإغريقية بأنه ابن الليل وشقيق إله الموت .

تعريف التنويم :
لا يتوافر تعريف شامل لظاهرة التنويم والذي يفي بخصائص هذه الظاهرة وهي خصائص متفاوتة الدرجات والمظاهر غير أن التعريف الحالي يعتبر أقرب هذه التعاريف لواقع هذه الظاهرة كما نعرفها الآن :
حالة متغيرة من الشعور الواعي والتي يتم إحداثها في شخص متعاون بفعل الإيحاء من قبل المنوم مما يؤدي إلى خلق حالة من تصدع الوعي الغيبان وفي خلال هذه الحالة فان الواقع في حالة التنويم يركز على جل انتباهه إلى ذلك الشيء أو الموضوع الذي أراده المنوم كما أن لمجموعة واسعة من التجارب من الهلاوس ومن فرط الذاكرة أو تشويهها ومن مختلف المسالك يمكن إحداثها بإيحاء من المنوم .

القابلية للتنويم :
يختلف المعنيون بموضوع التنويم في تقدير نسبة الناس الذين يملكون القابلية للتنويم والاستجابة له فمنهم من يقصر مثل هذه القابلية على نسبة قليلة من الناس لا تزيد على 10% ومنهم من يرى عكس ذلك وبأن كل إنسان تقريباً يملك الاستعداد للتنويم ويمكن تقدير قابلية الفرد للإيحاء ببعض التطبيقات والتمارين التي تعطي تقدير مبدئي لاستعداد الفرد مثل تجربة البالون .

ويمكن تقسيم قابلية الفرد للتنويم إلى ثلاثة مستويات ( أ ، ب ، ج ) ففي المستوى أ نجد بأن 30% من الناس الأسوياء يتمتعون بدرجة عالية من الإيحائية التي تؤهلهم للاستجابة السريعة للتنويم .. وفي الدرجة ب فانا نجد حوالي 45 إلى 60 % من الناس والذين يتمتعون بدرجة متوسطة من القابلية ... وفي الدرجة ج تضم حوالي 10 إلى 25 % من الناس فنجد أولئك لديهم نسبة قليلة من القابلية الإيحائية والذين يصعب بذلك تنويمهم .

عملية التنويم :
العنصر الأساسي في عملية التنويم هو أن يكون الفرد الذي يجري تنويمه متعاوناً مع الذي يقوم بتنويمه غير أن هناك عناصر أخرى تهيئ الفرد لعملية التنويم ، كاختيار المكان وظروفه ( بيئته ) وحالة الفرد أثناء علمية إحداث التنويم والهدوء خفوت الضوء .

إحداث التنويم :
حالة التنويم ليست حالة ( إما ) أو ( لا ) وإنما امتداد من حالة الوعي الطبيعي ومن ثمة الاسترخاء تدريجياً إلى الحالات العميقة من السرحان وهكذا يمكن إحداث درجات متفاوتة العمق من التنويم وإلى الحدود التي تتطلبها الحالة المرضية التي يعانيها الفرد الخاضع لتقنية التنويم ومع أن البعض يستجيبون ايجابياً فعل درجات بسيطة من التنويم كالإيحاء وهم متمتعين بالوعي الطبيعي أو بالإيحاء أثناء الاسترخاء إلا أن أفضل النتائج العلاجية تتم عادة عند القيام بعملية الإيحاء والفرد في درجة عميقة من التنويم .

