[SIZE=أكاديمي]
إنّ أي مبدء يهمل قضية المجتمع أو يتعثر في وضع النظام الصالح له لا يستطيع أن يعيش في واقع الحياة ويتفاعل معها، بل لابدّ له أن ينحسر إلى الهامش، إذ إنّ الفاعلية مع الحياة لا تعني سوى التفاعل مع الإنسان وهذا لا يعني سوى وضع النظام الإجتماعي الأفضل الذي يحمل باقة السعادة الأبدية له.


-ما هي الحياة..؟؟



الحياة واقع هادف ومرحلة تجربة وإختبار يمر الإنسان عبرها ليكشف عن هويته وعن إتجاهه الواقعي وعن موقفه تجاه الله والضمير والإنسان فالحياة مخلوقة لهدف والإنسان خلق لهدف أيضاً.. ورد في الحديث القدسي "قل لعبادي لم أخلقكم لأربح عليكم ولكن لتربحوا علي". ومن أجل أن يحقق الإنسان الهدف من وجوده شرع الإسلام نظام إجتماعي شامل يتكفل إستقطاب الطاقات والإمكانات ويوظف المواهب لحساب هذه الهدفية.

وقد إختص الله بوضع هذا النظام ولم يسمح لأي فرد أن يتعرض لمثل هذه المهمة لا لشيء إلا للصفات الحسنة الموجودة في الله والمفقودة في الإنسان، لأنّ الله هو أعلم بمصلحة عباده وبالقانون الذي يجلب لهم السعادة أو يجر لهم الهلاك وهو أعلم بعلاقة البشر بعضهم ببعض وتأثير تلك العلاقة على مسيرة الإنسان وحياته الاجتماعية في الأرض "ويعلم المفسد من المصلح" بينما الإنسان من طبيعته الضعف فهو مجمع نواقص. والقانون الذي يصدر منه سوف يكون ناقص ونابع من المصلحة الذاتية وليس المصلحة العامة.





- لماذا النظام..؟؟



أوّلاً:

صنع الجو المناسب لتفجير طاقات الإنسان ومواهبه فالإنسان كفرد في المجتمع له حقوق وواجبات تجاه نفسه وربه ومجتمعه، وشريعة السماء لم تغفل عن هذه الحقيقة بل وضعت نظاماً يتلائم مع طبيعة هذا الإنسان كروح وجسم فأحلت له غذاء الروح والجسد معاً لضمان السعادة له.

فهي عندما حرمت عليه الإنكباب على الماديات والانغماس في شهوتها حتى الادمان. حرمت الرهبانية والتجرد الكامل من الماديات والإنعزال في صومعة دون مزاولة الحياة الاجتماعية لأن ممارسة كلا الحالتين لا تجلب الا الشقاء والتعاسة له.

لذلك شرعت له حياة وسط فأعطته الحرية في الارتشاف من مناهل اللذة في هذه الدنيا ولكن في إطارها المشروع "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق" ذلك الإطار الذي يحصّن الإنسان من عبادة المادة فلا يجعلها هدفاً أساسياً له دون التفكير في الجوانب الأخرى من حياته بحيث لا يضحي من أجلها بكل المبادئ الإنسانية والقوانين الشرعية.. وفي الجانب الآخر وفرت له غذاء الروح من شعائر دينية وطقوس عبادية تربوية روحية تتكفل بتحقيق التوازن في حياة الفرد ومن ثمّ في حياة المجتمع، فلا مادية بحتة تترك بصماتها السلبية على حياته، ولا صوفية متطرفة تعزله عن المجتمع ورد في الحديث "من مال إلى الصوفية فليس منا وأنا منه براء ومن ردهم وأنكر عليهم كان كمن جاهد بين يدي رسول الله (ص).



ثانياً: جلب السعادة له:



الإنسان كائن إجتماعي يرتبط بالمجتمع بعدة روابط، ورابطة الأسرة أقوى تلك الروابط. وهي رابطة توجدها غريزة الإنسان كما يؤمن بها الإسلام إيماناً قوياً لأنّ المجتمع الإسلامي بني على أساس الأسرة، والأسرة إطار ينظم علاقة البشر مع بعضهم البعض عبر التعاون ضمن إطار قانون ومنهج الله سبحانه وتعالى "يا أيها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً".

والإنسان كفرد هو مادة هذه المؤسسات لذلك يعتمد صلاح هذه المؤسسات أو فسادها على صلاح الإنسان أو فساده.

وقانون الله هو الذي يضمن صلاح الإنسان لو التزم الإنسان بهذا النظام في داخل الأسرة وخارجها في علاقته الزوجية (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ) (النساء/ 1). وفي علاقته الاجتماعية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة/ 8). وفي سائر العلاقات الأخرى.

ولكي يسهل تطبيق هذا النظام على الإنسان صنع الله منه كائن يتفاعل مع هذا الجو ويطوره فزوده بالفطرة السليمة التي هي رأس ماله وبالعقل السديد.

فالفطرة السليمة ثروة هائلة تساعد الإنسان على إكتشاف منهج الحق والسير عليه والإستسلام لقانون الله لما فيه مصلحتها، والعقل هو الآخر مرشد ثاني فهو الرسول الباطن وهو أفضل خلق الله والنعمة التي فُضل بها الإنسان على سائر المخلوقات ورد في الحديث "العقل عقال من الجهل وإن الله خلق العقل فقال له اقبل فأقبل وقال له أدبر فأدبر فقال الله تبارك وتعالى وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أعظم منك ولا أطوع منك بك ابدأ وبك أعيد لك الثواب وعليك العقاب".

هذا هو النظام الإسلامي الذي لولاه لما إستطاع المجتمع الإسلامي أن يقوم على أساس متين ولما إستطاع أن يصنع لنفسه كياناً إجتماعياً وقوة فكرة تتفاعل مع واقع الحياة وتتحدى أي قوة في العالم
[/SIZE]