الفرح شعار للدين في الأعياد وأداة لتغيير المجتمعات :

"إظهار الفرح والسرور من شعار الإسلام في الأعياد"، هذا ما قرره الكثير من العلماء ويستدل العلماء على هذه المسألة بخبر عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنّيان بدفّين بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش ، وتسجّى بثوبه، وحول وجهه إلى الجدار، وجاء أبو بكر فانتهرهما، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكشف النبي وجهه، وأقبل على أبي بكر، وقال: دعهما، يا أبا بكر إن لكل قومٍ عيداً وهذا عيدنا"رواه البخاري ومسلم.

وما فعله الحبشة، بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حيث اجتمعوا في المسجد يرقصون بالدرق والحراب، واجتمع معهم الصبيان حتى علت أصواتهم، فسمعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر إليهم، ثم قال لعائشة: "يا حُمَيْراء أتحبين أن تنظري إليهم، قالت: نعم ، فأقامها - صلى الله عليه وسلم - وراءه خدها على خده يسترها، وهي تنظر إليهم، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يغريهم، ويقول : دونكم يا بني أرفدة، لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني بعثت بالحنيفية السمحة" رواه أحمد في مسنده، صححه الشيخ أحمد شاكر في عمدة التفسير.

ورُوي عن عِياض الأشعريّ أنه شهد عيدًا بالأنبار فقال: ما لي أراكم لا تُقلِّسون، فقد كانوا في زمان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفعلونه، وفي رواية أخرى: فإنه من السنة في العيدين، والتقليس: هو الضرب بالدف والغناء، وفسره أهل الحديث أن يكون الأطفال معهم الدفوف في أفواه الطرقات يوم العيد لتعم الفرحة كل البلد.

وهذا يفيد أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رخص في الضرب بالدف والغناء وسماعهما في أيام العيدين إظهارًا لسرور المسلمين بإتمام ما فرض الله عليهم، وإن كان لا يرخَّص فيه في غيرها من الأيام، كما رخَّص رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ باللعب في يوم العيد.

يعتقد البعض أن إظهار الفرح في ظل حالة التنكيل التي تعيشها بعض البلدان الإسلامية مثل بورما أو سوريا خيانة، وهذا صحيح إن كان الفرح يشتمل على معاصي وما يغضب الله من اللهو المحرم، أو كان هذا الفرح يدعو إلى الغفلة، أما إن كان الفرح يهدف إلى رفع العزائم وبث الأمل وتجديد الهمة، وتصحيح الصورة عن الشباب المتدين، وتوضيح الرؤية، واستثماره كمناسبة لتعريف الناس بفسحة الدين وعظمة الشريعة، والتأكيد على ضرورة العمل ليكتمل الفرح بتحرر ورفعة الأمة الإسلامية؛ هنا يصبح إظهار مشاعر الفرح أهمية كبرى، وربما اكتسب أولوية عن كثير من الأعمال الأخرى.

كما أن إظهار الفرح يغيظ أعداء الله، ويؤثر في معنوياتهم بالسلب، ويرفع من معنويات إخواننا؛ لذلك فقد رأينا الشعب السوري في أشد الأوقات وأصعبها يخرج جماعات وهو يردد الأناشيد الشامية في صوت واحد، ويرقص الأطفال ويصفقون، حتى أصبح إظهار الفرح والسرور واستخدام الضحك أحد أدوات المقاومة وعنصر فاعل في الثورات العربية، وكما جرى في الثورة المصرية حيث أصبحت الكلمات المبهجة وبعض الشعارات المضحكة والأناشيد والأشعار وبعض العروض محل اهتمام من العالم بأسره وتناقلتها وسائل الإعلام، وكانت وسيلة جذب لمزيد من الجماهير، في المقابل فقد ضعفت معنويات جلادي مصر وكانت أفضل حرب نفسية يمارسها ضدهم الثوار.

التعامل مع قضية الفرح بهذه الروح وهذا الفهم يضفي عليها معنا جديدا ويزيد من فاعليتها، فهي مؤشر على قرب النصر وعلى الأمل والتفاؤل، ورفع الروح المعنوية وتجعل من المقاومة والثورة فعلا ممتعا ومسل، وتزيد من جاذبيته الجماهيرية وتخفف الآلام والضغوط التي يواجهها الثوار والمقاومون، في المقابل تحبط من معنويات الأعداء و تزيد من ارتباكهم وضجرهم.

كما أن بعض العروض والألعاب لو حسن استغلالها وأتقن أداؤها، يمكنها أن توصل معان ورسائل أبلغ من عشرات المواعظ والخطب، ويتشربها الإنسان ويستوعب مضامينها في سهولة وبساطة ويكون تأثيرها أسرع، فإذا منعنا هذه الأدوات الفعالة نكون قد حرمنا أمتنا من خير كثير. ويمكن من هذا فهم الربط بين إباحة الدف في أوقات الأعياد والحروب.