أن التقنيات المستعملة في إحداث التنويم متعددة ومعظم هذه التقنيات تتضمن الإيحاء بالاسترخاء وإثارة الوتيرة الرتيبة وانشغال الفرد بالفانتزي وتنشيط الدوافع غير الواعية وبدء السلوك اللكوصي ( أي السلوك الذي يعود إلى فترة سالفة من العمر ) وهناك طرق مختلفة لإحداث التنويم الفعلية ، ومن أكثرها إتباعاً هي وضع الفرد في حالة استرخاء والطلب إليه توجيه انتباهه نحو نقطة معينة أو موضوع محدد وبمعزل عن أية مؤثرات خارجية ويصاحب ذلك الإيحاء المتكرر له وبصورة رتيبة ومملة بأنه بدأ ينعس أو على وشك النوم ولمثل هذا الأسلوب أن يضع الفرد في حالة بحران تنويمية إذا ما كان راغباً ومتعاوناً وفي خلال دقائق أو حتى ثوان معدودة وبالتكرار يمكن إحداث التنويم آنياً وتنتهي حالة التنويم بالإيحاء من المنوم وهذا يحدث بالحال . أما إذا ترك الفرد لوحده بدون إيحاء فانه يعود تدريجياً إلى حالته الطبيعية وفي بعض الحالات تتأخر العودة لزمن أطول ويفسر ذلك بأن الفرد يجد في حالة البحران التنويمية فائدة نفسية غير واعية له ومثل ذلك يحدث أيضاً إذا كان القائم بتنويم الفرد قليل الخبرة بتقنية التنويم .
ويمكن تطبيق عملية التنويم على فرد واحد أو مجموعة أفراد وقد أمكن تطبيقها على أعداد كبيرة بواسطة المذياع أو التلفزيون .

وكل إنسان متوسط ا لذكاء يمكنه أن ينّوم سواء كان ذكراً أو أنثى ، ولكن الأشخاص يتفاوتون في هذه القدرة رغم أنها موجودة فيهم أصلاً . ويمكن تحسينها بالممارسة وهذه القدرة تتطلب الثقة بالنفس والأمانة وحسن الخلق وحسن الإلقاء ذلك أن هذه الخصال تحمل الوسيط على الاطمئنان والثقة بالمنوم ومطاوعته مما يسهل حدوث التنويم ويعجل بحدوثها ( ).

التنويم الذاتي :
التنويم الذاتي هو عملية إجراء حالة التنويم في الفرد بفعل منه ومع أن أكثر هذه الحالات تتم عن طريق تعليم المنوم في البداية إلا أن البعض يمارسون إحداث التنويم في أنفسهم بدون إرشاد من المنوم وإذا كانت هناك ضرورة لممارسة التنويم على المدى الطويل فانه يفضل تدريب المريض على ذلك مع زيارته على فترات بهدف إسناد التدريب الأولي وإلا ضعفت مقدرة المريض التنويمية الذاتية ..

حالة التنويم :
نتيجة الإيحاء التنويمي واستجابة المنوم له يصبح الفرد في حالة من الوعي المتغير والتي تتسم بواقع سلبي من تفكك الوعي والتي يصبح فيها الفرد بالضرورة متوجهاً نحو ذلك الشيء الذي يرغب المنوم توجيهه إليه وبمعزل عن المجالات الأخرى من الوعي والإدراك التي يتمتع بها عادة ونتيجة لذلك فأنه يصبح بإمرة وتوجيهات المنوم ويعمل طبقاً لتوجيهاته وبدون تردد ( إلا في تلك الأمور التي أما تخالف ضميره أو مثله أو لها أن تحلق الضرر به أو بغيره ) وتتواصل حالة التنويم بالقدر الزمني الذي يرغب فيه المنوم ويستطيع إدامته .

ثالثاً : الإيحاء التالي لحالة التنويم :
ويقصد بذلك مايوحي به المنوم للمنوم أثناء حالة التنويم لكي يقوم به في زمن مابعد انتهاء حالة التنويم . ويتم ذلك بتوجيه الفرد المنوم لأن يقوم بعمل ما عندما يتعرض إلى كلمة معينة أو حافز منبه معين ويقتضي على الفرد أن لا يتذكر هذه الكلمة أو الحافز في وعيه وبهذا فان التعرف عليه يظل غير موعي عنده غير أنه يعمل بموجبه عندما يتعرض له كما أن الفرد لايملك المعرفة بسبب قيامه بذلك الفعل .

الخروج من حالة التنويم :
الخروج من حالة التنويم تتم عادة بصورة أسرع من إحداث حالة التنويم وذلك بإصدار الإيحاء للمنوم بأنه يستطيع الخروج من حالته القائمة ولهذا الإيحاء أن يكون كلامياً أو عن طريق واسطة حسية يتعرض لها ويقوم المنوم عادة قبل إخراج الفرد من حالة التنويم بالإيحاء له بأنه سينسى كل شيء حدث أو تعرض له أثناء حالة التنويم .

الظواهر الحادثة أثناء التنويم :
أن العديد من الظواهر يمكن أن تحدث أثناء التنويم ومن هذه التغيير في الشعور وظهور الهلاوس والتذكر والنسيان أو تشويه الذاكرة ونكوص الذاكرة إلى مراحل حياتية سابقة واتخاذ أوضاع جسمية معينة لمدة طويلة غير أن أهم مظهر للتنويم هو ما يلاحظ من زيادة عظيمة في تقبل الفرد المنوم واستجابته لما يتلقاه من إيحاءات من الذي قام بتنويمه غير أن المدى الذي يذهب إليه الفرد في ذلك والاستجابة له يخضع دائماً لمدى تقبله أو رفضه لما أوحى به المنوم له ، وله طبقاً لذلك أن يستجيب إيجاباً أو سلباً بأن يصبح أصم أو فاقد للبصر أو الاستجابة بالنسيان أو غيرها وعادة لايستجيب الفرد فيما يخالف أو يتنافى مع مصالحه ومثله .

ومن مظاهر التنويم هي ظاهرة الإيحاء التالي للتنويم والمقصود بذلك القيام بالإيحاء للمنوم أثناء فترة تنويمه بأن يقوم بفاعلية معينة في وقت مابعد خروجه من حالة التنويم ، كأن يطلب إليه بأن لايحس بالألم عند إجراء عملية جراحية له في وقت لاحق أو بأن لا تشعر المرأة بالألم عند الولادة أو أن لا يشعر بالألم الناجم عن آفة سرطانية أو أن يحلم بحلم معين خلال النوم وفي مثل هذه الحالات يطلب إلى الفرد أن لايتذكر ماتم الإيحاء به إليه خلال التنويم .

من الظواهر الأخرى التي لها أن تحدث أثناء التنويم هي الظواهر التالية:
1- النومشة : أو المشي خلال النوم وهي حالة يجمع فيها الفرد المنوم إلى درجة عميقة بين المظاهر الخارجية والسلوك المناسب للشعور الاعتيادي غير أنه في نفس الوقت على استعداد لإظهار أي نوع من أنواع السلوك التنويمي باستجابة سريعة وحتى تلقائية مما يتوفر له من إمكانية لإظهار مثل هذا السلوك .
2- ظاهرة التصدع ( اللاإرتباطية ) والتي تتم بالانفصال ما بين القيم الذاتية والقيم الموضوعية ولهذه الظاهرة أن تسمح له بالقيام بتعلم مخصص وبدون أن يثير ذلك أي اعتراض أو انفعال ذاتي مانع لما تعلمه مثال ( أن يوحي له بالتخدير في مكان زرق أبره لأن ظاهرة اللاإرتباطية تمنع رد الفعل الذاتي الألم من أن يحدث .
3- تشويه الإخلال بالزمن ، وتتمثل هذه الظاهرة في أن الفرد يحس الزمن ذاتياً بأنه أطول أو أقصر مما هو في واقع الحال ، ويصاحب ذلك عادة تغيير في القيم الذاتية وفي الأداء النفسي والفسيولوجي.
4- ومن المظاهر الأخرى التي لها أن تحدث في المنوم هي الخيالات شديدة الوضوح في المجال السمعي والبصري والكتابة والأوتوماتيكية وتجريد الشخصية وأنواع أخرى من اضطراب الاستعراف وتسارع أو إبطاء الوظائف الفيزيولوجية ( القلب والدورة الدموية ...الخ )

منقول من الموقع الشخصي للدكتور صلاح المعمار